سنة مصر.. على إيقاع التزييف

01 يناير 2018
(غرافيتي في القاهرة، تصوير: محمد حسام)
+ الخط -

تنتهي الأعوام باحتفالاتٍ عادة ما تحضر فيها مفرقعات تضيء سماء مظلمة. واقع الثقافة في مصر 2017 قريب من هذه الصورة إلى حد كبير، فقد اتسم العام بفرقعات كثيرة، وكان التزييف أحد العناوين الأساسية فيه، وفي الخلفية استمرّت الرقابة على حرية الفكر والتعبير.

من أبرز ما شغل الوسط الثقافي والإعلامي المصري في السنة المنقضية، تصريحات أم كلثوم نجيب محفوظ، ابنة الروائي المصري (1911 - 2006) في برنامج تلفزيوني، حين تحدّثت عن "قلادة النيل" (أعلى وسام مدني يسلّمه رئيس الجمهورية) التي نالها والدها في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك قبل 29 عاماً، والتي كشفت أنها كانت "مزيفة"، حيث لم تكن قلادة ذهبية خالصة كما هو معتاد وشائع بل مجرّد قلادة فضية مطلية بقشرة من الذهب.

المفاجأة حملت الكثير من الرمزية التي تناولها الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، مثل كون نظام مبارك على كثرة ما نهب من المال العام بخل على نجيب محفوظ الحاصل على جائزة "نوبل للآداب" بقلادة تزن نصف كيلوغرام من الذهب.

التزييف كانت له مستويات وحكايات أخرى، بدءاً بتواصل إنتاج تماثيل مشوّهة غزت ميادين شهيرة في مصر، وهو ملف مفتوح إلى ما أبعد من 2017، مع شخصيات مثل أم كلثوم وعباس محمود العقاد، لتلحق الممثلة الأميركية مارلين مونرو بالقائمة، عبر تمثال نُصب في قلب ساحة "دار الأوبرا المصرية"، وهو عملٌ نحتيّ وضعه رئيس قسم النحت في كلية الفنون الجميلة- جامعة المنيا، ما حوّل الصفعة إلى صفعتين على خلفية أن ردود الفعل العام الماضي كانت تطالب أن يتم "إعطاء الخبز لخبازه" وأن تسند الدولة مهمة إنجاز التماثيل لفنانين متخصّصين. المفارقة أن مُنجز تمثال مونرو يعتبر بحكم موقعه الأكاديمي من المتخصصين، والمنصب الذي يشغله يُعطي فكرة عن المستوى العام الذي وصلت إليه كلّيات الفنون وتعليمه في مصر.

وفي سياق الحديث عن التماثيل أيضاً، شهد العام "جريمة" في حق تمثال عبد المنعم رياض للفنان المصري فيصل سيد أحمد في بورسعيد، حيث تم تحطيمه بالكامل أثناء محاولة نقله بطريقة بدائية محزنة بواسطة بلدوزر ليستمر ملف التعامل العشوائي مع الآثار والقطع الفنية مفتوحاً على سنوات قادمة لا تبشر بخير.

في 2017، نجد أثر التزييف أيضاً في تصريحات الكاتب يوسف زيدان حول مدينة القدس المحتلة، وعدم قدسية المسجد الأقصى، وهي تصريحات غير جديدة عليه، حيث أطلقها منذ عامين، لكنه لم يتوان في إعادتها بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني!

ظهر زيدان عبر برنامج "كل يوم" مع عمرو أديب، ودعا إلى أن "يتحابّ الفلسطينيون واليهود" معتبراً أن "بذور الكراهية تعود للمتطرفين"، كما ذكّر بقصة خيبر باعتبارها قصة السلام بين اليهود والمسلمين وتحدث عن مقاومة اليهود للاحتلال البريطاني لفلسطين.

تصريحات زيدان قلبت صفحات التواصل الاجتماعي في مصر، ليس فقط في ردود أفعال مستنكرة، بل أيضاً مع قيام الصفحة الرسمية لما يسمى "السفارة الإسرائيلية في القاهرة" بشكر زيدان على تصريحاته "التي تنبذ العنف" وهي التصريحات التي نقلتها جريدة "اليوم السابع" وكأنها خبر طبيعي بل وإيجابي.

تقتبس "اليوم السابع" عن سفارة الاحتلال قولها وهي تعلن "سعادتها" بتصريحات زيدان أن "التعاون بين اليهود والمسلمين من شأنه أن يعود بالفائدة على المصريين والإسرائيليين على حد سواء، خدمة لأبناء الجيل الصاعد لدى الشعبين"، في تزييف آخر لطبيعة الاحتلال الاستعماري الإحلالي في فلسطين وتصويره كمجرّد تعصب ديني.

من القضايا الثقافية التي شغلت أيضاً الوسط الثقافي المصري، والتي تدخل تحت باب التزييف بشكل ما، قضية كشفها جابر عصفور في مقال له بعنوان "عن ريادة الرواية العربية.. تسرّع وعدم أمانة " الذي رد فيه على ما تداوله الصحافي سيد محمود في مقال له في جريدة الحياة باعتبار رواية "خطبة الشيخ" لطه حسين أول رواية عربية.

حاول عصفور إعادة الأمور إلى سياقها الصحيح في مقاله المطوّل في جريدة "الأهرام" في محاولة لتصحيح الكثير من الأغلاط المتعلقة بأول رواية عربية وتجاهل أعمال أخرى مثل "زينب" لمحمد حسين هيكل ورواية "الفتى الريفي" لمحمود خيرت و"عذراء دنشواي" لمحمود طاهر.

إلا أن القضية لم تقف عند مقال تم الرد عليه بمقال وتصحيح معلوماته بل تطوّر إلى إقالة محمود الضبع من منصبه كرئيس "دار الكتب والوثائق"، والصحافي سيد محمود من منصبه كرئيس تحرير جريدة "القاهرة" بسبب الأغلاط التي تم تداولها حول رواية طه حسين واعتبرها عصفور "تزويراً" واضحاً.

لم تخل سنة 2017 أيضاً من الحديث حول السرقات الأدبية، وكانت أشهر هذه الوقائع اتهام الروائية مي التلمساني وزوجها وليد الخشاب للكاتبة نورا أمين بسرقة رواية "أكابيلا" (للتلمساني) واستلهام أغلب أحداثها وأغلب ثيماتها في رواية "ساركوفاج"، وهي الواقعة التى أحدثت زوبعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وفتحت باب المراجعات حول مفهوم السرقة الأدبية، وكان وليد الخشاب قد وثّق هذه الاتهامات في مقال له في جريدة "القاهرة" بعنوان "استلهام مع سبق الإصرار".

وقعت جميع هذه "الفرقعات" تحت سماء مظلمة، فقد كانت مصر طوال 2017، كما في السنوات التي سبقتها، مرتعاً للرقابة على حرية التعبير والتضييق على الفن، فبعد قضية أحمد ناجي و"تهمة خدش الحياء العام"، جرى إلقاء القبض على فرقة "أطفال الشوارع" في مطلع عام 2017، وانتهى العام بمنع عرض فيلم "اللي حصل في الهيلتون" للمخرج طارق صالح، وهو الفيلم الذي كشف بنية الفساد في جهاز الشرطة، والعلاقات المتداخلة والمشبوهة، بين رجال السياسة وأجهزة الأمن، قبيل وخلال الأيام الأولى لثورة 25 يناير.


رمسيس الثاني: شخصية العام
لئن بدت البحوث في المصريات وقد خبت بعض الشيء في السنين (ربما العقود) الأخيرة، فإن 2017 حمل بعض النتائج البارزة، من بينها اكتشافان متعلّقان بـ رمسيس الثاني: الأول في آذار/ مارس (الصورة) حين اكتشفت البعثة المصرية الألمانية المشتركة تمثالاً ضخماً للفرعون المصري في حي المطرية في القاهرة. والثاني في تشرين الأول/ أكتوبر، مع فريق مصري تشيكي، مع اكتشاف بقايا معبد لـ رمسيس الثاني في أبو صير جنوب الجيزة. 

دلالات
المساهمون