هل لديكم أصدقاء ابتلعهم البحر؟

20 يونيو 2016
كان لدينا أصدقاؤنا وكتبنا ومنازلنا (كريستوف ستاش/ فرانس برس)
+ الخط -

في الصف الأول ابتدائي في مدرسة أويلا في تورنغن، يُحضر أطفال ألمان هدايا إلى أطفال سوريّين. من المقرّر أن يزوروهم في اليوم التالي. قبل ذلك، طرحوا أسئلة كثيرة عن أشكالهم وأعمارهم والهدايا التي يفضّلونها. بعضهم يسأل إن كان الأطفال اللاجئون سيأتون منتعلين أحذية أم حفاة، كما يرونهم على شاشات التلفزيون. شاهد الأطفال الألمان تقارير مصوّرة تظهر عدم امتلاك اللاجئين ألعاباً أو غذاء أو أحذية.

بدا الأطفال الألمان والسوريّون مرتبكين في اللقاء الأول، على الرغم من جميع التحضيرات التي سبقت هذا اليوم. سعى المدرّسون والمترجمون إلى التنسيق بينهم لكسر الجليد. لكنهم احتاجوا وقتاً أطول. بداية، عرّفت سارة عن نفسها، ثم جعفر، ثم ياسمين. يرفع طفل ألماني يده ليطرح سؤالاً: هل حقاً سرتم كل تلك المسافة للوصول إلى هنا؟ تتالت الأسئلة. ألم تؤلمكم أقدامكم؟ أين وضعتم أحذيتكم؟ هل تعلمتم السباحة فلم تغرقوا؟ هل لديكم أصدقاء ابتلعهم البحر؟ ماذا عن الحرب؟

تقول ياسمين (ست سنوات): "لم نعد نستطيع البقاء في بلادنا بسبب الحرب. كان هناك قصف بالصواريخ. كنّا نذهب مثلكم إلى المدارس، وكان لدينا كتبنا ومنازلنا وأصدقاؤنا. لكن بعد الحرب، لم يعد لدينا شيء". بدا الصف هادئاً إلى أن قطع طوماس هذا الهدوء، قائلاً: "هيا نلعب".

تناول الأطفال الفطور وتوجّهوا معاً للتعرف على غرف المدرسة وقاعاتها. تعجبت سارة بقاعة الطبخ، وقد لاحظ شتيفان الصغير هذا. يتصرّف وكأنه طباخ فتضحك. يقول إنه يحب حصة الطبخ كثيراً، فتجيبه سارة، بعد الترجمة، بأن الطبخ للفتيات. بعد الانتهاء من التعرف على قاعات المدرسة، يتوجّه التلاميذ إلى الساحة للّعب بالرمل أو كرة القدم. يتقدم طفل صغير من جعفر ويضع ذراعه حوله، مشيراً إلى مكان ملعب كرة القدم.

أخيراً، وجدت عزيزة (أربع سنوات) مكاناً لها في الروضة. هذه المرة الأولى التي تزورها. تكرهها بعض الشيء لأنها تبعدها عن والدتها. "قالت لي أمي إنه علي الذهاب إلى الروضة لتذهب هي إلى المدرسة، أو سيعيدوننا إلى سورية. لا أريد العودة إلى سورية لكنني لا أريد الذهاب إلى الروضة أيضاً". أما محمد (خمس سنوات)، فيبرر محبته للروضة قائلاً: "أجد فيها دراجة".


سلوى، وهي في الصف الثاني، باتت تعرف عن الاندماج. تقول: "أخبرني أبي أنني سأندمج في المدرسة. بعد انقضاء اليوم الأول، عدتُ إلى البيت وأخبرته أنني اندمجت. لم يصدق، وما زلت أذهب إلى المدرسة علماً بأنني لا أفهم شيئاً".

صار للكثير من الأطفال السوريين أصدقاء ألمان، وباتوا يفهمون اللغة بشكل أفضل. ندى في الصف الرابع، وقد كتب على شهادتها المدرسية أنها طالبة مثابرة وتتعلم بسرعة. أما شقيقها الأصغر، فقد كتب على شهادته أنه خجول ويتقدم ببطء ويحتاج إلى دعم في مادة الرياضيات. كذلك، هو مشتّت الذهن خلال الصف وكثير الكلام.

لا شكّ في أن اللغة تشكل حاجزاً كبيراً، وإن كان الأمر أسهل بالنسبة للأطفال، لكن تبقى المشكلة في الحصص الدراسية. تشكّل اللغة عائقاً بالنسبة للمدرسين والإدارة. في هذا السياق، تقول مديرة مدرسة "كشفيستر"، تولينا شميدت، لـ "العربي الجديد": "لا نعلم كيف نشرح للطفل أبسط الأمور. على الأطفال وأهلهم التعلّم بسرعة"، فيما تسأل مدرّسة: "هل لأحد أن يتخيّل موقف المدرّسة التي تخاطب خمسة أطفال لا يفهمون لغتها؟".

في هذا السياق، تقول المعالجة النفسية، كريت ستيڤن، لـ "العربي الجديد": "لا أعرف إذا كان من الأفضل للأطفال السوريين التوجه إلى المدرسة أو زيارة معالج نفسي". تضيف: "تأتي إليّ طفلة سورية بصحبة مترجم تعاني من اكتئاب حاد. التحقت بالمدرسة قبل ستة أشهر، لكنها تعجز عن النطق بكلمة واحدة باللغة الألمانية".

إلى ذلك، تهتمّ مجموعة من الألمانيات بمساعدة الأطفال السوريين في حل وظائفهم المدرسية. يجتمعن كل ثلاثاء، وينتظرن الأطفال المحملين بحقائبهم الثقيلة. تقول لورا، وهي إحدى المتطوعات، إن "مناهجنا صعبة بالنسبة للطفل الألماني الذي يجيد اللغة. فكيف يكون الأمر بالنسبة للطفل السوري؟". متطوعة أخرى تشير إلى أن "الأطفال الذين بدأ أهلهم يتحدثون الألمانية أفضل حالاً، ويتطوّرون بسرعة أكبر".

أما محمد وحنين (عشر سنوات)، فقد تحولا إلى مترجمين للمدرّسين في إحدى المدارس الابتدائية، بعدما تمكنا من إتقان اللغة بسرعة كبيرة. تقول حنين: "أشعر بالفخر لأنني أساعد الأطفال والإدارة والأهل. قال لي أبي إنه علي أن أتفوق على الألمان. وقد غرس هذه الجملة في عقلي". بدوره، يريد محمد أن يفخر به أهله: "نتحدث الألمانية ونساعد الآخرين".