عجائز مخيم جنين.. حسرة اللاجئات الفلسطينيات على ماضيهن

08 مارس 2015
عجائز اللجوء يتحسرن على أرضهن المسروقة (العربي الجديد)
+ الخط -
في غرفتها الوحيدة التي يفضي إليها زقاق طويل من أزقة مخيم جنين، تعيش عائشة إبراهيم وحدها منذ 15 عاما، بعد أن توفي زوجها، وتزوج ابنها الوحيد من فتاة فلسطينية تحمل الهوية الإسرائيلية. وفي ذات الزقاق تعيش -وحدها أيضا- فاطمة السعدية منذ زمن طويل، في غرفة واحدة.

فاطمة وعائشة تضحكان عندما تسألهما عن يوم المرأة العالمي، تقول عائشة "أنا لست متعلمة، أنا كبيرة في السن، هذه الأمور ليست لي"، وتضحك فاطمة طويلا قبل أن ترد "لم أسمع السؤال" ثم تنصرف لترتيب ما قطفته منذ الصباح من أعشاب تبيعها في سوق المخيم لتعيش.

ثمة فكرة لدى النساء الكبيرات في السن أن العيد، أي عيد، يخص الصغيرات الجميلات المتعلمات، أما أن تكون المرأة كبيرة، وحيدة ولاجئة، فمن قلة العقل أن تسألها عن يومها العالمي.

لكن عائشة المقرفصة خلف مفرمتها الخشبية، التي تلف فوقها ورق الملفوف بعناية، تنهدت طويلا قبل أن تنفجر "أنا من قرية المنسي قضاء حيفا، عمري 85 عاما، حسب تقديرات وكالة الغوث، لقد قدروا أعمار اللاجئين الذين فقدوا أوراقهم في بلادهم الأصلية، لذلك لست متأكدة من عمري بالضبط، لكنني عشت معززة مكرمة في المنسي، أنا من عائلة كانت ثرية، لو لم نفقد ما فقدنا لكنت اليوم أحسن من هيفاء".. هيفاء!

تبين أن هيفاء طبيبة فلسطينية من العائلات العريقة في مدينة جنين، تتقصى عائشة أخبارها من جارتها مريم التي تعمل سكرتيرة في عيادتها، تقول عائشة دون أن تتوقف عن ترتيب أصابع الملفوف في طنجرتها الصغيرة "تحدثني مريم عن الحياة الكريمة التي تعيشها هيفاء، أطبطب على مريم وأقول لها إننا لولا غدر الزمان، وضياع أراضينا، لكنا اليوم من اللواتي يعشن حياة جميلة".

لم تنس عائشة طفولتها في قرية المنسي داخل بيت واسع تحيطه البساتين وينابيع المياه، آلاف الدونمات، كانت باسم والدها الشيخ إبراهيم حجات الذي استشهد في ثورة عام 1936، بعد أن تدرب في سورية على السلاح لقتال الإنجليز، تلك الأيام الخوالي ما زالت تؤرق عائشة وتنكد عيشتها الضيقة في المخيم.
معاناة المرأة الفلسطينية اللاجئة بعمق تاريخ تغريبتها


هنا في مخيم جنين لا تشعر اللاجئات على اختلاف أعمارهن، بظلم اجتماعي مصدره الرجال، ثمة ظلم أكبر وأوسع يُشغل الذكور والإناث في المخيم، يتعلق قطعا باقتلاع الناس من أرضهم عام 1948، وكل ما عدا ذلك لا يهم.

تقول الشابة رنا العامر، التي تتفقد العجائز في حارتها من وقت لآخر وترعاهن عند الحاجة "هنا في المخيم النساء مثل الرجال، لهن شخصياتهن القوية، ويأخذن حقوقهن بالقوة، ولا يعجزن عن الدفاع عن أنفسهن".

وتضيف العامر "هناك ظلم قاسٍ في المخيم على المرأة والرجل، ظلم سياسي بالأساس".

الحاجة فاطمة، جارة عائشة في الزقاق، تذكرت أمرا مهما على ما يبدو، تركت الأعشاب من يدها، جرَّت نفسها إلى صندوقها الصغير في غرفتها، وأخرجت بطاقة الهوية الفلسطينية، وطلبت من مراسل "العربي الجديد" أن يحسب لها عمرها، إنها من مواليد عام 1932، مضيفة "افحص لي متى سأموت؟".

أما عائشة التي تتحسر على بقراتها العشرين التي خرجت بها عائلتها من المنسي، لا تخاف الموت، لقد عاشت حروبا طاحنة في المخيم دون أن تترك غرفتها الصغيرة "أنا أخاف الله، يا ريت العالم يخاف الله".

بعد أن وضعت عائشة طنجرتها فوق نار هادئة، وأنهت فاطمة ترتيب أعشابها، جلست الحاجتان عند عتبات غرفهن في الزقاق الضيق، تنتظران أشياء كثيرة، من بينها: عودة زميلتهن الثالثة واسمها أيضا عائشة، بنت الثمانين عاما، من صفها الرابع في مدرسة محو الأمية.