تغيّر مسار معركة البوكمال، أمس الجمعة، مع هجوم تنظيم "داعش" المضاد، مستولياً على نحو 50 في المائة من مساحتها، وذلك بعد يومين من إعلان قوات النظام سيطرتها على المدينة الحدودية مع العراق. كما أفاد الإعلام الحربي التابع لـ"حزب الله"، بأن "أنباء ترددت عن أن زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، كان موجوداً في البوكمال خلال عملية الجيش السوري وحلفائه لاستعادة المدينة"، من دون تحديد مصير البغدادي. كما أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أنه "ليست لديه أي معلومات يمكن إعلانها بشأن مكان البغدادي".
وفي ظلّ الغموض في المدينة وسط أنباء عن أن "انسحاب قوات النظام والمليشيات التي ساندتها إلى أطراف البوكمال، حصل بفعل خلافات واشتباكات بين تلك المليشيات، وسط تكتم من جانب مصادر النظام"، وهو ما أدى إلى تقدّم "داعش". ونقلت شبكة "فرات بوست" المتابعة لشؤون دير الزور عن "مصادر موثوقة" قولها إن "خلافات كبيرة وقعت بين هذه المليشيات تطورت إلى اشتباكات بين الطرفين، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى". وأضافت أن "قوات النظام التي كانت داعمة لدخول حزب الله ومليشيات الحشد الشعبي إلى البوكمال من مركز المدينة، انسحبت لتتمركز في مناطق الجمعيات والصناعة ومحيط الهجانة، بينما تمركزت مليشيا الحشد في ناحية الهري والمناطق الحدودية بين سورية والعراق".
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "تنظيم داعش تمكن من استعادة السيطرة على أكثر من 50 في المائة من مدينة البوكمال، وذلك بعد أن شن مقاتلوه هجمات معاكسة عنيفة بدأت اعتباراً من ليل الخميس ـ الجمعة". وأوضح المرصد أن "عناصر داعش تمكنوا من السيطرة على الأحياء الواقعة في القسم الشمالي والشمالي الشرقي والشمالي الغربي من المدينة، مع تراجع سيطرة الحشد الشعبي وحزب الله والحرس الثوري والمسلحين الموالين للنظام، إلى الأقسام الجنوبية من المدينة، فيما تترافق الاشتباكات العنيفة، مع قصف من قوات النظام على المدينة، بالتزامن مع تفجيرات وقصف من قبل التنظيم استهدف مواقع المسلحين الموالين للنظام".
وكان المرصد ذكر أن "قوات النظام سمحت لبعض العناصر والقيادات من داعش الذين كانوا يتمركزون في البوكمال بالعبور إلى مناطق سيطرة التنظيم في الريف الشرقي لدير الزور". وسبق لقوات النظام والمليشيات المتحالفة معها أن تمكنت يوم الأربعاء الماضي، من اقتحام المدينة بالتزامن مع انسحابات متتالية لعناصر "داعش"، وذلك إثر عملية التفاف من محورين من جهة البادية سيطرت خلالها على مناطق الحمدان والسكرية والهري في ريف البوكمال، قبل أن تقتحم المدينة، في حين طوّقت مليشيا "الحشد الشعبي" العراقية المدينة من الشرق، بعدما تقدمت داخل الأراضي السورية بعمق 3 كيلومترات، وذلك بالتنسيق مع قوات النظام والمليشيات الحليفة.
وشنّت الطائرات الروسية غارات على الأحياء السكنية في مدينة القورية بريف ديرالزور الشرقي، كما أعلنت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) سيطرتها على قرى ضمان وماشخ وحريزة في ريف ديرالزور الشمالي، بعد اشتباكات مع عناصر "داعش"، إضافة إلى قرية التوامية شمال مدينة دير الزور. وقال ناشطون إن "اشتباكات دارت بين الجانبين في الريف الشرقي لمدينة دير الزور، تحديداً قرب بلدة البصيرة، إحدى المراكز المهمة المتبقية لداعش في محافظة دير الزور".
في المقابل، بقي مصير مئات المدنيين المحاصرين في جزيرة حويجة كاطع مجهولاً، وسط أنباء عن اقتحام قوات النظام الجزيرة ونداءات استغاثة من الأهالي. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن "قوات النظام تمركزت على أطراف الجزيرة من دون أن تتوغل في داخلها، خشية تعرّضها لكمائن من عناصر داعش". وذكرت أن "عدداً محدوداً من عناصر داعش انسحبوا مع الأهالي إلى تلك المنطقة إثر سيطرة النظام على كامل مدينة دير الزور، مع تذرّع قوات النظام بمطاردة هؤلاء العناصر للهجوم على المحاصرين، وسط تخوف من وقوع مجازر ضد المدنيين".
وأبدت "قوات سورية الديمقراطية" استعدادها لاستقبال المدنيين الفارين من دير الزور والعالقين في حويجة كاطع، لكن قوات النظام تمنعهم من الوصول إلى مناطق سيطرتها. وقد أطلق العالقون في حويجة كاطع نداء استغاثة إلى التحالف الدولي والهيئات الدولية للتحرك الفوري لإنقاذهم. وكشف بيانٌ صادرٌ عنهم عن أنهم: "نتعرض منذ نحو أسبوع لهجوم بمختلف أنواع الأسلحة من قِبَل نظام الأسد، الذي يحاصرنا، ويستهدفنا بذريعة قتال تنظيم داعش، ويشاركه في ذلك سلاح الجو الروسي. وقد قتل وجرح منا حتى الآن العشرات من الأطفال والشيوخ والنساء، من دون أي إمكانية لتلقي العلاج أو الإغاثة الطبية". وأشار البيان إلى أن "حياتهم معرّضة للخطر إذا حاولوا العبور إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات حيث تتمركز مليشيا قسد، كما أنهم لا يملكون أي قوارب للانتقال إلى الضفة الأخرى".
في سياق آخر، أعلنت حركة "نورالدين الزنكي"، أنها "تخوض حرباً مفتوحة مع هيئة تحرير الشام، وذلك بعد احتدام المعارك ين الجانبين في الريف الحلبي". وكشف بيان مصور تلاه نائب القائد العام للحركة علي سعيدو، أن "هذه الحرب بدأتها تحرير الشام، وأنها سوف تستمر حتى النهاية دفاعاً عن الدين والأهل والعرض والثورة". وأضاف أن "هيئة تحرير الشام تسعى لتفكيك فصائل الجيش الحر، والاعتداء على الشعب وبيع البنية التحتية للبلد والمتاجرة بقضية الشعب السوري تحت ظل حكم الشريعة".
وحول أسباب اندلاع القتال بين الجانبين، قال سعيدو إن "مجموعات عسكرية وأمنية سلبت سلاح كتيبة تابعة للحركة في قرية حيان، أخيراً، وأنذرتها أن العمل مع الحركة غير مسموح به، فحصل استنفار بسيط في المنطقة، ثم تلت ذلك مهاجمة أرتال لمقرات الحركة في الدانا ودير حسان وأطمة".
وجاء البيان عقب إعلان الحركة النفير العام في المناطق المسيطرة عليها في ريف حلب الغربي، وذكر الشرعي في الحركة، أبو الفاروق، أمس، عبر حسابه الرسمي في "تلغرام"، أن "كتائب الزنكي تعلن النفير في مناطقها دفاعاً من بغي تحرير الشام التي لا تفرق بين المدني والعسكري في ظل القصف بالأسلحة الثقيلة"، مناشداً جميع الفصائل مساندة الحركة في مواجهة هجوم الهيئة.
وكانت "الزنكي"، أكبر الفصائل ضمن "تحرير الشام"، قد أعلنت انفصالها الكامل عنها في 20 يوليو/تموز الماضي، وعزت ذلك إلى "قرار قتال أحرار الشام وتجاوز دعوات المجلس الشرعي فيها". وكشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، عن أن "الاشتباكات متواصلة بين الطرفين، تحديداً في منطقة كفرناها وقريتي الأبزمو والشيخ سليمان والفوج 111 غربي حلب، في ظلّ اعتقالات متبادلة بين الطرفين". وأضافت أن "هيئة تحرير الشام شنّت هجوماً واسعاً على مواقع الزنكي في الفوج 111 غرب مدينة حلب، حيث دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. كما أغلقت تحرير الشام الطريق الرئيسي بين الشيخ سلمان ودارة عزة بالسواتر الترابية، تحسباً لهجوم من الزنكي على مواقع الهيئة".
وتسببت الاشتباكات بين "تحرير الشام" و"حركة نور الدين الزنكي" بجرح عدد من المدنيين جراء استهداف منازلهم في بلدة الأبزمو بريف حلب. وذكر المتحدث باسم "الزنكي"، النقيب عبد السلام عبدالرزاق، أن "عناصر من تحرير الشام، اعتقلوا جرحى من الحركة كانوا في مستشفى باب الهوى"، مضيفاً أن "الهيئة اعتقلت أيضاً إمام وخطيب مسجد يدعى أسامة المحمد في ريف حلب، لعلاقته مع الزنكي".
في غضون ذلك، أعلن القائد العام لـ"كتائب فجر الخلافة العاملة" في مدينة عندان، عمر الأعور، أنه "تم حالياً تشكيل قوات فصل بين الجانبين في بابيص والريف الشمالي"، مشيراً إلى أن "ذلك يشمل مناطق حيان وعندان وكفر حمرة وحريتان ومعارة الأرتيق وياقد العدس وكفربسين وبابيص، بريف حلب الشمالي". وقد دعت مجالس محلية ومجالس شورى عدة إلى تحييد القرى والبلدات من أي قتال داخلي وأعلنت أنها تحت إدارة مدنية.