عرفت سنة 2017 سجالات شديدة ومعارك مع التطبيع والمطبعين، وبرز ذلك في ثلاث حوادث، في الأولى منع فيلم "ووندر وومن"، في حزيران/ يونيو الماضي، من العرض في صالات بيروت بسبب مشاركة ممثلة إسرائيلية تدعى غال غادوت فيه والتي تلعب دور "بطلة خارقة"، وغادوت مجندة سابقة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أما الحادثة الثانية، فجاءت بمنع عرض فيلم لمخرج لبناني، وتوقيفه فور وصوله إلى لبنان في أيلول/ سبتمبر الماضي، والتحقيق معه على خلفية إقامته في "إسرائيل" بهدف تصوير فيلم عام 2012 وتعامله مع طاقم عمل إسرائيلي وهو أمر مخالف للقانون اللبناني، غير أن سبيله أخلي بعد ساعات.
وفي الوقت الذي أوقف الأمن العام المخرج المذكور(زياد دويري)، اختار وزير الثقافة فيلمه الأخير لتمثيل لبنان في جوائز الأوسكار المقبلة! أما الصدمة التي كان لها وقع كبير في الوسط الثقافي فهي اعتقال المسرحي اللبناني زياد عيتاني بتهمة "التخابر مع إسرائيل"، واعترافاته التي تناقلتها الصحف.
كشفت هذه الحوادث وجود تيّار يزداد قوة (وقاحة في الحقيقة) في لبنان ميّال إلى التساهل و"التسامح" مع التطبيع، فحتى وإن كان الفيلمان قد مُنعا من العرض، لكن مزاجاً عاماً ساد في وسائل التواصل الاجتماعي كان يسخر من فعل مقاومة التطبيع نفسه، ومن جدواه، وينظر إلى المسألة كما لو كانت خلافاً بين تيار متشدّد (المقاطعون)، وآخر أكثر انفتاحاً ومعاصرة (المطبِّعون)!
من جهة أخرى، عرفت العاصمة اللبنانية بعض الفعاليات الثقافية التي أقيمت بمناسبة مئة عام على ما يسمى بـ"وعد بلفور" وخمسين عاماً على هزيمة حزيران، ومن أبرزها سلسلة معارض ومحاضرات أقامتها "دار النمر للثقافة والفنون" من بينها "أسفار الأرشيف الفلسطيني: أحمد باركلي، هنا سليمان"، و"هذا البحر لي" لمجموعة الدكتافون. كما أقامت الدار تظاهرة "مداد" التي استمرت طيلة العام تقريباً وتناولت الخط العربي في محاضرات ومعارض وندوات.
بالعودة إلى آخر الأحداث الثقافية هذا العام، فقد كانت بمعرض الكتاب، الذي تضمّن مشاركات أقل من الأعوام الماضية، متأثراً بالأحداث السياسية المضطربة في الجوار اللبناني، وبالأوضاع الاقتصادية المتراجعة عموماً. غير أنه شهد عدة إصدارات مهمة، من أبرزها، كتابان جديدان للناقدة السورية خالدة سعيد "جرح المعنى" و"أفق المعنى" (الساقي)، و"لبنان في مئة عام: انتصار الطائفية" (رياض الريس) للباحث اللبناني نصري الصايغ، ورواية "بريد الليل" (الآداب) للبنانية هدى بركات، وترجمة لكتاب "هل النقد علماني: التجديف والإساءة وحرية التعبير" (جداول) وشارك فيه كل من طلال أسد، وجوديث بتلر، وويندي براون، وصبا محمود، وترجمه إبراهيم عبد الرحمن الفريح.
على صعيد التشكيل، كان من أبرز الفعاليات استعادة الفنان اللبناني أمين الباشا بمعرض يتواصل حتى 12 آذار/ مارس المقبل في متحف "سرسق"، الذي أقام أيضاً معرضاً استعادياً آخر لويلي عرقتنجي، إلى جانب معرض "يومياتي" الذي أقامه غاليري جنين ربيز للفنان جميل ملاعب.
من الأحداث الثقافية أيضاً تأسيس "بيت الفنان" في حمّانا، الذي أُضيف إلى الخريطة الثقافية في لبنان، وهو مركز ثقافي متعدد الاهتمامات، لكنه يركز بشكل خاص على المسرح والفنون الأدائية، ويساهم في نقل الثقافة إلى مناطق الريف.
شهد العام أيضاً رحيل عدة أسماء بارزة في الشعر والمسرح والأدب، آخرها كان رحيل شاعر المحكية عصام العبد الله (1941-2017)، والمسرحي جلال خوري (1934-2017)، ورائد الأفلام الوثائقية اللبنانية جان شمعون (1944-2017)، والباحث والمترجم موسى وهبي (1941-2017)، والكاتب جورج جحا (1935-2017)، والفنان التشكيلي ستافرو جبرا (1947-2017)، وأحد أبرز الزجالين خليل شحرور (1938-2017)، والباحث المتخصص في اللسانيات والمنطق عادل الفاخوري (1939-2017)، والكاتب خليل رامز سركيس (1921 -2017).