من باستطاعته أن يهمس في أذن السيد الرئيس؟

15 يوليو 2024
+ الخط -

يُروى أنَّه في عهد الأباطرة الرومان وكي لا يُصاب الحاكم بمرض التعالي والغرور، كان مجلس الشيوخ يُرسل إلى مدخل المدينة من يهتف بصوت عالٍ، مذكِّرًا الحاكم عند عودته من الحرب "تذكَّر أنك إنسان" ليس ذلك فحسب، وإنما كان يُرافقه على الدوام شخصان أحدهما على يمينه والآخر على شماله، يهمسون في أذنيه تلك العبارة.

منذ الأيام الأولى على تسلمه عام 1970 بدأ الرئيس حافظ أسد بخطوات إجرائية من شأنها تمكينه من الحكم، لذا قام بتعيين أحمد الخطيب رئيسًا للجمهورية، سُرعان ما نظَّم انتخابات ليصبح رئيسًا، في العام التالي قام باختراع ما سُمِّي بالجبهة الوطنية التقدمية، ولتحصين سلطاته المطلقة بإحكام، صاغ في آذار 1973 دستوراً جديداً، استطاع من خلاله الإمساك بكل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ومع تحكمه في الجيش، يكون بذلك قد ضمن تأسيس نموذج عسكري مطلق، بات من الصعوبة بمكان انفكاك الشعب السوري منه، وهو ما أكدته في الواقع سنوات الجمر التي ما زلنا نشهد فصولها.

من جهته حينما جاء الرئيس بشار إلى الحكم عام 2000 وعد السوريين بالانفتاح واجتثاث الفساد والإصلاح والتطوير، ما لبثت أن نشطت المنتديات الثقافية والحركة السياسية في البلاد، لكن سرعان ما تم إقفالها بالشمع الأحمر، وملاحقة القائمين عليها، بحجة أنها "استعمار جديد، كل من يرتادها جاسوس وخائن" وفقًا لعدنان عمران وزير الإعلام، ليعود السوريون من جديد إلى السجن الكبير نفسه.

 الحكاية نفسها تكرَّرت بعد شهرين من اندلاع الاحتجاجات، في آذار عام 2011 حينها تم إصدار ثلاثة مراسيم رئاسية (إنهاء حالة الطوارئ، وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا، وتنظيم حق التظاهر السلمي) من ثم إجراء تعديلات دستورية، في نهاية شهر شباط 2012 إثر زيادة حدة الاحتجاجات في عموم المناطق السورية وخروج بعضها عن السيطرة، أُلغيت من خلالها المادة الثامنة المتعلقة بقيادة البعث للدولة والمجتمع، والسماح بالتعدُّدية السياسية والحزبية، من ثم تشكيل محكمة دستورية عليا من سبعة أعضاء، يسميهم الرئيس بنفسه، تختص بالإشراف على إعادة انتخابه، وقبول طلبات الترشح، والنظر في الطعون المتعلقة بصحة الانتخاب، ومحاكمته بحالة الخيانة العظمى.

لكن ما إن تمت استعادة بعض المناطق، بمساعدة كل من إيران وروسيا، حتى تم النكث بتلك التعديلات، لتبقى مجرد حبرٍ على ورق، وبدلًا من إلغاء دور البعث بقيادة الدولة والمجتمع و"عدم تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة سياسية أو حزبية أو انتخابية" كما نص عليه الدستور الجديد، تم الاستمرار في استباحة المال العام لمصلحة حزب البعث ولمصالح شخصية.

ليس ذلك فحسب، وإنما تم إجهاض تلك التعديلات في عام 2016 من خلال تعديل قانون الانتخابات والسماح للجيش والشرطة بالمشاركة وذلك خلافًا لمعظم جيوش العالم، وبدلًا من إلغاء قانون الطوارئ، تم إحداث محكمة الإرهاب، ليُغلَق بذلك جميع الأبواب حيال أي إمكانية تغيير ينشده السوريون.

حينما جاء الرئيس بشار إلى الحكم عام 2000 وعد السوريين بالانفتاح واجتثاث الفساد والإصلاح والتطوير، ما لبثت أن نشطت المنتديات الثقافية والحركة السياسية في البلاد، لكن سرعان ما تم إقفالها بالشمع الأحمر

أيُّ قدر هذا الذي حلَّ على السوريين؟ وأي مستقبل ينشدونه؟ فإذا كان الدستور 2012 المطبق حاليًّا، يتضمن (157) مادة، من بينها (49) مادة، لها علاقة مباشرة بالرئيس، وإذا كان أعضاء مجلس الشعب معروفين سلفًا، من بعثيين تدرجوا من منصب إلى آخر منذ انتسابهم إلى اتحادات الشبيبة والطلبة، وشيوخ وأمراء عائلات، بعضهم متهمون بالتهريب والتجارة السوداء، إضافة إلى عدد من تجار الأزمة وعدد من الضباط المتقاعدين وقادة مليشيات، ساهموا في إجهاض تطلعات الشعب السوري في الحرية والاستقلال.

وهو في الواقع ما أورده مركز (جسور للدراسات، يوليو 18, 2020) بأن مجلس الشعب لعام 2016 قد ضمَّ عشرين عضوًا من قادة المليشيات أو الداعمين لها، والتي تم إدماجها لاحقًا ضمن الفيلق الخامس، أو تحوَّلت إلى شركات أمنية، إضافةً إلى عدد من ضباط الجيش والأمن والشرطة المتقاعدين، بحيث يمكن القول إن اختيار هؤلاء يتمُّ من باب "الرشوة الوطنية" مقابل نوعية الخدمة التي قاموا بها.

بدوره مجلس الشعب السابق 2020 هناك (21) عضواً من رجال الأعمال، يشكلون واجهات تجارية للمساعدة في التهرب من العقوبات الغربية، بعضهم على لائحة العقوبات، في حين أن عدد الأعضاء المرتبطين بالمليشيات، بلغ (40) عضوًا، كذلك هناك (18) ضابطًا متقاعدًا، كما لوحظ أن المجلس يكرر نفسه بنسبة (45.6%) حيث أُعيد انتخاب (114) عضوًا للمرة الثانية على الأقل، بل بعضهم يشغلون مقعدًا منذ خمسة أدوار تشريعية، في حين لوحظ مشاركة العسكريين والداخلية مشاركة واسعة، بهدف زيادة عدد الأصوات.(مركز عمران للدراسات، 20 تشرين أول 2020).

كذلك لوحظ وجود قتلى ومفقودين ومهجرين في قوائم الناخبين، وأنه تم ترشيح عدد من المطلوبين للعدالة الدولية وفوزهم، بالإضافة إلى بعض المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات ضد السوريين.(مركز إدراك للدراسات والاستشارات، تشرين الأول 2020).

وعليه فإذا كان مجلس الشعب المتوجب عليه مهام سن التشريعات وتصويب انحرافات السلطة ومحاسبتها، على هذه الشاكلة، وإذا كان الرئيس هو الذي يسمي قادة حزب البعث، ومثلهم قادة أحزاب الجبهة الوطنية، وهو الذي يقود المؤسسة القضائية، والحكومة، والجيش، والأجهزة الأمنية، وهو الذي يختار أعضاء المحكمة الدستورية العليا التي تحاكمه.

وإذا كان الدستور مُعطَّلًا وفقًا لما أشرنا إليه، بينما النقابات مشلولة والمجتمع الأهلي مُهشَّم، نتيجة سياسة الإقصاء وطول عمر الأزمة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، من باستطاعته أن يهمس في أذن السيد الرئيس؟ أنه "بشرٌ يُخطئ ويُصيب؟".

من باستطاعته السؤال كيف للسوريين أن يتخلصوا من الوصاية الأجنبية وجيوشها المحتلة؟ كيف لهم معرفة فحوى الاتفاقات المتعلقة بسداد الديون - الإيرانية والروسية؟ كيف للسوريين أن يعيدوا بناء الوطن وبعضهم مصنفون من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة؟ كيف لهم العودة إلى بلدهم وبيوتهم آمنين، من دون أن يتعرضوا للمساءلة أو الاعتقال؟ ثم كيف وكيف؟

فوزي مهنا
فوزي مهنا
محام سوري وكاتب في الشأنين القانوني والسياسي، له دراسات ومقالات كثيرة منشورة في عدد من الصحف والمواقع العربية.