عائلات "بزنس" الدعاية للحكّام

29 مارس 2018
+ الخط -
"بزنس" الإعلام وأخلاق المهنية تحت سيف الحكّام داخل قصوره، مهنة قابلة للتطوير (والترقيع)، كي تُظهر الشرف الرفيع للحاكم جليّا للجماهير، وقد تم غسل يده تماما من الدماء وموتى السجون. يظهر الحاكم بريئا في حديقةٍ مسورةٍ بالورد البلدي والجوري، وتوجه الكاميرا إلى الخاتم، ذلك اللغز الذي حيّر العذارى في منامهن من المحيط إلى الخليج، ولا مانع أيضا من وجود خلفية لبعض الأحفاد هناك، وهم يلعبون بفراشة أو طائرة ورقية، أو وهم يراجعون حفظ الآيات الكريمات في المصحف. لاحظ أن الحاكم يتخلى تماما عن عتاده وتقطيبة وجهه، ولا (ينطر) في وجه الإعلامي، ولا يعبس كما يعبس في وجه الشعب الذي بكثرة مواليده وعياله الكثر، قد تسببوا في خراب الموازنة، وسقوط الكباري من بوالهم الليلي، تحت أعمدته الخرسانية. الحاكم هنا يتودد إلى الشعب (عم حنا الطيب بائع البسوسة وعم جمعة العجلاتي وعم عبد الله بائع النبق الذي أنقذه من الغرق). الحاكم صار وديعا.
هل هذا هو الذي حرق الجماهير حرقا في أحد الميادين؟ هل هو الذي حبس الأطفال؟ هل هذا هو الذي هدم منازل البسطاء، واهتم بأمن إسرائيل، وكل يوم يستدين على حساب الأجيال كي يشتري (الرافال)؟
واضح أنه هو الطيب الحليم ونحن الخبثاء، ولا بد أن نراجع أنفسنا فيه، فالرجل يتكلم عن أمه وكأنها "ملاكة"، و"الملاكة" بالطبع لا بد أن تلد ملاكا. والرجل يقدس العمل ولا يحب الواسطة، وأولاده كلهم يعملون في مهن بسيطة مع العامة والسابلة، ويمشون في الأسواق، ويصلون كل فروضهم ما بين المسجد الأزهر والحسين. وفي أيام العطل، يذهبون إلى القرافة بالصدقات، ويسلمون على عم حمدون، صانع المفاتيح الأعمى، ويرمون السلام على عم زهران العطار، ويرمون المساء المعطر بماء الورد على "الحاجة قطايف"، بائعة الشمع. فماذا تريدون منه بعد ذلك؟ ومن أولاده من لم يحصل على وظيفة إلى الآن، على الرغم من أنه وصل إلى الثلاثين، ومنهم من عليه قسط لبنك ناصر الاجتماعي، والذي تزوج أخيرا، ضحك عليه المقاول، وأعطاه الشقة من غير "محارة وحلقان"، فيا لجمال هذا الرجل الذي كم تمنى أن يعطي شعبه تريليونين من الدولارات الخضراء.
كم هذا الشعب قاس ولا يقدر أحلام حكامه؟ نحن أمام إنسان عصامي، لا ينام سوى ساعات قليلات، وثلاجته (مع احترامي لنزهات الرافال) لم يدخلها سوى الماء خلال سنوات وسنوات. ولا يدخن السيجار ولا البايب (كالملوك)، وكم يتمنى أن يكون مع الناس، مع بائعة الشمع وصانع المفاتيح الكفيف، كي يعرف هموم الناس ويلمسها، وكم تمنّى أن يأخذ معه الست بائعة الشمع إلى رحلة معه في (الرافال)، لولا أن الجهات السيادية في الدولة المضيفة، ذكرت له أن "هذا صعب يا سيادة الرئيس"، لأن السيدة ليس معها أصلا أوراق ثبوتية تثبت هويتها، علاوة على أن مطار الدولة المضيفة يصعب عليه استقبال سيدة من غير جواز سفر، وظلت دمعة مركونة بجوار عينه اليسرى، حزنا على تلك السعادة التي وقفت لها الأقدار بالمرصاد. وعلى الرغم من ذلك، قبّل سيادة الرئيس يد السيدة بائعة الشموع، وشكر المذيع والطاقم والمصورين والمخرج ومساعده، ووعدهم بكاميرات جديدة من جيبه الخاص.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري