سلوا قلبي ..

04 يناير 2015
+ الخط -

احتفل العالم بقدوم السنة الجديدة 2015، التي جاءت متزامنة وذكرى المولد النبوي الشريف، وهي مناسبة متجددة للنقاش حول محورية التراث الديني في الحياة البشرية وعلاقته بالاستغلال السياسي.
حقيقة، قبل أن تسأل أم كلثوم قلبها في شعر أحمد شوقي "لَعَلَّ عَلى الجَمالِ لَهُ عِتابا"، كان شوق الاحتفال بمولد نبينا يوقظ فينا، في المغرب العربي، تراكمات عميقة للمخيال المشترك، نسيجها من صفاء البلدان المفتوح على الحواضر المتوسطية والإفريقية، المعادية للتشدد والتكفير، جامعاً طقوس بساطة العادة بالعبادة، مستبعداً التشنجات المذهبية والملامح المتقاطعة التي شكلت مجالاً حيويّاً للجدل، منتجة "دعشوشات" وآلهة كثيرة، تعلن يوميّاً قوائم المعنيين بالجنة والنار، فضلاً عن أصنام  الموانئ والإدارات والبلديات والبنوك والشوارع، تنشر القبح بمنطقة تعاني عقدة حِسّ الجمال.
سلوا قلبي... عن جداتنا اللائي كن يسلين قلوبهن بطحن القمح على ضوء الشموع، ولا يحفظن من المديح سوى "الصلاة على النبي، تكرر مع الإعجاب، الرجاء الخوف، بما تربوا عليه من حب نبوي صاف، فيما ارتبط لديهم الأوروبي الذي نتملق وساستنا أمام سفاراتهم بكل ما هو رديء وتافه. حتى فرنسا، نهاية الثلاثينيات، منعت الاحتفال بالمولد لرمزيته ضد عوالم التنصير الكولونيالي. ومن سوء أقدارها أن ثورة نوفمبر انفجرت، في الأسبوع الأول لشهر "المولود"، وقبلها جل الفرق الرياضية اشتقت تسمياتها منه، كمولودية الجزائر، وهران، قسنطينة، واستمسكت أمهات هذه البلاد بأسماء المصطفى والهاشمي عاشور والمكي بلقاسم والحسين، لأن "المولود" مرادف للمثابرة والبركة والنجاح. ثم اختفت المدائح والشموع لصالح الفلكلور الهادر، وأصبح المولد ذاته فرحة للصين الشعبية ولمستوردي "المفرقعات"، بهدف احتساب مداخيل مضخمة، على حساب الأطفال الذين فقدوا أطرافهم، أو فقئت أعينهم في تربص الترويض على أصوات الانفجار، ما دام مستقبلهم يحتاج هذا التمرين الاستباقي من مخزون العنف.
اليوم، يحتفل العرب بربيعهم الرابع، ونهاية موسم "الخلعة الشاملة"، خصوصاً وأن جل دولنا الإسلامية تنسج الطغاة والغلاة وجلب الغزاة إلى بلدان تعيش تعقيدات سياسية، متبوعة بفشل عام، أدى إلى خلل ظاهر في استرجاع الملامح الشكلية لنا، كحواضر متسامحة.
سلوا قلبي...
كيف أن المصطفى سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، سيد شهر ربيع الأول، بنى في 23  سنة فقط بآية "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" مجتمعاً ودولةً، تشع أنوارها مشارق الأرض ومغاربها، وحضارة علمية سلوكية، أنجبت ابن النفيس والخوارزمي وابن سينا والرازي، مستوعبين المقاصد الكبرى للرسالة، أما "أصنام" الربيع الرابع فغرقوا في فوضى الفراغ السياسي والديني، منقسمين إلى طوائف متقاتلة على الماء والكلأ والنار وأسعار النفط الذي لن يخفض إنتاجه، ولو بلغ 20دولاراً، فيما شعوبهم تتدافع أمام المخابز والمعابر، والمخافر و المقابر.
وجه الغرابة أن آباءنا كانوا، على قلة تعليمهم، أكثر وعياً وتبصراً في ثقافة الحوار والتسامح. وأكثر تشبعاً بالقيم الجميلة، قولاً وتطبيقاً. أما ولاة الويل في مجتمعات 2015 العربية فهي نسخ مكررة للسنة الماضية، وما قبلها، تعاني غياب "عيون" العلم والعدل والعقل والعمل، لأمة قامت من وحي المعرفة ودين "اقرأ"، ثم أتلف أوثانها ذاكرة أوطانها بزراعة "عيون" العطالة والعدمية والعنف المتصل بكثافة هزائم الذات وهموم الغفلة الحضارية. لذلك، سؤال القلب الكبير" من طمس الجمال فينا؟

 

avata
avata
الحسن حرمه (الجزائر)
الحسن حرمه (الجزائر)