الإعلام العربي منقسماً إزاء محاولة الإنقلاب في تركيا

17 يوليو 2016
(غوخان تان/Getty)
+ الخط -
خلّفت المحاولة الانقلابيّة الفاشلة في تركيا فوضى إعلاميّة في العالم أجمع، كان شريكاً فيها الإعلام العربيّ. وكان الإعلام العربي منقسماً إزاء المحاولة الانقلابيّة الفاشلة، بين محرض عليها ومدافع عن الديمقراطية. 

النظام السوري مهللاً
أفردت قنوات إعلام النظام السوري الفضائيّة ومساحاتها الإعلامية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تغطيةً آنية خاصةً لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا ليلة الجمعة - السبت. وذهبت معظم هذه الوسائل لاعتبار الانقلاب العسكري "ثورة ضد حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، العدو الأول للنظام السوري"، على حد قولها، معتبرةً أنّ "أحد أسباب الانقلاب هي ضد سياسته المعادية لسورية". ودخلت التلفزيونات السورية الرسمية التابعة للنظام، على خطّ التهليل للانقلاب، فأكّد تلفزيون "سما" بكلّ "سرور" عبر مذيعه، وقوع الانقلاب، ونقل أنباء الاحتفال بذلك، لا بل وصل الأمر إلى وصف أردوغان بـ"الهارب". ما قال المذيع، حين إجرائه مقابلة مع الكاتب السياسي عقيل محفوظ (دمشق): "بأقصى حالات التشاؤم، ماذا لو بقي أردوغان في الحكم؟".

مصر: شماتة واحتفاء
احتفت وسائل الإعلام المصرية، المؤيدة لسلطة الانقلاب العسكرية، بمحاولة الانقلاب الفاشلة، وتداولت أخباراً مغلوطة عن مقتل رئيس هيئة الأركان التركي، وقصف البرلمان التركي بقذائف صاروخية، وطلب أردوغان اللجوء إلى ألمانيا.
وخرجت الصحف المصرية، صباح السبت، بعناوين متشابهة على صفحاتها الأولى، ادعت فيها نجاح المحاولة الانقلابيّة في تركيا. وعلقت الصحف المصرية طبعاتها الثانية في المطابع للحاق بخبر "الانقلاب العسكري في تركيا"، لكنها لم تكن تتخيل أنها إن علقت قرار الطباعة ساعات قليلة أخرى، فستهدم عناوينها الرئيسية (المانشيتات) التي تشابهت كثيرا في وصف "الانقلاب في تركيا". فبعد ساعات على إعلان فشل محاولة الانقلاب في تركيا، خرجت الصحف المصرية بمانشيتات محتفية بالمحاولة، تحت عنوان "الجيش التركي يطيح بأردوغان".
وخرجت صحيفة "الأهرام" القومية المصرية، بمانشيت "الجيش التركي يطيح بأردوغان"، مع صورتين شغلتا نصف الصفحة الأولى بالكامل. المانشيت نفسه كتبته صحيفة "المصري اليوم" الخاصة، وقالت في عنوان شارح عقب المانشيت الرئيسي "الجيش يطيح بأردوغان"، إن "الدبابات في الشوارع.. إعلان حالة الطوارئ.. وبيان للقوات: علاقاتنا مع العالم مستمرة".
وخرجت صحيفة "الوطن" الخاصة بمانشيت "الجيش يحكم تركيا ويطيح بأردوغان"، مع عنوان شارح "الرئيس التركي يدعو الشعب للتصدي للعصيان العسكري.. ويطلب اللجوء لألمانيا".

الصحف الأردنية منقسمة
تابعت الصحف الأردنية باهتمام بالغ المحاولة الانقلابية التي عاشتها تركيا منذ انطلاقها مساء الجمعة، وحتى إعلان فشلها فجر السبت. إذ واكبت الصحف الورقية الأربعة "الرأي"، و"الدستور" و"الغد" و"السبيل"، والمدعومة بمواقع إلكترونية إخبارية، الحدث التركي لحظةً بلحظة، عبر مواقعها، التي غاب عنها التباين في التغطية واعتمدت بشكل كامل على وكالات الأنباء والتلفزيونات العالمية، فيما اجتهدت بعضها بنقل صور للأحداث من مواقع التواصل الاجتماعي.
التباين في التغطية ظهر بعد ساعات من انطلاق الحدث، وهو ما فرضته السياسة التحريرية للصحف. فكانت صحيفة "السبيل"، الناطقة باسم التيار الإسلامي الأردني، أول الصحف الأردنية التي اعتمدت في عناوينها "محاولة انقلابية" وليس "انقلاباً"، معطيةً الأولوية للتصريحات الصادرة عن القيادة الشرعية التركية، التي قللت من أثر المحاولة وتعهدت بالقضاء عليها.
وتصدر الحدث التركي الصفحة الرئيسية لصحيفة "الرأي" المحسوبة على الحكومة الأردنية، على حساب خبرين محليين مهمين ضمن السياسية التحريرية المعروفة للصحيفة، وهما إدانة الملك للهجوم الإرهابي في مدينة نيس الفرنسية، ومقابلة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي الأولى مع التلفزيون الأردني. وعنونت الرأي صفحتها بـ"انقلاب عسكري في تركيا: الجيش يعلن السيطرة وأردوغان لا يعترف". وتفردت الصحيفة بالحصول على موقف رسمي أردني من الأحداث جاء على لسان الناطق باسم الحكومة معلناً فيه أن بلاده تراقب الأحداث الجارية في تركيا.
وأفردت صحيفة "الدستور" أيضاً مساحة للحدث التركي على صفحتها الأولى، لكن منحتها موقعاً أقل أهمية مقارنة بإدانة الملك للهجوم الإرهابي في مدينة نيس، ومقارنة بمقابلة رئيس الوزراء مع التلفزيون. وجاء عنوان "الدستور" متوازناً.

العربية وسكاي نيوز تحرضان

فيما كان الإعلام العالمي يتحدث عن "فوضى الأخبار في تركيا"، إثر إعلان محاولة الانقلاب العسكريّ الفاشلة، كانت قناتا "العربيّة" و"سكاي نيوز عربيّة" في مكان آخر، في موقع يحسم حصول الانقلاب العسكري في تركيا... لا بل ينقل أخباره بحماس ويُهلّل لحصوله، ما ظهر جلياً عبر تعليقات المذيعين والضيوف على تلك القنوات، الذين تحدثوا عن "حرب أهلية مرتقبة في تركيا".

هكذا، حاولت "العربية" مقارنة ما يحصل في تركيا بالانقلاب العسكري في مصر عام 2013، معتبرةً إياه "ربيعاً عربياً"، فقالت مذيعة القناة "هناك مقارنات مع ما حصل في مصر، والربيع العربي هناك". كما سألت المذيعة "هل يُمكن أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه في تركيا، أو أن تتحول الأمور إلى حرب أهليّة، خصوصاً أنّ الشعب التركي يحمل السلاح؟". وأمام صور واضحة لتجمهر كبير لأنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأصوات إطلاق الرصاص الكثيف عليهم في الساحات، قالت المذيعة إنّ "الجيش يطلق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين لكنّهم لا يخافون".
وكانت قناة "سكاي نيوز عربية" متحمسة تجاه الأخبار. إذ، وأمام مقاطع فيديو تُظهر إطلاق نار من طائرات على المتظاهرين في إسطنبول، سأل المذيع إن كانت هذه "النهاية الحزينة" لأردوغان.
وكتبت القناة خبراً أسفل شاشتها، يقول: "التصدي بالذخيرة لمجموعة حاولت خرق الحظر"، فيما عمدت إلى نقل صور الحاملات العسكرية وسيارات الإسعاف، بالإضافة إلى صور مواطنين يلتقطون صور "سيلفي" أمام جسر البوسفور، لتعود وتعرض بعضاً من صور الجماهير التركية بعد حوالى ساعة ونصف. وسأل مذيع "سكاي نيوز" ضيفه، عن نهاية أردوغان و"الصورة المضرّجة بالضعف".


فتور التغطية السعودية

على عكس اندفاع قناة "العربية" في اتجاه تأييد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، جاء تعامل الصحف السعودية مع أخبار الانقلاب حذِراً ومعتمداً بالدرجة الأولى على ما تنقله وكالات الأنباء العالمية، وساهم تبكير معظم الصحف في إرسال عددها للمطابع في ضعف تغطيتها لما حدث في تركيا.
ولعبت حسابات الصحف على "تويتر" دور الورق في نشر أخبار ما يحدث في تركيا بشكل سريع. فعنونت صحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن صفحتها الأولى بـ"تركيا إلى المجهول، وأردوغان: الانقلاب لن ينجح". اما صحيفة "الحياة" فلم تركز كثيراً على أخبار الانقلاب، واكتفت بكتابة:"الجيش يقود انقلاباً، ورئاسة الوزراء :محاولة فاشلة"، وبقيت حذرة في متابعتها للأحداث وغير مهتمة كثيراً بها لضبابية الصورة في البداية.
بقية الصحف المحلية كـ"الرياض"، و"الجزيرة"، و"المدينة" ركزت على الرفض السعودي للانقلاب في تركيا، واستقت أخبارها من وكالات الأنباء العالمية، فكتبت "الرياض" بعنوان داخلي عريض "العالم يرفض الانقلاب على الديمقراطية في تركيا، ويدعو للحفاظ على الأمن والاستقرار". فيما اكتفت الوطن بخبر صغير في الصفحة الأولى "انقلاب عسكري في تركيا"، وأسهبت في سرد تاريخ تركيا مع الانقلابات العسكرية.

تونس: القنوات غائبة
اعتمدت جلّ الصحف التونسية في تغطيتها على متابعة ما حصل وتقديم بعض المعطيات التاريخية عن تاريخ الانقلابات في تركيا. ونشرت صحيفة "الشروق" اليومية معطيات عن محاولة الانقلاب التي قام بها بعض الضباط الاتراك، وهو ما قامت به صحف "الصباح" و"الصريح" و"الشارع المغاربي" و"أخبار الجمهورية" أيضاً. إذ غابت المقالات التحليلية وتمّ الاكتفاء بالمتابعات الإخبارية. كما لم تُنشر مقالات رأي قد يستشف منها موقف هذه الصحيفة أو تلك مما حصل، وتم التركيز على ما تنشره وكالات الأنباء وما تبثه بعض التلفزيونات الأجنبية. ويعود ذلك الى أن محاولة الانقلاب حصلت في تركيا في ساعة متأخرة نسبياً بالتوقيت المحلي حيث تمت طباعة جلّ الصحف التي عملت على تدارك ذلك من خلال مواقعها الإلكترونية التي اكتفت بالمتابعة الإخبارية لما حصل.
وكان الاستثناء في التغطية الإعلامية لمحاولة الانقلاب التركية للإذاعات التونسية التي قامت بالمتابعة الفورية لما يحصل واتصلت بمحللين سياسيين وإعلاميين في تركيا ومن بلدان أخرى محاولة إبراز تداعيات ما يحصل في تركيا على المنطقة ككلّ.
أما القنوات التلفزيونية التونسية الرسمية والخاصة، فكانت "نائمة في العسل"، ولم تولِ الخبر الكثير من الاهتمام ما عدا قناتي "الزيتونة" و"تي آن آن" القريبتين من التيار الإسلامي في تونسي، واللتين حاولتا متابعة ما يحصل في تركيا ورفضتا محاولة الانقلاب الفاشلة.

*(شارك في التغطية لبنى سالم، القاهرة ــ أحمد عزب، سعيد عبدالرحيم ونادين ثابت، تونس ــ محمد معمري، الرياض ــ خالد الشايع، عمّان، بيروت ــ العربي الجديد)

المساهمون