خلق الصراع المسلح في اليمن، طبقة من الأثرياء الجدد الذين ينتمون إلى المليشيات وأصحاب النفوذ في أطراف الصراع المستمر منذ أكثر من ست سنوات، فضلا عن التجار الذين استفادوا من تضخم السوق السوداء للوقود والكهرباء والعملة والسلع الأساسية.
وفي الوقت الذي تقوم فيه قوى نافذة شريكة للحكومة اليمنية بالعمل على وضع يدها على إيرادات عامة محلية في عدن وتعز والمخا بعد تشغيل مينائها الاستراتيجي، يبرز الحوثيون في شمال اليمن كأهم قوى نافذة تتحكم في كل ما تحت يدها من رقعة جغرافية، منها العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة التي تتواجد فيها، ومنها البنك المركزي، إضافة إلى تحصيل الإتاوات الجمركية في ميناءي الحديدة والصليف، وإيرادات جمركية إضافية في منافذ برية عديدة، مثل عفار في محافظة البيضاء وسط اليمن.
وبينما تعد الجبايات وغيرها من الموارد مسرحا للصراع بين الحكومة والحوثيين، وضع التحالف العسكري يده على محافظات جنوب اليمن، خصوصا الإمارات التي عملت على دعم إنشاء عشرات التشكيلات العسكرية التي استخدمتها في اختطاف خمسة موانئ وجزر ومضائق مائية، مثل أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون ومضيق باب المندب.
كما تستمر شركات ومليشيات في نهب ثروات اليمن التعدينية في مناطق بجنوب البلاد، مثل الذهب والإسمنت، ووضع خطط واسعة للتنقيب عن النفط والغاز في المياه، بعد تحديد العديد من المواقع الاستكشافية.
يقول الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي لـ"العربي الجديد"، إن العديد من أطراف الصراع أضحوا حريصين على استمرار الوضع الحالي، من أجل مواصلة نهب موارد الدولة. مضيفا: "الحوثيون على سبيل المثال حريصون على استمرار الحرب، ليس من أجل السيادة أو الانتصار أو الأوهام التي يروجونها لتابعيهم، بل للسيطرة على مليارات الدولارات من إيرادات الدولة".
ويضيف العوبلي أنه استناداً إلى تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، يحصل الحوثيون على أموال من الجبايات والزكاة المختلفة تزيد على مليار وثمانمائة مليون دولار سنوياً، وربما أكثر من ذلك، لأن بند الضرائب والجمارك والرسوم يصل إلى أكثر من 34% من إجمالي حجم الإيرادات، حسب أرقام الموازنة العامة للدولة للعام 2014.
ويشير إلى تعرّض أموال المساعدات التي وصلت إلى اليمن عبر المنظمات الدولية إلى النهب أيضا، فضلا عن استفادة الحوثيين من إيرادات بيع ما يزيد عن مليون وثمانمائة ألف طن من المشتقات النفطية، وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الاوتشا)، والتي تصل إلى ميناء الحديدة بإيرادات لا تقل عن ملياري دولار سنوياً، بالنظر إلى متوسط سعر المشتقات النفطية في المناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين.
ويرى أن "كل هذه الإيرادات يحصلون عليها من دون أن يصرفوا أي رواتب للموظفين الموجودين في مناطق سيطرتهم أو أي خدمات أخرى، لذا فإن الحرب التي تمنحهم كل هذه المليارات، لن يوافقوا على أي خطوة أو إجراء من الممكن أن يؤدي إلى إيقافها".
كما يستولي مسؤولون محليون، وفق تقارير دولية، في محافظات اليمن الشرقية، على الأموال المحصلة من بيع الغاز وتحصيل الرسوم الجمركية في موانئ ومعابر المهرة، في غياب أي رقابة حكومية، فضلا عن استغلال جزر ومرافق حيوية من قبل مدعومين من الإمارات، وفق الباحث الاقتصادي مراد منصور.
يقول منصور لـ"العربي الجديد"، إن "التشكيلات العسكرية التي تدعمها الإمارات بدأت مؤخراً خطوات وإجراءات واسعة لتطبيع وجودها على الأرض، من خلال وضع يدها على القنوات الإيرادية العامة، بعدما استلهمت تجربة الحوثيين في تأسيس قواعد إدارة الأموال والعائدات التي يتم الاستيلاء عليها".
ويعتبر قطاع العقارات من أهم المنافذ التي تدر المليارات على أطراف الحرب في اليمن والجماعات والتشكيلات العسكرية والمليشيات وسلطات الأمر الواقع المنتشرة في البلاد، والذي أدى، وفق خبراء، إلى انفلات الأسعار لتفوق أغلى عواصم العالم.
كما توسع نشاط تجار العملة، وسط انتشار مكثف لمحال الصرافة التي زاد عددها أضعاف ما كان عليه الوضع قبل الحرب، إذ يقدّر عددها في صنعاء وعدن المراكز المالية لطرفي الحرب بأكثر من 2200 شركة ومحال عاملة في مجال الصرافة، مقارنة بنحو 650 شركة مرخصة، وفق آخر بيانات صادرة عن البنك المركزي اليمني قبل الحرب الدائرة منذ عام 2015.
وفي مقابل اتساع رقعة الصراع على الموارد والثروات، تتسع دائرة الفقر لتحيط بمعظم اليمنيين، الذين أضحوا يعانون من الجوع وتردّي الخدمات المختلفة.
ووفق تقرير حديث صادر عن منظمة أوكسفام، فإن النزاع هو السبب الرئيسي للجوع، حيث أضحى أكثر من 70% من المواطنين يعانون من الفقر، مشيرا إلى أن الحصار والنزاع وأزمة الوقود أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى أكثر من الضعف منذ عام 2016.
وفي ظل التردي الاقتصادي، تواصل العملة اليمنية انهيارها، إذ تخطى سعر الصرف حاجز 1000 ريال مقابل الدولار.