النظام المصري والثلاث ورقات

05 سبتمبر 2015
+ الخط -
يلعب النظام المصري بحرفية شديدة على ذاكرة المواطن المصري، بعد تشويهه إعلامياً وصحفياً بمانشتات الوعود البرّاقة، مثل المؤتمر الاقتصادي، وأنه سيوفر مليون فرصة عمل، علاوة على مكاسب قد تدخل إلى ما يوازي الـ 200 مليون دولار للبلد، وبعدما انفض المؤتمر الاقتصادي زاد مؤشر البطالة، وتستدين الحكومة كل أسبوع من البنوك بالسندات. فهل المصري طيب إلى هذا الحد، أو أن ذاكرته محدودة إلى هذا الحد؟ أجيب: لا، المصري يريد الفرح، حتى ولو على حساب ذاكرته والتنكر لها أحياناً. المصري لا يثق بحكامه، لكنه ليس عنيفاً على مستوى عنفهم. إنه يحب الحياة، ولكن، يغلّب الهدوء سنوات على حساب فاتورة الدم. المصري معني بإدارة شؤونه البسيطة طول عمره بالحِيل البسيطة التي كثيراً ما تؤطّر لخفة دمه وصبره على حساب ذاكرته، إلى أن طالت وباخت وصارت سواداً كما حدث مع حسني مبارك.
المصري أمامه البحر، ومن شرقه الصحراء، ومن غربه أيضاً الصحراء، وفي الجنوب أحراش وبقايا بلدان فقيرة، يهرب منها إلى المدن، لكي يكون في دفء الناس واللمّة، ويدفع فاتورة ذلك ضيقاً في السكن والرزق، وتكثر حيله في المعيشي والضروري، حتى إنه يغني تعبه شوقاً حتى للحب والجمال (فلاح كان فايت بيغني من جنب السور، شافني وأنا بجمع كام وردة في طبق بنور – راح نسي فقره بسرعة وقال – يا صباح الخير يا صباح النور يا أهل البندر)، وإن لم يغنّ كذلك الفلاح الطيب، قد يضطر للعب التلات ورقات، وترقيص الحواجب والقرود لكي يحصل على الرغيف. لكن، غالباً ما يستعيد ذاكرته في أوقات الحساب، أو لو أحسّ أن الحاكم يتباهى أمامه بالقسوة والبطش، كما قال أنور السادات إن للديمقراطية أنياباً ومخالب، أو وهو يصف الشيخ أحمد المحلاوي في زنزانته بالكلب. هنا قد يقلب المعادلة كاملة بخفة دمه نفسها، ويركب الديكتاتور فوق الحمارة بالمقلوب، كما كان يحدث مع الفجرة واللصوص، ويغني لهم المساخر التي تقض مضجهم (وفي تراث المصريين كثير منها).
هناك أمثلة معاصرة جداً، فقد فرح الناس الغلابة بقرار وزير السياحة، هشام زعزوع، بتسلم كباين الإسكندرية إلى أملاك الدولة في سنة 2013، نوعاً من الدعاية لعبد الفتاح السيسي، لاحظ أن القرار لم يمسّ كباين عصابة مبارك بأي سوء. وعلى الرغم من ذلك، فرح البسطاء وخلاص، وكانت العاقبة قد جاءت على كباين الناس العادية، مثل الدكتور عبد المنعم القيسوني وتوفيق الحكيم ودكتور أحمد كمال أبو المجد (علّها كانت شدة ودن قبل الهنا بسنة) للدكتور أحمد. المهم راحت الأيام وجت الأيام، وفرح البسطاء، إذا بعدلي منصور يصدر قراراً إدارياً رئاسياً ضد قرار زعزوع بتشكيل لجنة، فنامت اللعبة وبدأت لعبة تلات ورقات أخرى بشأن الكبائن. وبعدما عاد عدلي منصور إلى رئاسة المحكمة الدستورية، طُلب منه إبداء الأمر، فقال الرجل إنه يستشعر الحرج، لأن أغلب الكبائن يسكنها مستشارون من أعز الأصدقاء. ساعتها، خرجت الممثلة شمس البارودي من خلف نقابها بعد 30 سنة، وقالت: (إلا كباين المنتزه، ونحن معاك، يا ريس، وعاهدناك).
من يومين، جاء حكم القضاء الإداري باتّاً ونهائياً بإلغاء قرار هشام زعزوع، (وعودوا إلى كبائنكم)، وهكذا تدار البلاد، بالعافية: ممكن، بالقوة: ممكن. وبالتلات ورقات: إن استدعت الضرورة، ودائماً للضرورة: أحكام.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري