الدولة الحديثة

تمرّ ليبيا اليوم في مفترق طرق يقود إلى سيناريوهات آثارها وخيمة على الشعب والدولة، إن لم يكن للقاعدة الشعبية ونُخبها والمؤسّسة التي تبقت فيها كلمة لإنقاذها.

لأنّهما محوران جوهريّان في اقتناعات عزمي بشارة الفكرية، وفي منهجه البحثيّ، يمنح الفصل التاسع من كتابه الجديد "مسالة الدولة" عنواناً رابطاً "السيادة والمواطنة"، ليعيد التأكيد على هاتين الركيزتين في بناء الدولة الحديثة.

من الظلم القول، كحكم قيمة منجز، إن المجتمعات العربية غير قادرة على إنتاج أنظمة قادرة على العيش وإدارة الحياة، فواقع الانتفاضات العربية أظهر أن هناك شرائح مجتمعية واسعة ترنو إلى مجتمع مدني وقادرة على إدارة مؤسّسات مدنية.

ليس البحث عن حل أزمة الهوية الوطنية، في إطار مفهوم التجانس، طريقا مسدودة فحسب، ولكنه حامل لمخاطر كبيرة. وجميع الحركات التي نزعت هذا المنزع انتهت إما بحروب تطهير عرقية أو بشرعنة إقصاء جماعات ترى فيها تهديدا لصفائها وربما تهميش الأكثرية.

مشهد واحد من مشاهد عراق ما بعد 2003 يؤكّد حجم الغياب المزمن الذي تعاني منه الدولة العراقية، فلا العنف تحتكره تلك الدولة، ولا التشريع بمختلف تفرّعاته، ناهيك بتغوّل كيانات مسلحة وسياسية في جسد الدولة حتى باتت هي الدولة أو على أقل تقدير منافسا لها.

نحن أمام "منتج" جديد، جرى تصنيعه وفق مقاسات "التريند". لا يحتاج حملات من "الوصم الممنهج" للنيل منه، فهو "موصوم سلفا"، قابل للوصم، بطبيعته، بل إنه لا يسع مثقفا حقيقيا، سوى "نقده"، والمشاركة، أحيانا، في استهلاك خطابات الوصم، خصوصا في بعدها الساخر.

بإمكان النخب السورية في كل مجالاتها التلاقي وتشكيل مجتمع مدني موازٍ يتم فيه العمل المشترك بين الداخل والخارج، وهذا متاحٌ لو توفرت النيّة والقناعة والأهداف والخطط، تأسيسًا لوعي مستقبلي يمكن البناء عليه، من أجل مجتمع مدني واقعي، وليس افتراضيًّا.