بعدما سجن لمدة ثمانية أشهر وعشرة أيام في السجون الإدارية التركية، رُحّل خالد العلي، وهو من ريف محافظة حماة وسط سورية. كان لاجئاً في ولاية أنطاكيا التركية الحدودية مع سورية، ورُحّل إلى سورية بعدما كان قد أسس حياة جديدة مع عائلته هناك إثر فرارهم من القصف والموت إلى مكان ظنوه آمناً.
يعاني أحد أطفال خالد من مرض في القلب. وحين أخذته زوجته إلى المستشفى، تم توقيفها من قبل الشرطة التركية عند باب المستشفى، واحتجزت مع الطفل، ثم اتصلت الشرطة بخالد وأخبرته بترحيلهما إلى سورية. ذهب للاستفسار فأخبرته الشرطة أنهم عدلوا عن القرار وسيخرجونهما من الحجز بعد يومين. لكن الشرطة عادت واتصلت به بعد يومين لتخبره بترحيل زوجته وطفله. وعندما توجه إلى الشرطة للحديث مع المعنيين، تم الاعتداء عليه بالضرب من قبل أحد الضباط الأتراك في مركز الشرطة. كما دفع الضابط زوجته علماً أنها حامل، وكان يصرخ في وجهها هي وابنها قبل ترحيلهما.
احتجاجاً على ذلك، نشر خالد فيديو على صفحته على فيسبوك لشرح ما حدث معه وعائلته، ليتم توقيفه إدارياً في سجن إداري في أنطاكيا. يقول لـ "العربي الجديد": "التوقيف الإداري في القانون التركي لا يمكن أن يتجاوز ستة أشهر، لكنني تنقلت بين ثلاثة سجون لمدة ثمانية أشهر وعشرة أيام قبل ترحيلي قسراً". ويوضح: "بعد سجني في أنطاكيا، نقلنا بعد كارثة زلزال جنوب تركيا وشمال سورية إلى سجن في ولاية قيصري. ومن هناك إلى سجن في ولاية شانلي أورفة الحدودية مع سورية. وفي يوليو/ تموز الماضي، أخبرنا الحراس المسؤولون عن مهجعنا، وكنا 127 سورياً، بأن نجهز حاجياتنا، ووجدنا في الخارج الحافلات تنتظرنا".
يتابع: "ضمت الحافلة ثمانية عناصر من أفراد الشرطة. بدأوا ضرب كل واحد منا لإجبارنا على التوقيع على ورقة إقرار العودة الطوعية إلى سورية. فعلنا ذلك جميعاً مكرهين. وكُسِرت ساق أحد الشبان بسبب ضربه".
ويشير خالد إلى ترحيله وآخرين من معبر إلى تل أبيض في محافظة الرقة شمال سورية، على الرغم أن معظمهم يتحدرون من محافظتي حلب وإدلب. ولم تستمع الشرطة إلى طلبهم بالدخول إلى سورية من معبري باب الهوى والسلامة الحدوديين، مع كل من إدلب وحلب، ما خلق لديهم معاناة للوصول من شمال الرقة إلى شمال كل من إدلب وحلب.
بالإضافة إلى خالد، رحل كثيرون في إطار ما تصفه الحكومة التركية بـ "العودة الطوعية"، الأمر الذي يفسر انخفاض أعداد اللاجئين السوريين هناك، والذين يقيمون في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة".
ويبيّن آخر إحصاء لإدارة الهجرة التركية انخفاض أعداد اللاجئين السوريين في تركيا 92 ألفاً فقط خلال أربعة أشهر، إذ يشير الإحصاء الصادر في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى أن عدد اللاجئين السوريين انخفض إلى ثلاثة ملايين و260 ألف حتى هذا التاريخ، بعدما كان العدد ثلاثة ملايين و351 ألفا و582 لاجئا بداية يوليو/ تموز الماضي، وذلك إثر حملة استهدفت اللاجئين لترحيلهم بذرائع مختلفة، لا سيما عدم امتلاك بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) الصادرة عن ذات الولاية التي يقيمون فيها، أو حتى بدون ذرائع، كحال محمد أحمد درويش، الذي يتحدر من محافظة إدلب وقد لجأ إلى ولاية إسطنبول حيث يعمل في أحد معاملها.
ويشير محمد إلى أن الأمن دخل المعمل، وأوقف ثمانية شبان سوريين، منهم من يحمل بطاقة الإقامة الصادرة عن ولاية إسطنبول، أي أن وجوده قانوني، لكن الأمن ساقهم جميعاً إلى مركز الترحيل ومن ثم نقلهم إلى البوابة الحدودية مع إدلب.
ويقول لـ "العربي الجديد": "زملائي الذين تم ترحيلهم معي، معظمهم لديهم عائلات تركوها في إسطنبول. تم الترحيل دون سابق إنذار".
أما أنس المونة، وهو صناعي من مدينة أريحا في محافظة إدلب، فله قصة أخرى. يقول لـ "العربي الجديد" إنه كان يملك معملاً لصنع الأواني البلاستيكية في ولاية أنطاكيا، وتضرر بشكل كبير بعد كارثة زلزال 6 فبراير. وبما أن الولاية باتت منكوبة وشبه مهجورة، قرر نقل المعمل إلى إدلب شمال غرب سورية، ليبدأ مشواراً جديداً هناك.
وعن سبب لجوئه لهذا الخيار، يقول: "بالنسبة إلي كصناعي، الضرائب في إدلب أقل بكثير من تركيا، وكل شيء متاح بما في ذلك اليد العاملة والمواد الأولية، علاوة على أنني إلى جانب أهلي وأقربائي على الرغم من عدم الاستقرار الكامل لناحية تعرض المحافظة للقصف بين فترة وأخرى".
يضيف: "بالنسبة لنا كصناعيين وحتى كلاجئين بشكل عام، الأمور في تركيا باتت ضيقة لأسباب كثيرة معروفة للجميع: الضرائب، والعنصرية، والتضييق الإداري وعدم السماح بالتنقل بين الولايات، بالإضافة إلى الخوف من الترحيل".
وبحسب إحصائيات دائرة الهجرة التركية، فإن ذروة تعداد السوريين اللاجئين تحت بند الحماية المؤقتة هناك كانت عام 2021، إذ تجاوز عدد اللاجئين ثلاثة ملايين و737 ألفا، وهذه الذروة حصلت بعد حملة التهجير الكبيرة التي شهدتها محافظات إدلب وريف حماة وريف حلب إثر عملية الاجتياح التي قادها النظام السوري بدعم من روسيا وانتهت ربيع العام 2020، وأدت بحسب إحصائيات غير رسمية إلى نزوح وتهجير حوالي 2.2 مليون مدني من تلك المناطق.
وبدأت أعداد السوريين بالانخفاض في تركيا، نتيجة الخطاب العنصري للمعارضة والتضييق الإداري وعمليات الترحيل، وزاد الانخفاض بعد كارثة الزلزال في فبراير الماضي، حينما قرر الكثير من السوريين المخاطرة وركوب البحر نحو دول أوروبية لبدء حياة لجوء جديدة.