فلسطين في الأفلام العراقية: غائبة عن الروائية وحاضرة في الوثائقية

10 يونيو 2021
أول روائيّ فلسطيني "عائد إلى حيفا" أخرجه العراقي قاسم حول (تويتر)
+ الخط -

فلسطين والقضية الفلسطينية لم تكونا موضوعاً رئيسياً في السينما العراقية التي تزامن انطلاقها، تاريخياً، مع نشوء وتبلور قضية فلسطين، منتصف أربعينيات القرن الـ20، وأول حربٍ مع إسرائيل عام 1948. نظرة سريعة على الأفلام الروائية الطويلة، منذ منتصف الأربعينيات نفسها حتّى اليوم، تُظهر أنّ فلسطين ليست موضوعاً لأيٍّ منها.

ربما تتعلّق الأسباب بضعف إنتاج هذه السينما، أو بأنّ قضية فلسطين لم تنلْ حقّها في الشيوع والهيمنة على الوجدان العربي، في الأعوام الأولى للسينما العراقية، ما جعل المخرجين العراقيين ينشغلون، بشكل أساسي، بالموضوعات العراقية، لاختبار إمكاناتهم الفنية في العمل السينمائي، في طور البداية.

لكن، كان لفلسطين نصيبٌ كموضوع في عدد من الأفلام الوثائقية والقصيرة، خاصة في ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته. مثلاً، هناك أفلام روائية قصيرة، كـ"زهرة البرقوق" (1973) لياسين البكري، و"الشتاء المرّ" (1974) لمحمد شكري جميل، و"كعك على الرصيف" (1976) لعماد بهجت، و"الأرجوحة" (1976) لنوفل فرحات، و"الحقل" (1977) لصبيح عبد الكريم، و"انتفاضة" (1978) لمحمد منير فتري، و"عربة البرتقال الحزين" (1979) لعامر عبد القادر. من الأفلام الوثائقية، هناك "إنصات عبري" (1975) لطارق عبد الكريم، و"الصمت" (1974) لطارق عبد الكريم، و"البرتقال الحزين" (1968) لكوركيس يوسف، و"مأساة شعب" (1968) لكمال عاكف، و"فاشية جديدة" (1976) لفتري، و"حقوق الإنسان لمن؟" (1978) لمنذر جميل، و"الصهيونية حركة عنصرية" (1977) لنبيل مهايني، و"أطفالنا يرقصون" (1976) لنوفل فرحات، وغيرها.

منتصف السبعينيات الماضية، أقيم في بغداد أحد أهمّ المهرجانات المعنية بالسينما الوثائقية والتسجيلية "مهرجان أفلام وبرامج فلسطين" الذي عقدت منه 3 دورات. استجاب عددٌ كبير من صنّاع السينما العرب للمشاركة في ما بات يُعرف بأنّه "أول مهرجان من نوعه في البلدان العربية". طغت عليه الأفلام التي تتناول القضية الفلسطينية بكل جوانبها، ما شجّع ـ في ذاك الوقت ـ المخرجين العراقيين على تحقيق أفلام عن القضية الفلسطينية، وعلى المشاركة في دورات المهرجان بشكل كبير وفاعل، وبعضهم حقّق نتائج متقدّمة فيه.

يُشار إلى أنّ "الأرجوحة" لفرحات مُعدّ، عن قصّة للكاتب العراقي محمد خضير، ويتحدّث عن جندي ينقل الرسالة الأخيرة لرفيقه الذي استشهد في الحرب إلى زوجته وابنته. هناك أيضاً "نداء الأرض"، لقيس الزبيدي (إنتاج التلفزيون العربي السوري، 1976)، الحائز على 3 جوائز في المهرجان المذكور.

إذا كانت السينما العراقية شحيحة، نسبياً، بأفلام عن فلسطين، استعاضت عن ذلك بمشاركة مخرجين عراقيين اثنين من الذين ساهموا بشكل فاعل، في تأسيس "استوديو وقسم السينما" في دمشق وبيروت، إذ كانا من أوائل العاملين في "قسم السينما" التابع لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" بداية السبعينيات الماضية. كانا من صنّاع الأفلام غير الفلسطينيين، والتحقا بالثورة الفلسطينية، وصنعا أفلاماً عن الفلسطينيين وثورتهم، إذ كانت السبعينيات حافلة بصنّاع السينما، العرب وغير العرب، الذين ذهبوا إلى لبنان لتحقيق أفلامٍ عن الفلسطينيين والثورة ولبنان والحرب.

سينما ودراما
التحديثات الحية

المخرج قاسم حول أخرج أول أفلامه "النهر البارد" (إنتاج الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) بعد وقتٍ قصير على إخراج مصطفى أبو علي أول أفلام سينما الثورة في الأردن، بعنوان "بالروح والدم" عام 1971، وذلك بعد مغادرته العراق، بسبب مضايقات النظام الديكتاتوري الجديد، فتوجّه إلى بيروت، حيث سنحت له فرصة التعرّف إلى الروائي والكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني الذي نصحه بالبقاء والالتحاق بالثورة وتأسيس قسم السينما، فأنتج وأخرج أفلاماً تسجيلية وروائية عدّة.

وجد حول في الأفلام التسجيلية (كان أحد مؤسّسيها في الثورة الفلسطينية) التعبير الأفضل عن الاضطهاد والتهجير اللذين يمرّ فيهما الشعب الفلسطيني. فهو رأى أنّها "تفوق بأهميتها أحياناً السينما الروائية، إذا استوفت شروط ومفردات لغة التعبير السينمائية". يشعر بالأسف، لأنّ مخرجين عديدين يعتبرون السينما التسجيلية "أقلّ شأناً" من الفيلم الروائي، ويظنّ البعض أنّ السينما التسجيلية تقترب مما يعرض في التلفزة خصوصاً العربية، رغم أنّ للفيلم التسجيلي، كما للروائي، فكرة وبنية درامية. في المقابل، هناك مخرجون يرفضون أساساً الاعتراف بالفيلم الروائي، كالروسي ديزيغا فيرتوف الذي يعتبر أنّ الفيلم التسجيلي، فقط، هو السينمائي.

في "النهر البارد"، أول فيلم تسجيلي تُنتجه سينما الثورة في بيروت، تناول قاسم حول، الحياة الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، وعلاقة النساء بالنهر (واقع في شمال لبنان، وعلى ضفته مخيم للاجئين الفلسطينيين)، إذ كُنّ يحملن الملابس وأواني الطبخ لغسلها في مياهه. شارك الفيلم في "مهرجان لايبزيغ" في ألمانيا الديمقراطية، عام 1972، وأصرّ حينها على رفع العلم الفلسطيني، رغم معارضة إدارة المهرجان.

أخرج أول روائيّ فلسطيني عام 1982، بعنوان "عائد إلى حيفا" عن رواية غسان كنفاني، بالعنوان نفسه. يدور الجزء الأهمّ من أحداثها في مكان مغلق: بيت مُحتلّ، وزمن محدّد، ولقاء بين الأب والأم وابنهما خلدون الذي تركاه إبّان نكبة 1948، وعادا بعد نكسة 1967، ليجدا نفسيهما أمام شاب يافع اسمه دوف، أصبح جندياً في الجيش الإسرائيلي، ولديه مبرّرات نفسية واجتماعية ليكون الإسرائيلي الذي أصبح عليه. قبل ذلك، أخرج، حول، فيلماً قصيراً، يوثّق لحظات استشهاد كنفاني عام 1972، بعنوان "الكلمة البندقية". إضافة إلى ذلك، أخرج أفلاماً عدّة عن فلسطين، منها: "نحن نزرع ورداً"، و"لن تسكت البنادق"، و"حياة جديدة"، و"بيوتنا الصغيرة"، و"لبنان تلّ الزعتر"، و"مجزرة صبرا وشاتيلا".

أما قيس الزبيدي، فأنجز أفلاماً عن فلسطين في سورية أولاً، متعاوناً مع التلفزيون السوري و"المؤسّسة العامة للسينما" في دمشق. أخرج عدداً منها، عن القضية الفلسطينية، بدءاً بـ"نداء الأرض"، مُساهماً بعد ذلك، في توليف "إكليل الشوك"، للسوري نبيل المالح، وكذلك بالسيناريو والتصوير والمونتاج، في ثلاثية "رجال تحت الشمس"، المعتمدة على 3 أفلام روائية قصيرة، شكّلت تنويعاً على موضوع القضية الفلسطينية، ثم فيلمه "بعيداً عن الوطن"، حيث لجأ إلى الطفل الفلسطيني كمادةٍ في معالجة سينمائية، للتعبير عن المأساة في أوضاع المخيم.

قدّم الزبيدي أيضاً "الزيارة" وهو روائي شاعري قصير، مُستوحى من ديوان شعر المقاومة، جمع فيه فنياً عناصر تنتمي إلى الرسم والشعر والموسيقى الشرقية والغربية والفوتوغراف في وحدة فنية. ثم "شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب"، عن أطفال مخيم البقعة (في الأردن) وأحلامهم بأنْ يصبحوا فدائيين.

المساهمون