على وقع المفاجأة والصّدمة، يشقّ الجمهوري دونالد ترامب، خطواته بثبات إلى البيت الأبيض، بعد فوزه المدوّي على غريمته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولربّما شكّل الأمر مفاجأة لجمهوره قبل معارضيه.
هو أحد أبناء أشهر أقطاب تجارة العقارات الأميركيين، فريد ترامب، ورغم أن والدته هاجرت إلي الولايات المتحدة في نهاية الثلاثينيات، حاملة معها أصولها الاسكتلندية؛ إلا أنه انتهج، خلال عقود، سياسة شديدة العداء للمهاجرين واللاجئين. درس ترامب الاقتصاد في كلية وارلتون بجامعة بنسلفانيا، إحدى أرقى الجامعات الأميركية التي خرجت رجال أعمال معروفين.
تزوج ترامب ثلاث مرات، بدءاً بعارضة الأزياء التشيكية إيفانا تزيلينيكوفا، ثم بالممثلة السينمائية مارلا مابليس عام 1993، قبل طلاقهما عام 1999. أما زوجته الثالثة، التي أصبحت الآن"السيّدة الأولى" في أميركا، فكانت عارضة الأزياء ميلانيا كونس، ذات الأصول السلوفاكية، والتي أنجب منها ولداً اسمه بارون ويليام.
دخل ترامب تجارة العقارات بعدما اقترض مليون دولار من والده، وبعدها دخل شريكاً في إدارة ثروات والده، التي كان أغلبها عقارات ومشاريع بناء في نيويورك. بعدها أصبح مديراً عاماً للشركة التي أطلق عليها تسمية "مؤسسة ترامب"، عام 1971، وتخصص في بناء ناطحات السحاب والبنايات الكبرى والفنادق الفخمة ونوادي القمار، وأشهر منجزاته كانت ناطحة السحاب في منهاتن، والمؤلفة من 68 طابقاً.
عقب ذلك، بدأ الملياردير الأميركي في بناء إمبراطورية جديدة في عالم برامج الترفيه التلفزيونية، في الفترة ما بين 1996 و2015، ولعلّ أشهر البرامج الناجحة التي أنتجها، هو برنامج "أبرانتيس" (المتدرب) على شبكة "إن بي سي"، وبرنامج مسابقة "ملكة جمال الكون"، ومسابقة "ملكة جمال فتيات أميركا". إضافة إلى ذلك، فهو يمتلك سلسلة "متاجر ترامب" التي تبيع مختلف أنواع السلع، وتقدر مجلة "فوربس" ثروته بنحو 4.5 مليارات دولار.
بدأ حلم الوصول للبيت الأبيض يداعب ترامب منذ عام 1987، ودخل السباق الرئاسي لأول مرة عام 2000 مرشحاً عن حزب صغير، وبعد عام 2008، أصبح ترامب أشهر المتحدثين في حركة "بيرثر"، التي جادلت، في ذلك الوقت، حول مكان ولادة الرئيس السابق، باراك أوباما، وتساءلت ما إن كان أوباما ولد في الولايات المتحدة أم في الخارج.
يرى محللون أن ترامب يمتلك كاريزما تتفوق على غريمته الخاسرة، هيلاري كلينتون، فهو قادر على خلق انطباع قوي ومؤثر، لكن الوجه السلبي الذي أظهره في العديد من القضايا سبّب له الكثير من المتاعب.
واعتمد ترامب في خطاب ترشحه الانتخابي على معاداة شديدة للنساء والمهاجرين والمسلمين؛ إلا أن تصريحاته المثيرة للجدل حول هذه الفئات لم تفقده شعبيته بالكامل، فكثيرون أيّدوه غاضّين الطّرف عن شخصيّته، ناهيك عن أن موقفه المعارض للإجهاض أكسبه تأييد المحافظين التقليديين، كما أكسبه تأييد حرية اقتناء الأسلحة دعمَ مصنّعي السّلاح ومريديه.
إضافة إلى ذلك، عمل ترامب على استقطاب الأوساط العمالية المهمشة من الأميركيين البيض، وكذلك تحسين صورته أمام الأقلية الأفريقية، محاولاً كسب مزيد من الأصوات، التي رأى أنّها قد تعزز وضعه الانتخابي الذي تحسّن بعد الاستطلاع الذي نشر الثلاثاء الماضي، وأظهر تقدّمه على كلينتون على المستوى الوطني لأول مرة منذ مايو/أيار الماضي.
ورغم ذلك، بقي الرئيس الأميركي المنتخب وحيداً في ظل ابتعاد رموز الحزب الجمهوري وقيادته عن حملته الانتخابية، تحسّباً لخسارتهم الغالبية في الكونغرس، خاصة بعدما رفض رئيس مجلس النواب الأميركي، والرجل القوي في الحزب الجمهوري، بول رايان، النطق باسم دونالد ترامب، عندما أعلن في مقابلة تلفزيونية، أنّه أدلى بصوته في الاقتراع المبكر لمصلحة المرشح الجمهوري. وعقب ذلك، برّر رايان عدم مشاركته في مهرجانات ترامب في ولاية ويسكنسن، بارتباطاته الانتخابية خارج الولاية.
وفي ما يخص رؤيته للسياسة الخارجية، يري ترامب أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، وغريمته خلال الحملة، كلينتون، هما من أنشأا تنظيم "داعش"، وانتقد القيادة العسكرية الأميركية التي تشرف على الهجوم العسكري لطرد أفراد التنظيم من مدينة الموصل العراقية، كما اعتبر ترامب أنّ سبب مقاومة "داعش" للهجوم الذي تشنّه القوات العراقية، يعود إلى فشل التكتيك العسكري المتبع، وغياب عنصر المفاجأة، معرباً عن سخريته من إعلان القيادة العسكرية الأميركية والعراقية مُسبقاً عن الهجوم على الموصل، وإعطاء مهلة أشهر عدّة لمسلحي التنظيم من أجل تحصين مواقعهم والاستعداد للمواجهة.
وخلال حملته الانتخابية، وجّه الرئيس المنتخب حديثاً انتقادات متكررة للمؤسسة العسكرية الأميركية، وقد أكّد، أكثر من مرّة في تصريحاته، أن لديه خططاً عسكرية سرية للقضاء على "داعش" بشكل سريع، وأنه يعرف عن التنظيم أكثر مما يعرفه جنرالات الجيش الأميركي.
لكن لا تحظى مواقف ترامب في شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي بأي تعاطف في الأوساط العسكرية والأمنية الأميركية، التي تعتبر دعوته إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وإعادة النظر بالدور الأميركي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتخلي عن حماية الحلفاء في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط؛ تصريحات تهدد الأمن القومي الأميركي، وتضر بمصالح الولايات المتحدة الدولية.
كما ينظر العسكريون في الولايات المتحدة بعين الريبة إلى العلاقة بين ترامب والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خصوصاً مع تزايد احتمالات المواجهة العسكرية الأميركية الروسية في سورية، وكذلك الحرب الإلكترونية التي تشنها الاستخبارات الروسية على الولايات المتحدة، وتعرض مؤسسات حكومية وحزبية أميركية لعمليات قرصنة إلكترونية بهدف التأثير في الانتخابات الرئاسية لمصلحة ترامب.
أما من ناحية إسرائيل، فسبق أن أعلن مستشارا ترامب العسكريّان، ديفيد فريدمان، وجايسون جرينبلات، أن الرئيس الجديد يعتزم الاعتراف بمدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وزيادة المساعدات العسكرية المخصصة لها، وهو الأمر الذي لاقى احتفاءً كبيراً في الصحف الإسرائيلية، علماً أنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة ظلّت تؤجل مثل هذا الإعلان خشية تداعياته، ولا سيما على مستوى علاقات واشنطن مع عدد من عواصم الشرق الأوسط.