مصر إلا خمسة: كلهم ريهام سعيد
ما الفرق بين أستاذ علوم سياسية أو صحافي شهير، أو سياسي، ومذيعة تجارية تدعى ريهام سعيد؟
الثانية ذهبت إلى لبنان، تبيع عبد الفتاح السيسي وبضائع وسلعاً مستعملة، في سوق المواجع السورية، وتستثمر في مأساة النزوح واللجوء، لتقول بوضاعةٍ متناهية للمصريين: احمدوا ربكم على نعمة السيسي.
في المقابل، يفعل سياسيون ونواب وإعلاميون الشيء نفسه، وبصياغةٍ أكثر رقاعة، حين يبيعون السيسي، بمناسبة ضبط العصابة اللبنانية المتخصصة في الاتجار بأجساد نازحاتٍ سوريات، وقعن فريسة لتجار لحوم البشر، فيقول أحدهم، بلسان ريهام سعيد: يمكن أن يحدث هذا في نساء مصر، إذا ذهب حكم السيسي.
يتغافل هؤلاء عن ممارساتٍ تقترب من حد الجرائم ضد الإنسانية، قامت بها سلطة الانقلاب ضد الأشقاء السوريين الذين ظنوا أنهم وجدوا في القاهرة ملاذاً من جحيم النظام السوري الذي لا يخفي نظام السيسي دعمه له لحظة.
لا يجدون في المأساة السورية إلا مادةً لتخويف المصريين، وتفزيعهم من مصيرٍ مماثلٍ إذا رحل السيسي، على الرغم من أن ما يعانيه السوريون في الشتات الآن هو نتيجة سياسات سلطةٍ لا تختلف في بشاعتها عن سلطة عبد الفتاح السيسي.
هيستيريا الوطنية الزائفة تندلع مجدّداً، وعلى نطاق أوسع، مع تضييق الجانب الإيطالي الخناق على السلطات المصرية التي لم تعد قادرة على الكذب أكثر من ذلك، في موضوع تعذيب جوليو ريجيني واغتياله في القاهرة.
أستاذ العلوم السياسية، العائد من أميركا للالتحاق بجيش الإعلام العسكري، معتز بالله عبد الفتاح، يستدعي في برنامجه التلفزيوني الجديد، النائب والصحافي"الوطني جدا، القومي المبالغ فيه" مصطفى بكري، لكي يطالب بمحاكمة والدة أيقونة ثورة يناير، خالد سعيد، على تعاطفها ومواساتها والدة النسخة الإيطالية من خالد سعيد، جوليو ريجيني.
بكري يصرخ، ومعتز بالله يهزّ رأسه مؤيداً، ومشاركاً في التحريض على هؤلاء الخونة الذين يتخلفون عن نداء واجب الدفاع عن القبح الرسمي، وإجرام السلطة، وسقوط النظام سياسياً وأخلاقياً، وتحوله، في نظر العالم، إلى وكر للجرائم.
مرة أخرى، يبتزونك بالربط بين سلطةٍ مسيئة لسمعة الوطن والوطن نفسه، ويفرضون عليك نموذجاً مشوهاً للوطنية، يقول إن التراخي في الدفاع عن الإجرام والفشل والبلادة والفساد، يُخرج صاحبه من جنة الوطنية، وينزع عنه انتماءه وجنسيته.
لوثة النظام تدفعه إلى تغطية جريمةٍ بجريمةٍ جديدة، لكن إعلاميي النظام لا يدّخرون وسعاً في تعرية المغطى وفضح المستور، حين يتحوّلون إلى ميكروفوناتٍ ناطقة بالجهل والفاشية، ما يجعلها تصل إلى مرحلةٍ من الانفعال، تدفعها إلى حالة "يكاد المريب يقول خذوني" فيورّطون سادتهم الحكام في استفزاز الدوائر الإيطالية والأوروبية واستعدائها، من خلال مضغ الشعارات الكذوب عن الغرب الشرير، المشارك في مؤامرةٍ كونيةٍ على السيسي، فارس العروبة، وعز الإسلام، متناسين أنه، منذ اليوم الأول، يطرح نفسه باعتباره الخادم المطيع والجندي الأمين، لحماية الغرب وإسرائيل من مليار وستمائة مليون مسلم، يشكلون خطراً على العالم، ويمثلون تهديداً لطفلته المدللة "إسرائيل".
بموازاة ذلك، تبدو أجهزة السلطة أكثر ارتباكاً واضطراباً عصبياً، كلما اقترب موعد المساءلة أمام السلطات الإيطالية، فتقرأ، مثلاً، أن الأمن المصري ضبط عصابةً جديدة، يعتقد أنها على صلةٍ بقتل ريجيني في إعادة إنتاج للكذب الذي أثار غضب الإيطاليين، شعباً ومجتمعاً مدنياً وحكومةً، وكأنهم قرّروا أن يصفوا كل يوم من المصريين خمسة، حتى يرضى الجانب الإيطالي، ويقرّ عيناً.
لم يستوعبوا الدرس العبقري البسيط الذي قدمته والدة جوليو: سعيكم مشكور.. لا نريد منكم عزاءً إجرامياً على هذا النحو.. لن ينسينا الحزن أن تقدّموا لنا كل فترة خمسة قرابين من دماء ضحايا أبرياء.
حسناً، فليعتقلوا والدة خالد سعيد، ويسجنوها في أفقر مقار مصطفى بكري، وليجهّزوا الأساطيل لغزو روما، من دون أن يعودوا إلا وفي حوزتهم سبية اسمها باولا ريجيني، لكي تحيا مصر.