لن يسرق الرغيف

20 يونيو 2015
يريد أن يشبع (الأناضول)
+ الخط -

لم يسرق هذا الفتى رغيفاً بعد. لا يقفُ خارج الفرن ويشمّ رائحة الخبز الطازج. وإن قرّر السرقة يوماً ما، سيحصل على بعض السكاكر الملوّنة المغطاة بالسكّر. كانَ يشاهد الرسوم المتحركة، ويشفق على فقراء يتذكّرهم بحلّةٍ أبهى منه اليوم. ربما يتحوّل هو الآخر إلى شخصية كرتونية، ويصير "الشاطر" فلان الذي يعمل على الرغم من صغر سنّه لإنقاذ عائلته من الجوع.

في نهاره يلتقي بلاجئ ثان وثالث ورابع وأحياناً أكثر. أحدهم يعمل لدى بائع الخضار، وآخر لدى صاحب دكان السمانة. ذلك فضّل أن يصبح ميكانيكي سيارات. لعبتهم الجديدة هي جمع أكبر كمية من البقشيش. أحياناً، لا يبخلون على أنفسهم بشراء أكياس البطاطس.
لم يعد مهماً البلد الذي ينتمون إليه. صارَ الأمرُ من الماضي. وحين يذكرونه، سيقولون: "كان لنا بلد وكانت لنا بيوت، وكانت لنا مدرسة وكنا نلعب". وإذا أسرفوا في الأمل، سيقولون: "سيكون لنا ما كان". أما اليوم، فهم لاجئون إلى مكان لن يملكونه يوماً. وإن فعلوا، لن يكون سهلاً عليهم استبدال حلمهم بعبارة: "سيكون لنا ما لم يكن".

ليسوا أبطال رواية شيّقة. هم أبطالُ تلك القصص الذي يبدأها القارئ ولا ينهيها، ليبدأ بأخرى. في حياتهم أحداثٌ فقط من دون سياق. ينتقلون من مكان إلى آخر علّه يكون أفضل. و"الأفضل" في معايير اللجوء ليس جيداً بالضرورة. يعيشون في الوقت المستقطع. الماضي سرق منهم ولا مستقبل في الأفق. والحاضرُ أشبه بالضمائر المنفصلة، مع الكلمة وخارجها في آن.

لن يسرق الفتى رغيفاً. ولن يسرق السكاكر التي يشتهيها. يريدُ ما هو أثمن من الاثنين. ليت بإمكانه سرقة حيوات آخرين أو بعضٍ منها. يشتاق أن يسأله أحدهم: ماذا تريد أن تصير عندما تكبر؟ في ذلك الوقت، كانت الخيارات مفتوحة أمامه. ولم يكن ليغلقها. وحينَ سأله أحدهم ذلك أخيراً، أجاب: كنتُ أريد أن أكون محامياً لأدافع عن المظلومين. هو مظلوم أيضاً، ومريض. هل يصير طبيباً؟ يريدُ مأوىً فهل يصير مهندساً معمارياً؟ يريدُ العودة إلى الوراء. ها هو يرجع إلى الوراء ولا يصلُ إلى الزمن الأحبّ إلى قلبه.

إنه في الوقت المستقطع. هل يستبدله المدرّب أو المسؤول فتصير له حياة أخرى؟ سمع مرة أن اللاجئين قنبلة موقوتة. هو لاجئ ومشروع قنبلة إذاً. لم ينفجر بعد. كلما شعر باقتراب الساعة، تذكّر أغنيات فيروز التي كان يسمعها في الباص الذي يقلّه إلى المدرسة. فيروز تعدّل مزاجه.
من قال إنه لن يسرق الخبز؟ كان يُكابر فقط. هو يجوع ويعطش ويشتهي. قبل أن ينام، يتخيّل أن الأطفال اللاجئين يرمون الأرغفة في السماء كما يرمي المتخرّجون قبعاتهم. يريد فقد أن يشعر بالشبع.

اقرأ أيضاً: عقدٌ من الغاردينيا
المساهمون