حاسي مسعودة..

09 ديسمبر 2014
+ الخط -

عندما غنى الشاب خالد "ولي لدارك وين راك رايحة"، كان يعكس ثقافة مجتمعات عربية غارقة في الذكورة، المنتفخة بتراكماتها التاريخية التراثية من دون أن تقدم بديلا إيجابيا عن تكوينات نمطية معطوبة الخيارات، وسلبية الإرادة، سوى أن ينهي الشيخ الشاب خالد أغنيته بضحكة عريضة.

الإجابة أن سبب رفضها "تولي لدارها" لأنها لا تملك سكنا يتسع لها أو أصبحت متنورة ومتعلمة، أو أن بعض تراثنا منه يعاملها كبضاعة وملكية لا تختلف عن الكراسي والطاولة أو أن العولمة تفرض قوانينها التكنولوجية والإعلامية.

وتصلح الأغنية لفكفكة التوجهات الاقتصادية الهشة. وتشهد الجزائر نقاشا حادا مزدوجا اقتصاديا واجتماعيا حول مفهوم السعادة وسعدية وتسعديت، بعد التقارير والتصنيفات الأخيرة في ظل انهيار أسعار البترول وتأسيس صندوق لمساعدة المطلقات وقبله مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، هذه التطورات جعلت الجموع الذكورية مرتبكة نتيجة انحناءات في قيمه السلوكية على حساب ميراث الإلغاء والاستحلال والاستغلال والاستحواذ وجموح الحلول القانونية.
 
هيمنة ثقافات "البدونة" في تمظهراتها المستترة النمطية العصية على التغيير حتى في القضايا الأساسية، حيث احتلت المشهد العام بفضل التعليم وآثاره الإيجابية فضلا عن الضغط الاقتصادي الذي أثقل كاهل الرجال فقبل على مضض بهن، بصفتهن مدخول مالي إضافي لا تملكه كما لا تملك نفسها.

السخرية أن المنطقة العربية جوهر انشغالاتها زواج المناكحة وفتنة الجسد والنفقة، والتحرش الجنسي تواجهه الدول بحلول شعبوية ترقيعية من زيادة حصة النساء في المجالس المنتخبة وتأسيس المراصد دون نتيجة أكاديمية، من منطلق استغلالي ضيق وترسانة تشريعات كانت في بعض تصوراتها هادمة لنسيج العلاقة بين الذكر والأنثى، مستمدة من قوانين غربية وانفعالية التطبيق المتصل بالبهرجة الإعلامية، وليس تحسين وضعها في الفضاء العام والاستغلال كبضاعة إعلانية خلال المواعيد السياسية، لتحسين الصورة المصدرة إلى الخارج الذي يستورد بترولنا، وهم المتحرشون بأسعاره ومداخيله في مشهد سياسي كاريكاتوري تحت عنوان "ما تخليني يا سارة".

وضع المرأة والاقتصاد متشابهان، نتيجة فوضى البنيان الاجتماعي. ومستويات التسطيح الناتج عن نكسات الخيبة، لكن على الرغم من هذا المغص والجوق السياسي ما زال لفيف كبير منهن يواجه قهرا مركبا، من أولئك اللائي انحنى ظهورهن بعجن خبز "المطلوع" تستنشق دخانه كل فجر عسى يساعد زوجها في سد رمق أطفالها ثم اللائي يواجهن صهد الريح، لغربلة الحصى من أجل كيس حليب مفقود في المحلات التجارية.

ورغم الارتكاسات المتتالية ما زالت الشعارات الاجتماعية والرسمية إن النساء حققن كل شيء، والرجال يشتكون من أنهن استولين على كل شيء، وبعضه حقيقة، فالجزائر عكس كل دول العالم الثالث، الفتيات هنا يشكلن ثلثي المنظومة التربوية والجامعية دون مزية أحد أو استزلام سياسي، لكن وبدل أن نفتح ورشات نقاش وتقييم، تركن المجال لجماعة "أعطتني هدية" لممارسة الفلكلور، وهي وضعية شبيهة بحال الاقتصاد والمخاوف من تراجع الأسعار وليس مستبعدا في إطار الشعبوية المتورمة، ولضرورة المرحلة أن يتم تعديل اسم منبع النفط حاسي الرمل إلى حاسي البحر والرمل، وكذا حاسي مسعود، إلى حاسي مسعود ومسعودة.. طبعا في إطار مناصفة توزيع القحط وفق استراتيجيات اقتصادية تحتاج إلى نصيحة المغني الشاب خالد "ولي لدارك وين راكي رايحة" متبوعة بضحك كالبكاء..

avata
avata
الحسن حرمه (الجزائر)
الحسن حرمه (الجزائر)