الأمطار والسيول تفاقم مأساة السودانيين

08 اغسطس 2024
السيول شردت النازحين (فرانس برس)
+ الخط -

تزيد الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات آلام السودانيين المنكوبين أصلاً في ظل الحرب المستمرة منذ إبريل/ نيسان 2023 والنزوح واللجوء. وخلال الأيام الماضية، شهدت معظم الولايات السودانية أمطاراً غزيرة فوق المعدلات الطبيعية، وتأثرت بها مباشرة سبع ولايات من أصل 18 ولاية بواقع 22 محلية، وسبّبت حتى الآن، بحسب الإدارة العامة للطوارئ الصحية، مصرع 44 شخصاً وإصابة أكثر من 107 آخرين، فضلاً عن تدمير نحو خمسة آلاف و575 منزلاً. كذلك سبّبت السيول والمياه الراكدة ارتفاع نسبة الإسهال المائي، وخصوصاً في ولاية كسلا. وشهدت مدينة أبو حمد شماليّ السودان أمطاراً غزيرة خلفت عدداً من الضحايا، وأدت إلى تهدم مئات المنازل. 
وكثيراً ما يشهد السودان كوارث طبيعية من سيول وفيضانات، تؤدي سنوياً إلى مقتل وإصابة مئات الأشخاص وتدمير آلاف المنازل والأراضي الزراعية، والمؤسسات العامة والخاصة، جراء البنى التحتية الهشة وضعف آليات الإنذار المبكر، وعدم الاهتمام الحكومي، وسوء التخطيط السكني والتحولات المناخية والبئيية. 
وتزامنت الأمطار والسيول والفيضانات مع حرب طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أودت بحياة أكثر من 15 ألفاً من المدنيين، فضلاً عن نزوح ولجوء ما يزيد على تسعة ملايين شخص وتدمير المؤسسات الخدماتية، وخصوصاً المستشفيات التي خرجت غالبيتها عن الخدمة.
وفي مدينة أبو حمد، تساقطت أمطار غزيرة استمرت من مساء الاثنين حتى صباح الأربعاء، لقي فيها ما لا يقل عن 11 مصرعهم. وقال المدير التنفيذي لمحلية أبو حمد، عبد الرؤوف حسن، إن الكارثة كبيرة وتفوق قدرات المحلية. 
من جهته، يقول المواطن محمد الحاج الذي تحدث لـ "العربي الجديد" عبر الهاتف، إنّ مئات المنازل في المدينة تأثرت كلياً أو جزئياً، بينما لم يجرِ التأكد من وفاة سبعة آخرين في مناطق التنقيب عن الذهب، وتعرض آخرون لإصابات جراء انهيار المنازل والصعقات الكهربائية ولدغات العقارب. ويشير إلى أن أكثر أحياء المدينة تضرراً هي القوز والقلعة ومربع واحد، وقد وصلت نسبة الدمار إلى 90% من المنازل، فضلاً عن انهيار سوق مدينة أبي حمد القديم. ويوضح أن الأمطار وما أنتجته من سيول سبّبت انقطاع التيار الكهربائي وندرة في الخبز والخضار واللحوم، محذراً من وجود عائلات في العراء تحتاج إلى مخيمات تؤويهم، فيما أعرب آخرون عن قلقهم نتيجة المخاطر البيئية والصحية، وخصوصاً مع اختلاط مخلفات التنقيب عن الذهب مع المياه ووصولها إلى المدينة.

ومدينة أبي حمد ليست وحدها المتضررة جراء السيول والأمطار في مناطق شمال البلاد. فقبل أيام، تعرضت مناطق بمحلية الدبة لأمطار غزيرة دمرت منازل ومزارع. وبحسب بيان الهلال الأحمر، فقد قتل شخصان بصعقات كهربائية، فيما تهدم نحو 70 منزلاً. وشهدت منطقة سيركمتو بمحلية وادي حلفا سيولاً من دون أن ترصد أية أضرار. أما في ولاية كسلا، شرقيّ السودان، حيث نزح عشرات الآلاف من جحيم الحرب في الخرطوم والجزيرة وسنار، فقد وجدت مئات الأسر نفسها في العراء بعدما أغرقت الأمطار والسيول مخيمات ومراكز إيواء. 
ويقول عضو مبادرة طوارئ شباب كسلا عبد الإله خليفة، إنّ عدداً كبيراً من النازحين الذين كانوا يقيمون في المدرسة الصناعية باتوا في الشارع بعد غرق مباني المدرسة، ولا يجدون أية مساعدات من المنظمات الدولية أو السلطات المحلية. كذلك فإن المبادرات الشبابية توفّر لهم وجبتين في اليوم وعيادة طبية مجانية يعمل فيها متطوعون أطباء. ويحذر خليفة في حديثه لـ "العربي الجديد" من استمرار الوضع على ما هو عليه، في ظل الخطر على الأطفال والحوامل وكبار السن، لافتاً إلى ضرورة إيجاد مأوى جديد للنازحين. ويحذر أيضاً من الوضع الصحي مع استمرار تفشي الإسهال المائي بين النازحين في مخيمات أخرى، مشيراً إلى أن 11 من النازحين توفوا جراء لدغات العقارب أو الصعقات الكهربائية، وستزداد المخاطر في حال هطول أمطار مجدداً. 
ودفع الوضع في ولاية كسلا هيئات حقوقية على غرار هيئة حقوق الإنسان في شرق السودان إلى التحذير من الأوضاع الكارثية والصعوبات البالغة التي يتعرض لها النازحون في مراكز الإيواء، وخصوصاً الأطفال والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، حيث لا وجود لمصارف ومجارٍ لتصريف مياه الأمطار بالمراكز. وطالبت حكومة ولاية كسلا والمنظمات الدولية والإقليمية باتخاذ إجراءات فورية عاجلة لإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ ونقلهم إلى مواقع بديلة تحفظ كرامتهم الإنسانية وحقهم في الحياة، وسرعة التحرك وتوفير الغذاء والدواء والكساء والمياه الصالحة للشرب، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لفتح المجاري، وتجهيز مراكز إيواء بصوره تحفظ الكرامة الإنسانية. وأعلنت تخوفها من حدوث كارثة بيئية جراء اختلاط المجاري بمياه الأمطار، وحثّت الهيئة الحكومة الاتحادية على سرعة التدخل وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة والطارئة عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية.

الأمطار تغرق بورتسودان (فرانس برس)
الأمطار تغرق بورتسودان (فرانس برس)

وفي بورتسودان، العاصمة المؤقتة للبلاد، لقي شخصان مصرعهما نتيجة عاصفة عاتية أسقطت جزءاً من مسكن وسط المدينة، وهو الحادث الذي سبقته وجاء أمطار غزيرة. 
أما مدينة الجنينة غربيّ البلاد، الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، فقد أعلنتها السلطات منطقة منكوبة ومنطقة كوارث جراء الأمطار والسيول، إذ إن ما حصل يفوق إمكانات الولاية. وكشفت عن انهيار خمسة آلاف منزل انهياراً كاملاً مع تأثر ألفين آخرين. ويقول رئيسة الإدارة المدنية تجاني الطاهر كرشوم، إنّ السكان المتضررين يعيشون على الطرقات، ويحتاجون إلى مواد غذائية وخيام، داعياً منظمات الإغاثة الدولية ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى مد يد العون لهم. 
أما في مدينة الفاشر، فقد كشفت تنسيقية لجان المقاومة عن دمار طاول 800 منزل بسبب الأمطار الغزيرة التي تهدد حياة النازحين في المخيمات، مثل معسكر زمزم الذي يؤوي مئات الآلاف. ومع انقطاع شبكة الاتصالات في كل من ولايتي الجزيرة وسنار بسبب الحرب، لا يعرف بالتحديد حجم الخسائر هناك.
وكانت وزارة الصحة قد شكلت غرفة لمتابعة عمليات طوارئ الخريف تجتمع يومياً. وفي آخر اجتماعاتها، كشفت عن تأثر أكثر من 6 آلاف أسرة بالسيول والأمطار.

وأشارت في بيان إلى تزايد حالات الملاريا بعدد من الولايات مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي، لافتة إلى جملة من التحديات، منها الرقابة على الأغذية وحصر مخزون الكلور وتوزيعه على 16ولاية لتنقية مياه الشرب، وتنفيذ عمليات ضمان سلامة المياه في عدد من الولايات، والإصحاح البيئي، ومكافحة نواقل الأمراض، وتنفيذ زيارات منزلية، والتوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الإعلامية. وأكد وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم تخصيص 500 مليون جنيه لمواجهة المرحلة الأولى من فصل الخريف لصالح الولايات السبع المتأثرة، مشدداً على تحديد أولويات التدخل في كل ولاية. 
إلى ذلك، يقول الناشط في المجال الإنساني محمد عبد الحليم، إنّ النازحين في مخيمات الإيواء هم الأشد تأثراً بالفيضانات والسيول، في ظل عدم فتح قنوات تصريف المياه، الأمر الذي يؤدي إلى تكاثر الذباب والبعوض، إذ تتحول المياة إلى برك، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن غزارة أمطار هذا العام لم تكن متوقعة، ما خلق مأساة وأدى إلى تشريد أسر ونساء وأطفال على وجه التحديد، ما يؤثر أكثر في حالتهم النفسية والصحية. 
ويوضح أنه مع فقدان المواطنين مصادر دخلهم، يصعب عليهم إعادة تشييد منازلهم، وخصوصاً مع استمرار الحرب وانعدام فرص العمل. ويشدد على أهمية التركيز على فتح المصارف بأسرع ما يمكن وتوزيع أدوات الحماية لفصل الخريف، وتوزيع أمصال مضادة لسمّ الثعابين والعقارب، وإعادة تسكين النازحين الذين تأثرت دور إيوائهم.

المساهمون