المؤسسة الدينية السعودية وقضية القدس: صمت المفتي.. وبيان إنشائي في مديح السلطة

08 ديسمبر 2017
بن سلمان حجّم دور المؤسسة الدينية منذ صعوده(بندر الجلود/الأناضول)
+ الخط -
المشهد الصاخب المرتسم على امتداد العالم العربي والإسلامي، بعد اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، غاب عنه تماماً مفتي المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، الذي التزم الصمت بدون أن تكون للقدس ومكانتها الدينية والتاريخية كلمة منه، أو أقله بيان يتلى، ممهور بختمه. تواريه عن المشهد، في الواقع، يبدو غير مستغرب، إذا ما تم النظر بإمعان في العلاقة الآخذة في التقارب بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والسعودية، وإلى دوره الآخذ في الانحسار داخل المملكة.

ولم يكن البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء، التي يرأسها المفتي، عبر أمانتها العامة، الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية "واس"، سوى محاولة للهروب إلى الأمام مما قد يطاولها إذا ما استنكفت عن التعليق. ووصف مراقبون البيان بأنه مخيب للآمال، تشوبه لغة الخنوع، واختفى في ثناياه أي انتقاد صريح للخطوة التي أقدم عليها ترامب، التي انتقدها العالم بأسره، ولجوؤه إلى غضّ الطرف عما يحصل. كذلك وصف بأنه بيان إنشائي لم يتطرّق إلى البحث عن وجود حلّ جوهري للأزمة، أو المطالبة بمحاسبة من يؤيّدون القرار، أو الإشارة إلى مقاطعة بعض الدول المرتبطة به. 


تضمن البيان، في شقه الأول، كلاماً عموميّاً عن مكانة القدس لدى المسلمين، من دون توجيه الخطاب إلى القائم على القرار أو إلى دولة الاحتلال. أما شق البيان الثاني، فبنظرة فاحصة يتضح أن كيل المديح للمملكة، وسرد مناقبها في حماية القدس والأقصى في الماضي، قد طغى عليه، كأنّها عودة إلى تاريخ مفترض يعفيها من استحقاقات الحاضر والمستقبل تجاه المدينة المقدّسة.

المواطنون في المقابل كان يؤمّلون النفس بوقفة تاريخية من أعلى هيئة إسلامية تجاه ما يحدث في القدس، على غرار العديد من الدول، فضلاً عن كون المملكة، بوجود مكة المكرمة والمدينة المنورة، مهداً للدين الإسلامي، الذي يجسّد المسجد الأقصى فيه ثالث الحرمين الشريفين.

بيان الهيئة، في سياق مديحها، كان قد تضمّن ما نصّه "ونوّهت الأمانة العامة في هذا الصدد بجهود بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية تجاه القدس والمسجد الأقصى، حيث تأتي المملكة في مقدمة الدول العربية والإسلامية التي تقوم بواجب العون والدعم السياسي والاقتصادي والإغاثي، وهي سياسة ثابتة لبلاد الحرمين الشريفين منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز رحمه الله، وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين أيدهما الله".

ويتكرّر الإلحاح في طلب جواب شافٍ عن تخاذل هيئة كبار العلماء، بعد لجوئها إلى لغة باهتة، خالية من موقف حاسم تجاه ما يجري. بيد أن مراقبين يرون أنه منذ وصل محمد بن سلمان إلى مركز صناعة القرار في المملكة، أناط بالهيئة ومفتي المملكة، بعد تحجيمهما وتطويعهما، أعمالاً تندرج ضمن سياساته وحسب؛ لينحرفا بذلك عن مسارهما القومي والديني.

من هنا، شرعت الهيئة في التماهي مع خطوات بن سلمان بالتأييد العلني والصريح لخطواته الاقتصادية والاجتماعية. وحتى يكتمل المشهد، دأب المفتي، في الأشهر القليلة المنصرمة، على تأييد تدشين بن سلمان مشروع "نيوم"، ومشاريعه الاقتصادية، وقيادة المرأة، وتأييده نشاطات اليوم الوطني، وكلّها مواقف قوبلت بتندّر وسخرية واستنكار من قبل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي.

سياسات القيادة الجديدة في المملكة تلك تسببت في ترك الساحة خالية من مؤسسة دينية فعالة تتخذ قرارات جريئة حيال ما يحدق بالأمة العربية من أزمات وصعاب، لتبقى على الهامش في خضم الصراع العربي الصهيوني.

أما العلماء الذين لا ينتمون إلى المؤسسة الدينية، فيظل الجزع يعتريهم، كون المجاهرة العلنية بتخاذل الدولة عن نصرة القدس، أو انتقاد ترامب وقراره، ستنتهي بهم مقيدين بالأصفاد.

هذا واقع الحال في المملكة اليوم، أما تاريخياً، فالذاكرة مفعمة بالنقيض، إذ جاهر المفتون السابقون بإعلان دعم فلسطين والمقاومة، وإن كان ذلك الدعم غير ذي فعالية، بيد أنه كان مرآة للنهج الحاكم حينما كان اتجاه البوصلة مختلفاً عما هو عليه الآن.