عراقيّات يدفعن الفدية لتحرير ذويهن من المليشيات

08 مارس 2015
أزمات العراق تضاعف مآسي النساء (العربي الجديد)
+ الخط -

بدأت الأعباء تزداد صعوبة، مع المتغيرات التي تفرض نفسها على الواقع العراقي، لتضاف إلى النساء العراقيات، اللاتي يعانين أضعاف ما تعانيه نظيراتهن في العالم، مسؤولية تحرير ذويهن المختطفين من قبضة المليشيات والعصابات، ومساومة الخاطفين لاستلام المخطوف حيّا أو جثته مقتولا.

"أم أسيل" واحدة من عشرات النساء اللاتي أضيفت إليهن تلك المهمة، حيث لم تكن تتوقع أنها ستمر بهذا الموقف في حياتها، بالرغم من أنها قد تعرضت لأقسى الظروف، من مقتل شقيقها وابنه وبعض من أبناء عمومتها، إلى نزوح باقي أشقائها وعوائلهم.

أما ما لم تضعه أم أسيل في الحسبان، فكان مفاوضة مليشيات خطفت زوجها، حيث تروي لـ"العربي الجديد" قصة اختطافه، وتقول: "ذهب زوجي كعادته مبكراً إلى دكانه، فهو تاجر يبيع المواد الغذائية، ففوجئ بأشخاص ملثمين، يرتدون ملابس سوداء يسحبونه من داخل محله، ليضعوه في صندوق سيارة ويقتادوه إلى جهة مجهولة، وبعد مرور خمس ساعات على اختطافه رن هاتفي، كانت المكالمة من الخاطفين، فأبلغوني أن أبو أسيل مختطف لديهم، وطالبوني بدفع فدية قدرها 150 ألف دولار، وهددوني إن لم أدفع، بأنه سيتم قتله ورمي جثته في المزابل".

وتتابع: "لم أصدق ما سمعت، سقطتُ مغشيا عليّ، لم أفق إلا والجميع حولي يحاولون طمأنتي على مصير زوجي، كان مسلحو أفراد المليشيات يتصلون بي بين الحين والآخر، يسألونني عما جمعت من مبلغ الفدية، وحين طالبتهم بسماع صوته قالوا: "سنتصل بك ليلاً لتتأكدي من بقائه حيّاّ. فكان عليَّ أن أتحرك بسرعة، فأنا لا أعرف الكثير عن عمل زوجي، ونحن ليس لدينا سوى ابنتنا الوحيدة أسيل، التي تدرس خارج العراق".



وتستطرد أم أسيل "كان الوقت يمر عصيباً، وحين تُغلق الأبواب بوجهي ولا أجد من أستدين منه المال، أشعر أن اليوم انتهى وكأنه دقيقة، وأن مهلة الأربعة أيام التي أعطتني إياها المليشيات ستنتهي دون أن أجمع المبلغ المطلوب.
وعاودت المليشيات الاتصال بي ليلاً، كنت أرتجف خوفاً وهم يسمعونني صوت تجهيز المسدس ويهددونني بقتل زوجي، فقد كانوا يتلفظون بالشتائم وعبارات الكفر بذات الله، ما لم أسمعه في حياتي، كان عليّ أن أتحمل وقاحتهم وألا أبدي أي تذمر" حسب قولها.

وتتابع "في اليوم التالي اتصلوا بيّ، سمعت تسجيلاً صوتياً لم يكن يشبه صوت زوجي، خفت أن يكونوا قد قتلوه، وأنهم يريدون فدية لقاء جثته، كما فعلوا مع أم ماهر والدة الشاب الثلاثيني، التي دفعت مبلغ 150 ألف دولار للمليشيات التي خطفت ابنها، واتفقوا معها على موعد التسليم في الثانية بعد منتصف الليل، وسارت في الشوارع المظلمة، على الرغم من حظر التجوال، سلمت أم ماهر المبلغ الذي جمعته بشق الأنفس للخاطفين، واتجهت للمكان الذي أبلغوها بأن ولدها ينتظرها فيه، وحين وصلت عثرت عليه مقتولاً. كانت الصدمة أكبر من أن تحتملها، فاحتضنت جثة ابنها في الشارع، التي لم تعرف على الفور أنها لابنها".

وتكمل أم أسيل "في اليوم التالي بعد الغروب سمحوا لزوجي بالتحدث معي، توسل إلي إعطاءهم المبلغ الذي طلبوه قبل أن ينفذوا تهديدهم بالقتل، وكنت قد عرضت دكانه للبيع، ورشّح الخاطفون شخصاً للتفاوض معه، وقد كان مسؤولاً حكومياً في مدينتنا..!! والذي قال إنه مجرد وسيط بيني وبين الخاطفين لأنه يحب الناس ويحب الخير لهم.


وبعد المساومة والتفاوض توصلنا إلى مبلغ 50 ألف دولار، فهذا أقصى ما استطعت جمعه واستدانته، وافق على المبلغ بعد مشاورته المليشيات، وفي سابقة لم تحدث من قبل، تم الإفراج عن زوجي في وضح النهار، وقد اعترف أحد الخاطفين لزوجي بأنه قتلَ 20 سُنياً انتقاماً لمقتل أبيه، وهو الآن يعمل مع هذه المليشيات ولا يتقاضى شيئاً غير إجازة 10 أيام من عمله معهم".

أما السيدة هناء إسماعيل، فأوضحت لـ"العربي الجديد" أنه "يتم تسليم المختطفين في مناطق مهجورة، وفي ساعات متأخرة بعد منتصف الليل، حيث تذهب المرأة، بعد تلقيها معلومات عن المكان الذي تضع فيه المبلغ المتفق عليه، وغالباً ما تكون الأخت أو الزوجة أو الأم التي يقع على عاتقها المساومة والتفاوض"، لكن هناء فضلت أن يُقتل ولدها على أن تذهب زوجته الشابة بمفردها، لتسليم المبلغ كما طلب الخاطفون.

عقيد متقاعد في شرطة ديالى، رفض الكشف عن اسمه، قال لـ"العربي الجديد": انتشرت وبشكل كبير حالات الخطف والابتزاز لتقفز إلى الواجهة، وهي غالباً ما تحدث على يد مليشيات متنفذة، أو عصابات تفرض سيطرتها على تلك المدن، وهذا ما جعل بعض ضعفاء النفوس من العصابات والإجراميين، يستغلون ضعف الأجهزة الأمنية واختراقها، للحصول على مبالغ طائلة من خلال عمليات الخطف والتهديد لذوي الضحايا.

وأضاف أن أجهزة الأمن في تلك المدن، شبه عاجزة إلا في حالات قليلة عن إيقاف هذه الممارسات، والتي من شأنها أن تبث الرعب والخوف في نفوس المواطنين، بل قد تجدها تشترك بالجريمة إن لم تكن متسترة عليها.

اقرأ أيضاً:
في العراق.. النساء يترأسن أسرهن
العراقيات لا يبحن بتعرضهنّ للتحرّش

المساهمون