استمع إلى الملخص
- المواطنون وأصحاب الأعمال يعارضون القرار بشدة لتأثيره السلبي على الأنشطة التجارية وزيادة الخسائر المالية، مع انتقادات لاستثناء المناطق السياحية والشواطئ المملوكة للأغنياء من القرار.
- رغم دعم بعض المسؤولين والغرف التجارية للقرار كفرصة لتنظيم الأعمال، فإن العديد من المواطنين وأصحاب المحلات التجارية يعبرون عن استيائهم وخيبة أملهم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع وتأثير سلبي على الاقتصاد المحلي.
ظلام دامس نتيجة انقطاع الكهرباء يلف شوارع المدن المصرية التي لطالما كانت ساهرة ليلاً، نتيجة قرار أصدرته الحكومة قبل يومين وقضى بإغلاق المحال التجارية عند العاشرة، حيث تُسيّر وزارة التنمية المحلية وقيادات المحافظات وإدارات المدن والأحياء دوريات لملاحقة أصحاب المحلات وفرض إنفاذ القرار بالقوة، مستعينة بأعداد هائلة من قوات الأمن وشرطة المرافق والتموين والمباحث العامة.
ووسط حالة من الغضب، التزم أصحاب الأعمال بالقرار، خاصة مع فرض بعض المحافظين غرامات فورية على المتأخرين في التنفيذ بواقع 50 ألف جنيه لمن يخالف حتى لبضع دقائق. فقد حرصت السلطات على تشديد القبضة الأمنية، للقرار المستهدف تنفيذه طيلة ثلاثة أشهر، لدفع المواطنين قسراً إلى خفض استهلاك الكهرباء، ومواجهة الأزمة الحادة في نقص امدادات الغاز والمازوت. جابت سيارات الشرطة الميادين والشوارع التجارية الرئيسية بالمدن الكبرى، وحرصت على نقل مشاهد من تلك الحملات على وسائل الإعلام والصفحات الرسمية للمحافظين ورؤساء الأحياء، على الهواء مباشرة، لإظهار قدرة الحكومة على فرض إرادتها وملاحقة المخالفين.
تبرر الحكومة قرار غلق المحلات، بترشيد استخدام الكهرباء، بضرورة خفض حجم المنتجات البترولية المستوردة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، والزيادة غير المسبوقة في استهلاك الكهرباء.
جاء تنفيذ القرار بمدينتي الإسكندرية ومرسى مطروح بطرق أشد عنفا عندما حاول مواطنون التصدي لمنع تنفيذ القرار عليهم، باعتبارهم من سكان المحافظات الشاطئية المستثناة من قرار الغلق. فوجئ أصحاب المحلات، بأن الاستثناء يطبق على القرى السياحية والمناطق الشاطئية بالساحل الشمالي، الممتدة من الكيلو 35 غرب مدينة الإسكندرية، وتطبيقه على الأحياء الواقعة داخل مدينة مرسى مطروح، دون الشواطئ المنتشرة على جوانبها والتي تقع أغلبها في حيازة الجيش والهيئات العامة.
بدت شوارع مدن مصر التي لا تنام في فصل الصيف كالقاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح وبورسعيد والأقصر كوكر أشباح، عقب غلق المحال التجارية أبوابها، زادت حدتها مع إقفال المقاهي أبوابها قبيل منتصف الليل، متأثرة بخفوت أضواء الإنارة في الشوارع، وحالات انقطاع التيار التي تجريها إدارات شركات الكهرباء بين الأحياء، لمدة ساعتين، بالتناوب بين المناطق على مدار الساعة.
اعتبر مواطنون قرار الغلق يكرس الطبقية في مجتمع، تلزم فيه الحكومة قاطني المناطق الشعبية والأحياء المفتوحة، بالغلق الإجباري للمحلات، تستثني المقيمين داخل التجمعات السكنية (الكومباوندات) وشواطئ الأغنياء، بينما ينفذ بشدة على المدن المفتوحة والأسواق الشعبية، دون المراكز التجارية والشواطئ المخصصة للأغنياء.
في جولة لـ"العربي الجديد" لمتابعة إجراءات غلق المحلات التجارية، شاهدت تباطؤ تنفيذ القرار في المحلات التي أقامتها الأجهزة الأمنية على امتداد الطرق الدائرية بالقاهرة ومدن 6 أكتوبر والشيخ زايد، حيث استمر العمل، حتى الثانية صباحا، مع استمرار الأعمال التجارية، بالتجمعات السكنية المغلقة، التي تتضمن محلات ومقاهي حتى فجر أمس.
اختفى الناس من الشوارع، بوسط العاصمة، خلال دقائق من تنفيذ القرار، بحثا عن وسائل مواصلات، تنقلهم لمنازلهم، بينما ظهرت أصواتهم وتعليقاتهم مع الغاضبين من القرار على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منفذ يبثون له همومهم وغضبهم من الحكومة، والقرار الذي وصفوه بأنه الأسوأ في تاريخ البلاد. وحمّل مواطنون الحكومة مسؤولية الخسائر التي ستترتب على قرارات الغلق التي شملت كل المحلات عدا الصيدليات والمخابز من العمل ليلا، واستثنت غلق المراكز التجارية ومحلات البقالة لمدة ساعة يوميا.
تسبب تنفيذ القرار في رفع أسعار العديد من السلع الغذائية على رأسها الدواجن والخضروات، بنسب تزيد عن 20%، خلال الساعات الماضية، التي تأثرت سلبا باستمرار انقطاع الكهرباء وارتفاع كمية التالف، مع شمول الحظر محلات الخضر والفاكهة.
رفضت السلطات المحلية السماح لمواطنين باستمرار العمل بالمحلات مقابل توفير وسائل إنارة بالمولدات أو الاعتماد على مصادر كهرباء خاصة. واحتل "غلق المحلات التجارية" الوسم الرابع من بين أهم 10 أحداث على منصة إكس، والأعلى تعليقا وبحثا على الفيسبوك". يروي مواطنون حالات القمع التي يتعرضون لها، بسبب انقطاع الكهرباء بينما يريدون مواجهة الأزمة بمزيد من ساعات العمل، تمكنهم من خفض الخسائر التي تواجههم، مع ارتفاع تكلفة التشغيل والفاقد جراء انقطاع التيار.
ووصف شادي صبحي صاحب محل تجاري بمحافظة الشرقية شمال شرق العاصمة، قرار غلق المحلات بأنه خراب ديار وتكدير للمواطنين الذين يعانون من ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء نهارا، وعندما يتجهون لشراء احتياجاتهم، لن تستطيع المحلات استقبالهم، مع التزامها بقرارات الغلق الإجباري في العاشرة مساء. وصف مواطنون القرار بأنه متعجل، لم يراع حقوق المواطنين الذين يتحملون سوء إدارة موارد الدولة، ويبحثون عن فرص عمل تساعدهم على مواجهة احتياجات اسرهم، فإذا بالحكومة تطلب منهم الالتزام بالجلوس في منازلهم، حيث يحصل انقطاع الكهرباء ليلا ونهارا.
وحظي قرار إغلاق المحال التجارية بدعم رؤساء وأعضاء الغرف التجارية، منوهين إلى "أهميته في تنظيم حياة المواطنين، وتخفيف الأحمال الكهربائية، في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد". قال هشام الدجوي رئيس شعبة البقالة والمواد الغذائية بمحافظة الجيزة، غرب العاصمة، في تصريح صحافي" إن القرار يحقق الانضباط والنظام في الشارع المصري، ويساهم في تسهيل عمليات البيع والشراء، زيادة الإنتاج".
أضافت سماح هيكل سكرتير شعبة الملابس الجاهزة، بغرفة القاهرة التجارية، أن لقرار غلق المحلات مزايا يأتي على رأسها، تنظيم حركة التجارة والأعمال وتنشيط عمل المواطنين، في الصباح الباكر، وتخفيف الأحمال الكهربائية وخفض استخدام المحروقات وتقليل التلوث وحماية البيئة، وتشديد الرقابة على الأنشطة الاقتصادية، وتمكين الجهات الأمنية من العمل بكفاءة لضبط الجريمة" مشيرة في تصريح لجريدة الجمهورية الحكومية، إلى أن جميع الدول تطبق إجراءات الغلق المبكر للمحلات، وخاصة أوروبا، الأكثر رفاهية من مصر.
كانت الغرف التجارية أول من أصدرت بيانا يعارض تطبيق قرار غلق المحلات التجارية في العاشرة مساء، عندما طرحته الحكومة عام 2012، لمواجهة انقطاع الكهرباء حيث هددت بتنظيم إضراب شامل من أعضاء الغرف بأنحاء البلاد، لإجبار الحكومة على التخلي عنه. وظلت أصوات المعارضين من الغرف التجارية والسياحية محصورة داخل مجموعات " الواتساب" ووسائل التواصل الاجتماعي، بينما أصوات المواطنين والعاملين بالمحال التجارية الأعلى صوتا على الإنترنت، وفي المجالس الخاصة. تظهر الأصوات الخافتة خوفا من السلطة التي هددت بفرض غرامات مالية تصل إلى 50 ألف جنيه والسجن 6 أشهر لكل مخالف لتعليمات الإقفال.
أسرعت السلطات بتوزيع قرار اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة، على كافة الجهات المعنية بالدولة، وهو يشمل غلق وفتح المال والمراكز التجارية على مستوى البلاد، خلال الفترة من أول يوليو إلى 26 سبتمبر/ أيلول 2024. تتضمن اللجنة قيادات وزارات الداخلية والصحة والمالية والتخطيط والإسكان وهيئة الغذاء والجهات الأمنية ذات الصلة. ينص القرار الذي اعتمده مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، على أن يبدأ العمل من السابعة صباحا إلى العاشرة مساء مع مدة لمدة ساعة أيام الإجازات والأعياد الرسمية، ونهاية الأسبوع.
ويُسمح للمطاعم ببدء العمل من السادسة صباحا، حتى منتصف الليل، مع استمرار خدمة الطلبات المنزلية" تيك أوي" على مدار الساعة. تبدأ الأعمال الحرفية من الثامنة صباحا، حتى الثامنة مساء، وتشمل ورش الحداد والنجارة والسيارات، عدا الخدمات المقدمة بمحطات الوقود.