استثمارات العراق رهن "المليشيات"... إتاوات وإغلاق شركات

08 يوليو 2019
شركات أجنبية وعراقية مهدّدة بالإغلاق (زايد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
وجدت شركات كثيرة في العراق نفسها مضطرة لوقف أعمالها أو تسليمها لشركات ثانوية أخرى في مناطق عدة من البلاد، بسبب مشاكل مختلفة، أبرزها مضايقات جهات قبلية وعشائرية أو فصائل مسلحة للحصول على مكاسب مادية عبر إجبار الشركات على دفع إتاوات أو توظيف نسبة معينة لديها من أبناء المنطقة. 

ووفقاً لمسؤول في حكومة بغداد، لـ"العربي الجديد" فإن تسع شركات عراقية وأجنبية أوقفت عملها نهائياً في مناطق عدة من العراق منذ مطلع العام الجاري بسبب مليشيات مسلحة، ونحو 20 شركة أخرى حولت أعمالها إلى مقاولين أو شركات ثانوية لاستكمال ما بدأت لتجنب مضايقات العشائر أو الفصائل المسلحة.

وأضاف المسؤول العراقي، الذي رفض ذكر اسمه، أن تلك الشركات تعمل بمجال الطاقة والإسكان والبنى التحتية في جنوب ووسط وغرب العراق، كما سجلت بغداد حوادث إغلاق شركات غادرت البلاد وأخرى سلمت أعمالها لمقاولين من الباطن بمناطق شرق العاصمة.

وأكد المسؤول أنّ العراق خسر مبالغ ضخمة كشروط جزائية أو لتخلي الشركات عن أعمالها أو تسليمها لمقاولين ثانويين أقل كفاءة بالعمل (لم يحدّد قيمتها)، موضحاً أن عدد الشركات الأجنبية التي غادرت البلاد بسبب الإتاوات وتهديدات المليشيات المسلحة كبير جداً، خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يحدد عددها.

إتاوات ضخمة

استطلعت "العربي الجديد" آراء العديد من أصحاب الشركات حول هذه الظاهرة فأكدوا أنهم يتكبّدون خسائر باهظة تدفعهم إلى دراسة تصفية أعمالهم لوقف نزيف إيراداتهم، مشدّدين على
أن شركاتهم باتت مهدّدة بالإفلاس.

من جهته يقول نجم الربيعي، وهو مدير شركة مقاولات إنشائية في بغداد، إنّ أي مشروع يتوجهون للتنافس على أخذه من الحكومة يجب عليهم أن يعرفوا مسبقاً هل هو خاضع لنفوذ عشائري أو مليشيات أم لا؟ مؤكدا أن هذه هي أهم خطوة للحصول على أي مشروع يراد الاستثمار فيه.

ويضيف الربيعي لـ"العربي الجديد": للأسف هذه الحقيقة، والمناطق الشعبية في المدن الرئيسة عادة ما تكون فيها عدة سلطات عشائرية ومليشياوية وكل واحدة منها تريد حصة إما مبالغ محدّدة كإتاوة تدفعها الشركة لتتمكن من الاستمرار في العمل، أو أن تفرض توظيف عدد من أبنائها أو المحسوبين عليها.

ويؤكد أنّ عشائر ومليشيات تطالب بمبالغ مالية شهرية، وبعضها يطالب بحصص من الأرباح، مقابل موافقتهم على عمل الشركات بمناطقهم وعدم التعرض لعامليها أو مقرات تواجدها التي تشيدها في تلك المناطق.

وأشار الربيعي إلى أنه في بعض الأحيان كل عشيرة تعمل بمعزل عن الأخرى، وكل منها يسعى للحصول على مكاسبه، وهذا خطر حقيقي يهدد الاستثمار والتقدم بالعراق لا يقل عن خطر تنظيم "داعش" الإرهابي كثيراً، والحكومة للأسف شبه غائبة عن الموضوع.

عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، شيروان الدوبرداني، تحدث في وقت سابق عن فرض فصائل مسلحة إتاوات على المطاعم والشركات والمشاريع في الموصل، مؤكداً في تصريحات صحافية أن من لا يستجيب ويدفع الإتاوات يتعرض لتهديد بالقتل.

وأضاف: "قدمنا شرحاً مفصلاً لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي عما تنفذه المليشيات من اعتداءات على المواطنين وأخذ الإتاوات منهم وهم لا يزالون مستمرين في تحصيل الإتاوات وفرض الرسوم غير القانونية".

وتابع الدوبرداني أن "صاحب حلويات الذهبي (أحد محلات الحلويات المشهورة في الموصل) تلقى مؤخراً تهديدات من قبل إحدى المليشيات التي داهمت محله وطلبت منه دفع مبلغ 20 ألف دولار أميركي أو ستفجر سيارة مفخخة أمام محله".

ضعف الحماية

يؤكد مسؤولون أمنيون، أنّ قوات الشرطة لا تستطيع توفير حمايات لكل شركة خدمية تعمل في البلاد، وأنّ هذا الملف بحاجة إلى قرار من قبل الجهات العليا ومنها مجلس الوزراء.


وقال المقدم في شرطة بغداد، إحسان العامري، لـ"العربي الجديد"، "تلقينا بلاغات من قبل شركات خدمية بتعرضها لعمليات ابتزاز وتهديد من قبل بعض العشائر بمناطق عملها، وقمنا بفتح تحقيقات بتلك البلاغات"، مضيفاً: "ننتظر نتائج التحقيق لإدانة الجهات المتورطة بذلك".

وأكد أنّه "لا يمكن أن نقوم بتوفير حمايات لكل الشركات الخدمية. مهامنا معروفة ومحددة، وأنّ أي توجه نحو توفير حمايات للشركات فيحتاج إلى قرار من الجهات العليا"، مشيراً "لم نسجل حالات قتل أو خطف طاولت عناصر تلك الشركات".

وما يفاقم معاناة الشركات الأجنبية الاضطرابات الأمنية والضربات التي توجه إليها من آن لآخر.

وكانت صواريخ سقطت قرب مقرات عدة شركات نفط عالمية كبرى، بينها شركة إكسون موبيل الأميركية العملاقة في مدينة البصرة بجنوب البلاد، في يونيو/ حزيران الماضي، ما أثار مخاوف المستثمرين الأجانب رغم عدم توقف أي من الشركات النفطية عن العمل بسبب هذا الحادث. وكانت شركة إكسون موبيل سحبت 83 عاملاً أجنبياً من حقل في البصرة منتصف مايو/ أيار لكنهم عادوا بعد ضمانات من الحكومة.

غياب الحكومة

عضو اتحاد الصناعات العراقية علي الغراوي قال لـ"العربي الجديد"، إن "الشركات العراقية أقل عرضة لهذا الأمر من الأجنبية فالشركات العراقية بالعادة تتعامل مع مسؤولين وسياسيين ورجال دين وزعماء فصائل مسلحة يوفرون لها الحماية بشكل مريح، وتلك الجهات تتقاضى هدايا بالتأكيد إن لم تكن الشركات نفسها تابعة لهم، لكن الشركات الأجنبية وخاصة تلك الناشئة حديثاً هي من تعاني أكثر والحكومة بالعادة لا تتدخل وتضطر الشركة أن تتعامل مع هذا الواقع وتضطر للدفع أو الرحيل".

وكان قائم مقام قضاء المدائن جنوبي بغداد فاضل جودة قد كشف مطلع فبراير/ شباط الماضي عن تعرّض شركة (جنهوا) الصينية النفطية المسؤولة عن عمليات التنقيب النفطية في قضاء المدائن لابتزاز وتهديد من قبل مجموعة تطلق على نفسها اللجنة الخاصة.

وأضاف جودة في بيان له أنّ "هذه الجماعة تتدخل بشكل مباشر في عمل الشركة، وتفرض على المقاولين دفع مبالغ مالية مقابل السماح لهم بالعمل"، مؤكداً أنه تم "إبلاغ محافظ بغداد وقيادة عمليات بغداد والأجهزة الأمنية المحلية والجهات المختصة بهذه المشكلة". ونبّه من أن ذلك قد يؤدي إلى وقف الشركة لأعمالها.

الأقل جذباً للاستثمار

وكشف تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية
"أونكتاد"، مؤخراً، أن العراق الأقل جذباً للاستثمارات الأجنبية في المنطقة العربية.

من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي عدنان عبد الستار، من مخاطر عدم وضع حد للانفلات العشائري والمليشياوي في البلاد، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنّ "استمرار هذه الحالة يؤثر بشكل واضح على إعمار واقتصاد وخدمات البلاد، إذ أنّ كل جهة من تلك الجهات تسعى لتحقيق أرباح خاصة لها على حساب المصلحة العامة، الأمر الذي بدأت آثاره تتضح جلياً، من خلال انعدام الخدمات وتعطل عمل الشركات".

وأضاف عبد الستار: "يجب أن يوضع قانون صارم للحد من ذلك، وعلى الحكومة تحمل مسؤوليتها إزاء هذا الوضع غير المطمئن"، مشيراً إلى أنّه "في حال استمرار التجاهل الحكومي، فإنّ ملفات الاستثمار والخدمات ستكون رهينة بيد العشائر والمليشيات، ما يعني تدهور هذه القطاعات بشكل كبير جداً، وخروجها عن سيطرة الدولة".

ويعمل في العراق آلاف الشركات الأجنبية في مختلف القطاعات، منها 847 شركة تعمل ضمن مشروعات القطاع العام، حسب بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وتستهدف الحكومة جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مختلف القطاعات بهدف تنشيط الاقتصاد الذي عانى كثيراً الفترات الماضية بسبب تراجع الإيرادات المالية من النفط في ظل انخفاض أسعاره مقارنة بمستويات الأسعار منتصف عام 2014.
المساهمون