أم عادل تتصدّى للأمّية من خيمتها

20 يونيو 2016
نزح من الموصل (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
نزحوا من مناطق لم تعد آمنة، ووجدوا أنفسهم في مخيّمات. كانت المرة الأولى التي يعرفون فيها معنى المعاناة. أو ربّما لم تكن. لا طعام ولا دواء ولا مدارس ولا فرص في المكان الجديد، في ظل إهمال حكومي كثيراً ما يشير الناشطون إليه. على مدى عامين ونصف العام من المعارك التي ما زالت مستمرّة في مناطق وسط وغرب البلاد وشمالها، حُرم الأطفال النازحون بغالبيتهم من التعليم، خصوصاً أنّ المخيّمات التي يعيشون فيها أنشئت في مناطق بعيدة عن المدن. وهو الأمر الذي أدّى بالتالي إلى عجز الأهل عن تحمّل مصاريف تنقلاتهم.

وكانت المفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق قد كشفت في تقرير أصدرته منتصف عام 2014 أنّ 300 ألف طفل نزحوا من مدنهم مع اندلاع المعارك بين القوات العراقية النظامية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد ارتفع هذا الرقم في ظل موجات نزوح جديدة في منتصف عام 2015 وفي مطلع عام 2016، حتى وصل إلى نحو مليون و600 ألف طفل، توفي كثيرون منهم في حين حُرم نحو 60 في المائة من التعليم.

وبهدف تشجيع الأطفال النازحين على الالتحاق بالمدارس، طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي وزارة التربية العراقية بإصدار قرار يقضي بالسماح لهؤلاء بالخضوع للامتحانات، مراعاة لظروف نزوحهم القاسية. لكنّ الحكومة لم تستجب، وخسر عدد كبير من التلاميذ عامهم الدراسي. تجدر الإشارة إلى أنّ تلاميذ محافظة الأنبار هم الأكثر تضرراً بالمقارنة مع المحافظات العراقية الأخرى، بسبب الحرب.

عمر حسن (12 عاماً) خسر عاماً دراسياً ثانياً. كان قد نزح وأسرته من الأنبار إلى مخيّمات عامرية الفلوجة منتصف عام 2014، بعدما اشتدّت المعارك في منطقته. وبسبب عدم وجود مدارس قريبة من المخيّم، لم يتمكّن من متابعة تعليمه. يقول والد عمر لـ "العربي الجديد" إنّ "حال عمر لا يختلف عن حال آلاف التلاميذ الآخرين في مخيّمات النزوح. الآلاف تركوا مقاعد الدراسة نتيجة عدم توفّر مدارس قريبة من المخيّمات أو ما يعوّض عنها، أو بسبب الفقر الشديد والوضع المعيشي الصعب". يضيف أن الأسر النازحة بغالبيتها غير قادرة على إلحاق أبنائها بالمدارس إن وجدت، مشيراً إلى أن المخيّمات أنشئت في مناطق نائية بعيدة عن المدن والمدارس، بالإضافة إلى غياب الاهتمام الحكومي بالتلاميذ وبالنازحين عموماً.


لكنّ هذا الوضع لم يمنع عدداً كبيراً من النازحين من تعليم أبنائهم في المخيّمات بما توفّر، أقلّه القراءة والكتابة. أم عادل التي نزحت مع أسرتها من الفلوجة قبل عامين ونصف العام لم تيأس ولم تستسلم للظروف القاسية الذي تمر بها وعائلتها، وأخذت على عاتقها تعليم طفلَيها القراءة والكتابة داخل خيمتهم الصغيرة. تقول لـ "العربي الجديد": "أضعف الإيمان أن أعلمهم القراءة والكتابة لأن أمد الحرب طال، ولا توجد مدارس قريبة". لا تساعد أبناءها فقط، بل عدداً كبيراً من أطفال المخيّم، بالتعاون مع أخريات، حتى لا يخسر هؤلاء الصغار فرصة التعليم بشكل كامل". تضيف: "نسعى جاهدات إلى محاربة الأمية، لأنها بدأت تنتشر بشكل مخيف في ظل موجات النزوح والتشرد والحروب التي دمرت كل شيء، خصوصاً المدارس والمؤسسات التعليمية".

في هذا السياق، يقول عاملون في وزارة التربية إنّ نحو 60 في المائة من النازحين الأطفال حُرموا من التعليم، ما يرفع نسبة الأمية في البلاد في ظل عدم وجود اهتمام حكومي بهذا الملف الدقيق. ويوضح العامل في أحد البرامج التعليمية التابعة للوزارة، محمود العبيدي، أنّ "60 في المائة من التلاميذ النازحين خسروا مقاعدهم الدراسية للعام الثاني على التوالي، منذ مطلع عام 2014 وحتى مطلع عام 2016". ويلفت إلى أنّ "نسبة الأميّة في العراق تقدّر بنحو 35 في المائة".

وكانت وزارة التربية العراقية قد أصدرت قراراً في مايو/ أيار الماضي يقضي بتطبيق التعليم الإلزامي في البلاد بهدف الحدّ من ارتفاع نسبة الأمية. لكنّ هذا القرار لم تتبعه خطوات عملية من قبيل إنشاء أماكن بديلة عن المدارس في مخيّمات النزوح بما يكفي لاستيعاب النازحين، في وقت تحتاج البلاد إلى نحو عشرة آلاف مدرسة.

لم يحرم النزوح وحده التلاميذ العراقيين من التعليم، بل يُعدّ الفقر عاملاً لا يقلّ خطورة عن النزوح. تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة المتسرّبين من المدارس ازدادت منذ عام 2003، وهو ما دفع وزارة التربية خلال السنوات الأخيرة إلى إطلاق برامج ومشاريع لمحو الأمية في كل أنحاء البلاد. لكنّ رحلة النزوح القاسية كانت أشد وطأة على التلاميذ وذويهم. فقد ارتفعت نسبة الفقر والبطالة في ظل الحرب، ما أثّر سلباً على كل شيء.