حسني مبارك.. الديكتاتور الذي عاصر هزيمة جيل ثار عليه

25 فبراير 2020
ثلاثة عقود في الحكم وعقد بعد التنحي(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
غريب هو هذا القدر الذي حكم على جيل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بأن يعيش سنوات من الهزيمة والانكسار وتحطم الأحلام، على مرأى الديكتاتور الذي ثار ضده قبل قرابة عشر سنوات. 

غيّب الموت اليوم الثلاثاء الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، بعدما شاهد جيل الثورة يعيش محطات الخيبة واحدة تلو الأخرى، وتموت أحلامه بوطن عادل يعيش فيه الجميع بحرية وعدالة اجتماعية. 

مضت السنوات بانكسار وهزيمة ويأس وقهر وانتصارات صغيرة في المنتصف. بينما كان الرئيس المخلوع، الذي استأذنهم في البقاء في الحكم ستة أشهر فقط، في فبراير/شباط 2011، يشاهدهم من قصوره المشيدة بعدما نجحت ملياراته في أن تبرّئه من الاتهامات إلا واحدة.

كانت الثورة حاسمة عندما نجح المتظاهرون لأول مرة في إسقاط صورة مبارك العملاقة في الشارع ودعسها بالأقدام. وكان النصر قريبًا وهو يلقي خطاب التنحي في 11 فبراير/شباط 2011. وكانت الفرحة عارمة في أول بث مباشر لوقائع محاكمة مبارك ونجليه ووزير داخليته حبيب العدلي في أغسطس/آب 2011، والتي عرفت حينها بـ"محاكمة القرن".

لكن القدر تبدل سريعًا، بعدما أسقطت المحكمة عن مبارك تهمة التآمر للقتل التي كانت موجهة إليه، بعد مقتل مئات المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير 2011، واعتبرتها "قضية سياسية". 

وتوالت البراءات بعد ذلك تباعًا، إلا من القضية المعروفة إعلاميًا بـ"قصور الرئاسة"، التي أدين فيها مع نجليه بالسجن 3 سنوات، وتغريمهم ما يزيد عن 125 مليون جنيه، وإلزامهم برد 21 مليونا، بتهمة الاستيلاء على أكثر من 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية.

ثم شاهد مبارك كيف عصفت الثورة المضادة والانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013 بكل من لهم علاقة من قريب أو من بعيد بثورة يناير، وكيف تفرقت بهم السبل بين شهيد ومطارد ومعتقل ومجبر على الصمت.

مات الرجل الذي اعتلى كرسي الرئاسة ثلاثين عامًا، وكان بطلًا إجباريًا في الأغاني الوطنية ومواضيع التعبير في كراسات التلاميذ باعتباره "رجل السلم والحرب".

مات الرجل الذي أصدر أوامره بقتل المتظاهرين يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، وكان مسؤولا عن أفجع الكوارث في مصر، وأبشعها على الإطلاق، مثل كارثة حريق قطار الصعيد في 20 فبراير/شباط 2002، حيث تفحّم 361 جسدا داخل القطار، وغرق أكثر من 500 مواطن في العبّارة السلام إكسبرس في فبراير/شباط 2006، واستيراد المبيدات المسرطنة التي أدخلت المرض والموت لأغلب البيوت المصرية.

فما بين ثلاثة عقود في الحكم وعقد بعد التنحي، انتهت "أسطورة" ضابط الجيش الذي اعتلى الحكم رجلًا بسيطًا قريبا من الناس، مبشرًا بعصر ديمقراطية زائف، بمشهد أسطوري لملايين البشر في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية تطالب برحيله عن الحكم.  

رحل مبارك وبقيت صورته في ذاكرة الشعب بوجهه المليء بالتجاعيد وجسده الممتلئ الهزيل من كبر السن، فيما جيل يرصد له جرائمه في لحظة عابرة من زمن الهزيمة.

المساهمون