ثمة إجماع واسع في لبنان على أن الاحزاب السياسية التقليدية تتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي بفعل ممارساتها القائمة منذ عقودٍ على الهدر والفساد والمحاصصة وسوء الإدارة وسياسات النهب التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس ودفعت المجتمع الدولي إلى وقف الدعم النقدي عن الدولة نهائياً وإطلاق سلة عقوبات وإجراءات تقييدية بحق مسؤولين لبنانيين.
في أواخر عام 2019 بدأت الأزمة الاقتصادية تشتدّ في لبنان مع انطلاق مرحلة تدهور قيمة العملة الوطنية بفعل شحّ الدولار فانقطاعه تماماً من السوق، وقيام المصارف اللبنانية باحتجاز ودائع الناس.
كما انقطع كثير من المواد المدعومة من البنك المركزي خصوصاً المازوت والطحين والبنزين والدواء والحليب ربطاً بأسباب كثيرة أبرزها التهريب إلى سورية الذي يتهم حزب الله بالوقوف وراءه أو تغطيته نظراً لسيطرته على المعابر الحدودية ومرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والمرافق الأساسية كلها، هو الممثل برلمانياً وحكومياً وأمنياً، الأمر الذي أدى إلى غلاء فاحش في الأسعار وحرمان اللبنانيين من سلع حياتية أساسية وأنتج طوابير الذل اليومية.
وتوجه أصابع الاتهام إلى حزب الله باستغلال الأزمة الاقتصادية وزيادة حدّتها واستنزاف احتياطي مصرف لبنان من الدولار لتعزيز قوته المالية ولا سيما في ظلّ العقوبات الخارجية المفروضة عليه والتي تهدف إلى محاصرة مصادر تمويله.
وحول سيطرة حزب الله، يقول القائم بأعمال سفارة لبنان السابق في بريطانيا، هشام حمدان، لـ"العربي الجديد" إنها تسمح بدخول وخروج حقائب مال غير مراقبة، وهذا يعني أن حركة المال في البلاد غير مراقبة وغير مضبوطة، مما يعرّض السلامة النقدية إلى التهديد ويسمح بتبييض (غسل) الأموال في البلاد.
ويضيف، "معظم المشاريع التي تم تنفيذها من أركان السلطة في لبنان تم دفع نفقتها بالليرة اللبنانية وقبض مقابلها من الدولة بالدولار، فكما هو معروفٌ فإنّ هناك تداولاً كبيراً للمال في لبنان بالنقدي وعليه يسهّل كثيراً تبييض المال".
ويرى السفير السابق أن "حركة ارتفاع سعر الدولار في لبنان غير مرتبطة بعرض وبيع طبيعيين وقانونيين، إذ إن أصحاب الحقائب من الدولار غير الشرعي يذهبون إلى الصرافة ولا سيما التابعين لحزب الله الذين ثبت أنهم يتحكمون بسعر بيع العملة الخضراء، لتحويل حقائبهم بالدولار إلى الليرة اللبنانية الأمر الذي يمنحهم المال الشرعي ويمنح الدولار إلى صيارفة حزب الله الذي يذهب به إلى إيران وسورية ويدفع منه الرواتب خصوصاً للمسلحين"، لافتاً إلى أنه "عندما جفت الخزينة رأينا ارتفاعاً مستمراً للدولار وهذا هو السبب".
ويقول حمدان، "حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يعرف ذلك، وقال شيئاً في هذا الصدد لكنه لا يفضح المستور فهو متورط أيضاً".
ويقول الاقتصادي اللبناني، روي بدارو، لـ"العربي الجديد" إنّ الأزمة في لبنان بدأت اقتصادية ربطاً بتثبيت سعر صرف الليرة وهي مشكلة انطلقت عام 1997 واستمرّت الخيارات الاقتصادية الخاطئة مع طموحٍ ببناء أحلامٍ على رمالٍ متحركةٍ ومن ثم زادت سياسياً قبل أن تتفاقم على المستويَيْن بحيث بات من الصعب جداً الخروج منها من دون حلٍّ سياسيٍّ ليس متوافراً في ظلّ وجود سلاحَيْن وخيارات مختلفة على أرضِ دولةٍ واحدة تطغى عليها الدويلة.
ويلفت بدارو إلى إن حزب الله لا يمكنه التراجع عن الدويلة وينضم ليكون جزءاً من الدولة في العمل السياسي لا الأمني لأن القرار ليس بيده، بل عند إيران وولاية الفقيه.
ويشدد الاقتصادي اللبناني على أن "ممارسات حزب الله ترتد حتماً على الاقتصاد وجميع القطاعات من دون استثناء التي يسيطر عليها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، على صعيد المرافق الأساسية في البلاد".
ويضيف أن "حزب الله أكبر المستفيدين من دعم مصرف لبنان المركزي للمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية، بالدولار الأميركي وفق سعر الصرف الرسمي".
ويقول بدارو، "كنا نستهلك من الاحتياطي الإلزامي بين 6.4 و6.6 مليارات دولار، منها مليار ومئتا مليون للدولة لشراء معدات وقطع غيار للجيش اللبناني واشتراكات إنترنت وخدمات أخرى، ويبقى 5.2 مليارات دولار تقريباً للدعم، وهذه سياسة خاطئة وقصر نظر وعدم إلمام بالاقتصاد".
ويضيف: "لكن تبين أن هناك لعبة مركبة بحيث إنه عند دعم البنزين والمازوت يمكن تهريبه ودعمه للنظام السوري أو المافيات التابعة له، مشيراً إلى تهريب ما قيمته حوالي ملياري دولار تقريباً إلى سورية".
وفقاً لذلك، يشير بدارو إلى أن "لبنان وشعبه ضحية أنشطة حزب الله وممارساته وسطوته على أجهزة الدولة ومؤسساتها، حيث إن أزمة الدواء والطحين والمازوت والبنزين تلحق الأذى بالبلاد ككلّ".