11 سبتمبر 2015
أطفال ... خبز المطلوع
الحسن حرمه (الجزائر)
يحتفل العالم سنويا بعيد الطفولة، وقد حققت الدول الغربية مكتسبات كبيرة بشكل يجعلهم صلب اهتمامات الدولة، ومحور انشغال عميق للفاعلين الاجتماعيين، فالطفولة براءة إنسانية مشكلة من تراكيب لازالت نقية وصافية المحتوى، وسميت زينة الحياة الدنيا.
خلال طفولتنا، كانت حقول إدراكنا ثلاثية صافية، تتوزع بين أفلام كرتون "جونغر" لتحرير الأرض من الغزاة "الجبابرة" وسلسلة "ما أحلى أن نعيش في بيت واحد"، وما تيسر من عالم خيالي خال من الحروب والعنف ونشرات الأخبار وحصاد اليوم من الدماء.
مرت السنين. كبرنا نحن، وصغرت أحلامنا الملتوية لصالح أفلام كرتونية واقعية، بلغة الجنوح الدموي للذين فقدوا أطرافهم، أو فقئت أعينهم في تربص الترويض على أصوات الانفجار، ما دام مستقبلهم يحتاج هذا التمرين الاستباقي من مخزون العنف.
وتكتفي، الآن، باحتساب تعداد نعوش قوافل أطفال فلسطين واليمن وسورية والعراق التي يرسلها الساسة إلى المقابر، من دون أن يستوطنوا داراً جميلة في الدنيا، أو يحققوا أحلام اللعب والمدرسة، بسبب شعوذة الكبار.
وفي عالمنا العربي لازال اسمهم مرتبطاً بالضعف، قلة الحيلة والتوظيف من دون كفالة حقيقية أمام الانحراف الاجتماعي المتعلق بالاغتصاب والاختطاف والاعتداءات الجسدية وغياب الرعاية، لأن التطورات المتسارعة جعلتهم وقود ومزابل ضغط اجتماعي، يحاسبون أخلاقيا وتربوياً، لأسباب متساوقة مع العجز المتراكم لشخصية الإنسان العربي المهزوم الموجه صدماته وعقده نحو البراءة
سجلت الجزائر، أخيراً، حالات من ذلك في مدن وأحياء شعبية عديدة، بعضهم لم يكمل ست سنوات ولا زال حليب أمه بين أسنانه، قتلته جارته بدافع الغيرة، قتله منحرف بغرض الاعتداء، وفشل المختصون في التنبؤ بهذه الحوادث ورصدها، ويبدو أنها ليست من اهتمامات السياسيين حالياً، على الرغم من الجهود المبذولة فعلياً، وترسانة القوانين الغائبة عن ميادين التطبيق.
وترسم الشوارع توظيفا رخيصا لهم في التسول أمام المساجد، بعضهم يبيع "خبز المطلوع "، المصنوع تقليديا لمساعدة أسرته، وآخرون يقفون جنب الطرق السريعة، لعل راكباً يشتري منه شيئا يسيراً، ثم يأتي الأول من يونيو لممارسة فلكلور سياسي هادر وتكرار إلياذة "كل شيء على ما يرام"، فيما هناك من لا يعرف العطلة المدرسية مطلقاً، ما دفع بعضهم إلى الانتحار في ربيع الزهور.
طبعا إذا بحثنا عن تفسير منطقي، لن يكون بين إجاباتنا تكهن بفشل الحصول على عمل أو ترقية وظيفية أو سكن اجتماعي، بل الإجابة متصلة بعنف وجهه الطفل نحو ذاته، انتقاما من المجتمع، أو نوعاً من العدوان الاحتجاجي على ضغوط متعاظمة.
تعكس هذه التفاصيل التراجيدية المأسوية درجة الترهل الشامل، وغياباً كلياً لدور الأسرة، ومجتمعا يخنقه النفاق والتورية السلبية، بدل مواجهة أزماته، وما اختطاف البراءة بغرض الاعتداء الجنسي سوى دليل على أمراض سلوكية، تحتاج لدراسات وحلول حقيقية، وليس مكابرة شعبوية ممن يطلقون حملات حراسة الأخلاق في صفحات التواصل الاجتماعي لمجتمع غارق في التسطيح المكعب والتدين الشكلي.
كل الخوف أن يتحول الموت إلى تراث عربي لمسؤولين ذاكرتهم مثقوبة، وضمور نخب ثقافية وسكوتها، تواطؤاً أو غياباً، بدعم فلسفة مشاركة الإنكار، أمام مستقبل أجيال تعيش بين عنف قنوات الكرتون، والاستراتيجيات الكرتونية السياسية التي فككت المدرسة والأسرة، إرضاء لسادتهم، وكما قال أحد المثقفين، معلقا على هذا المسخ العام "عزائي أن الأطفال الرضع فقط يملكون حق الصراخ والقدرة عليه، قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية وتعلمهم الصمت".