تختزن مدينة سيول مزيجاً من الطراز الحديث والكلاسيكي التقليدي، ما يجعلها منارة سياحية فريدة في محيطها، وهي تعكف على اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لمكافحة انتشار كورونا من أجل ضمان تدفق السياح.
التداخل بين العصرين القديم والحديث يمكن ملاحظته بثوانٍ معدودة. فعلى مسافة لا تبعد أكثر من طرفة عين، يمكن مراقبة مبنى يعود تاريخه لأكثر من ألف عام، وفي اللحظة التالية، يظهر مبنى متطور ومعاصر يصل ارتفاعه إلى مئات الأمتار.
تمتاز عاصمة كوريا الجنوبية باحتوائها إرثاً فنياً وثقافياً مهماً يحاكي تاريخ شبه الجزيرة الكورية، ولا عجب في ذلك، وبأنها تعد واحدة من أكثر العواصم المحببة لدى الزوار.
توصف بمدينة الورد والروائح الذكية، لاحتوائها على ملايين الأزهار الطبيعية الفريدة والنادرة، والتي لا يمكن العثور عليها من أي مكان آخر في العالم. وحسب موقع "لونلي بلانيت" Lonely Planet، تُضفي الورود الفريدة طابعاً استثنائياً على المكان، ولذا فإن من زارها من السائحين لا يمكنه سوى الوقوع في غرامها.
قصر تشانغدوكو
يمثل القصر واحدة من عجائب الدنيا الحديثة، لأن أسلوب تشييده وتناغمه مع الطبيعة المحيطة من تلال وسهول، وغابات، جعلاه يبدو أكثر من مجرد مكان للزيارة.
يختلف قصر تشانغدوكونغ الذي أنشئ على سفح جبل "بوك هان" عن القصور الرسمية التي أسست حسب المقاييس العرفية الرسمية للقصور، ولذا يعد بحد ذاته مدرسة للفن المعماري الحديث.
وضعته منظمة التراث العالمي التي تُعدّها اليونيسكو على لائحة المواقع التراثية. وتتكون أراضيه من منطقة عامة للتجول ومبنى سكني مصمم للعائلة المالكة وحديقة كبيرة تُعرَف باسم حديقة "هوون سيكريت غاردن" التي تبلغ مساحتها 78 فداناً، وتضم العديد من البرك والشلالات المائية، إضافة إلى أشجار ضخمة يبلغ عمرها 300 عام.
ويُضفي وجود جبل بوغاكسان خلف قصر تشانغدوكونغ طابعاً حميمياً على المكان، مما يجعله أكثر الأماكن روعة وإبهاراً في المدينة. حتى يومنا هذا، يعد القصر مكان مهماً للاحتفالات الرسمية، والمراسم الملكية الكورية.
قصر جيونغ بوكجيونغ
ينافس قصر جيونغ بوكجيونغ الملكي الكثير من معالم الجذب الكورية. فالقصر الواقع بين جبل نامسان وجبل بوغاكسان تعود جذوره إلى عام 1395، ويعد شاهداً على تلك الحقبة الزمنية، التي تعرف بـ"التاريخ الذهبي" لسيول.
وعلى الرغم من أنّ القصر لا يتمتع بحالة جيدة مثل قصر تشانغدوكونغ، إلا أنه لا يزال من ضمن المواقع الرائعة التي تجعل منه معلماً استثنائياً، إذ أضيفت إليه على مر السنين العديد من الغرف والهياكل المختلفة، ولا تزال هناك جهود جارية في الترميم حتى يستعيد البناء مجده كالسابق، خاصة إبان حكم عائلة جوسون.
في بدايات القرن العشرين دمر جزء كبير من القصر على يد اليابان أثناء الاحتلال، بعد ذلك بدأت عملية إعادة القصر بشكل بطيء. ويحيط به العديد من المباني الحكومية الملكية، ولهذا فهو محط زيارة الكثير من الناس يومياً.
حي يوكتشون هانوك
في هذا الحي، يمكن التعرف عن قرب إلى تاريخ سيول، ببساطة، لأن تاريخ تأسيسه يعود إلى أكثر من 600 عام، ويُعد موطناً لمئات بيوت هانون الكورية التقليدية، التي يعود تاريخها إلى مملكة جوسون.
تحول قسم كبير من المنازل إلى مراكز ثقافية، وأماكن لتعليم اللغة الكورية، ومقاه لتقديم الشاي. ويضم الحي ما لا يقل عن 900 منزل مرصوصة ضمن شوارع ضيقة.
ونظراً لقرب الحي من قصرين رئيسيين في المدينة، فقد كان يسكنه في الأصل مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى وعائلاتهم. وقد عاش النبلاء في هذه المنازل التقليدية، ومن هنا، يمكن ملاحظة الأسلوب المعماري الفريد، والمساحات الشاسعة التي تحيط بكل منزل.
وتتشابه المنازل لناحية التصميم والحفاظ على التوازن مع التضاريس الطبيعية المحيطة. ورغم الطابع التقليدي، إلا أنه لا يمكن وصفه بالمكان القديم، بل على العكس، فهو يمتاز بالحيوية.
الفن المعاصر
من قال إن سيول عبارة عن مكان تراثي تقليدي وحسب؟ إنها أيضاً مكان يجمع الكثير من معالم الفن الحديث التي تتجلى بأبهى صورها في المتحف الوطني.
المبنى يُعد أيقونة للفن الحديث، نظراً لشكله الهندسي المتطور الذي يحاكي التطور التكنولوجي للعاصمة. وقد تم افتتاحه في عام 2005 في قلب متنزه "يونغسان فاميلي"، وعلى الرغم من حداثته، إلا أنه من المعالم الجذابة جداً.
ويحتوي المتحف على أكثر من مليون قطعة فنية تحاكي تاريخ العاصمة، موزعة ما بين 3 طوابق، إلا أن أبرزها، معرض مملكة جوسون التي حكمت البلاد من تاريخ 1392 حتى 1897، والتي تضم العديد من الكنوز الذهبية.
كذلك يستضيف المتحف الوطني الكوري معارض عالمية، ذات موضوعات متنوعة، يتم تنظيمها من جميع أنحاء العالم، كما يتميز أيضاً باحتوائه على متحف صغير للأطفال، لحثهم على الاهتمام بالتاريخ البشري منذ سنواتهم الأولى.
الوجه الآخر
تُعد سيول واحدة من أشهر العواصم التي تتميز بنمو اقتصادي سريع، جعلها في المراكز الأولى عالمياً. وقد نجحت العاصمة ومعها العديد من المناطق في النهوض من أتون الحرب خلال سنوات قليلة.
تتمتع كوريا الجنوبية باقتصاد من بين الأسرع نمواً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى اقتصادات هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان.
ورغم أن البلاد لا تمتلك موارد طبيعية تقريباً وتعاني باستمرار من الاكتظاظ السكاني في مساحة صغيرة، والذي يحد من النمو السكاني المستمر وتشكل سوقاً استهلاكية داخلية كبيرة، اتجهت كوريا الجنوبية إلى استراتيجية الاقتصاد الذي يتوجه نحو التصدير من أجل تنمية اقتصادها. وهذه السياسة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة.
اليوم، هي عاصمة التكنولوجيا، وتتنافس مع اليابان على هذا اللقب، حيث سمحت التشريعات باستقطاب الاستثمارات الأجنبية بشكل لافت.
ورغم الركود الذي أصاب البلاد في عام 2020، بسبب انتشار فيروس كورونا، إلا أن بنوك الاستثمار الأجنبية الكبرى رفعت توقعاتها لنمو اقتصادها هذا العام بدرجة طفيفة، حسبما جاء في تقرير صادر عن "المركز الكوري للتمويل الدولي".
فقد توقعت 9 بنوك دولية رئيسية، من بينها "باركليز" و"غولدمان ساكس"، في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2020 أن ينمو الاقتصاد الكوري الجنوبي بمعدل 3.4% في عام 2021.
ولزيارة البلاد وتكاليفها قصة أُخرى، إذ إن الأسعار عادة ما تكون مرتفعة قليلاً، نظراً لعدد الزوار سنوياً، ويمكن الحجز في فندق مصنف 4 نجوم بسعر يصل إلى 100 دولار، لذا يُستحسن لمن أراد زيارتها والبقاء فيها لفترة طويلة نسبياً أن يستأجر بيتاً صغيراً بسعر لا يتعدى 1000 دولار.
أما بالنسبة إلى تكاليف الطعام والشراب، فهي أيضاً ليست بسيطة، لكن في المطاعم الشعبية، يمكن الحصول على أسعار تنافسية، إذ يصل سعر وجبة الإفطار إلى 10 دولارات.