غضبة عمّان شعبياً ورسمياً: خوف من التفافة تكتيكية

10 ديسمبر 2017
تظاهرة أردنية في عمّان منددة بترامب (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -


في ختام جمعة الغضب الأردنية من أجل القدس المحتلة، المتوقع تكرارها، حيا الملك عبد الله الثاني تحرك مواطنيه، مغرداً على صفحته على موقع "تويتر" بأن "الأردنيين على الدوام نبض هذه الأمة، وما أظهروه من مشاعر جياشة تجاه القدس، قضيتنا الأولى، بتلاحم وتآخٍ لا مثيل لهما، يعكس مقدار شموخ شعبنا ورقيه، وهو مصدر فخر لي ولكل عربي". وعلى نحو غير مسبوق تذوّق الملك مرارة "الخديعة المتوقعة"، وهو الذي سجل رقماً قياسياً في عدد الزيارات الرسمية والخاصة وغير المعلنة للولايات المتحدة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً، "ناضل" خلالها لثني ترامب "المندفع" عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

تعني القدس للملك، صاحب الولاية على المقدسات الإسلامية فيها، الذي تتأثر مملكته بشكل مباشر بمستقبل القضية الفلسطينية، ما لا تعنيه لغالبية الزعماء العرب، وهي تعني للأردنيين على اختلاف أصولهم، لاعتبارات تاريخية وسياسية وجغرافية وديمغرافية، ما لا تعنيه لغيرهم من الشعوب العربية، لذلك يكون للتعامل الأردني مع الاعتراف الأميركي خصوصية عن تعامل الآخرين.

بعشرات الآلاف تظاهر الأردنيون، بعد صلاة يوم الجمعة الماضي، في جميع أرجاء المملكة، قبل أن تسبق ذلك موجات احتجاجية تزامنت مع خطاب الرئيس الأميركي مساء الأربعاء الماضي، وتواصلت، وسط توقعات بعدم توقفها قريباً. سبقت التظاهرات تعبئة عامة شارك فيها الإعلام الرسمي والخاص، وتحريض حكومي صريح على لسان وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ممدوح العبادي، الذي دعا المواطنين للنزول إلى الشارع للتنديد بالقرار الأميركي، وحث من قبل رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، لزملائه النواب على المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، في تطابق واضح ونادر مع الدعوات التي أطلقتها الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والفعاليات الشعبية.



وغابت عن التظاهرات الانقسامات والمماحكات السياسية التي عكرت صفو الاحتجاجات الشعبية خلال السنوات الأخيرة، وبدت المعارضة إسلامية ويسارية وقومية منصهرة في هدف واحد، حتى المعارضون والموالون انخرطوا بتحرك موحد من دون أن تثير الهتافات المتنوعة والمواقف المتباينة تجاه السياسية الرسمية حساسية تترجم خلافات على الأرض. والمؤكد أن الغالبية الساحقة من الأردنيين نزلوا إلى الشارع بدافع ذاتي، من دون أن تكون الدعوات الرسمية وحتى الحزبية والنقابية محدداً لحركتهم، لكن ذلك لم يمنع أن من بين المتظاهرين من نزل إلى الشارع إرضاءً للسياسة الرسمية الساخطة حالياً على الإدارة الأميركية، ومنهم من نزل إرضاءً للقصر الملكي، وانتصاراً لـ "الملك الغاضب".

على أهمية ردة الفعل الشعبية، يعتقد سياسيون وحزبيون أنها جاءت متأخرة بالنظر إلى القرار الأميركي الذي كان متوقعاً على نحو حاسم، مع التعويل على استمرارها، وتطورها باتجاه مقاطعة منظمة ليس للمنتجات الأميركية فقط، بل حتى للمساعدات التي تستفيد منها منظمات المجتمع المدني. وفيما يتواصل التوحد الرسمي والشعبي في مواجهة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة إسرائيلية، ويتواصل التشجيع على التظاهر وإزالة العراقيل من أمام المتظاهرين، يخيم تخوّف من أن يتحول الموقف الرسمي الذي يظهر استراتيجياً حتى اللحظة إلى تكتيكي من أجل تحصيل "وعود على درجة من الجدية" من واشنطن لإعادة النظر في القرار، أو تضمينه في سياق تسوية "عادلة" للقضية الفلسطينية تستثنني القدس الشرقية صراحة من الاعتراف الأميركي، الذي جاء مخادعاً في خطاب ترامب.

عاجلاً أم آجلاً، ستصبح الاحتجاجات، خاصة تلك المتركزة في محيط السفارة الأميركية في عمّان، عبئاً على الأردن الرسمي، خصوصاً في حال نجاحه في استثمارها لانتزاع قرار سياسي/ تسوية يعتبرها مرضية، لتصبح وقتها الرهانات على المواصلة أصعب، وأصعب منها حدوث انعطافة حقيقية باتجاه حلفاء جدد.