لم يميّز والدا إقبال دوغان بينها وبين أشقّائها. "بلى فعلا. دلّلاني كثيراً"، تقول. غمراها بالعاطفة، وكان لها ما أرادت. "محاميّة قدّ الدنيا". في الفترة التي تخرّجت فيها من جامعة بيروت العربيّة، كان هذا التعبير سائداً. إلّا أنّ المحاماة بالنسبة إليها كانت "وسيلة للمطالبة بالحقّ". منذ طفولتها رفضت الظلم. لم تكن تتردّد في الدخول في جدال مع أهلها أو الآخرين.
ورغم أنه كانت للأب في ذلك الوقت سلطة يهابها الأولاد، يُفترض أن تكون سلطة والدها أكبر، إذ كان رجل دين "لكني لم أضع الحجاب. فلا إكراه في الدين". هذا لا يعني أنّه لم يطلب منها ذلك، لكنّ أسلوبه كان ودوداً، وقد وقف أشقاؤها إلى جانبها. تروي: "في الصباح، وهو يستعدّ للصلاة، كان يطلب مني الصلاة. أردّ أنّني أشعر بالبرد، فيجلب لي المياه الساخنة". ولكثرة ما كانت تدافع عن الحق، كان والداها يقولان إنّ "إقبال لن تكون إلّا محامية". ورسخ الأمر في ذهنها وصارت "أستاذة".
هي لا تعرّف عن نفسها بـ "الأستاذة". وهذا قليل أصلاً. هي ناشطة من أجل حقوق الإنسان وحقوق المرأة. اختارت المحاماة للدفاع عن النساء والأطفال... والرجال، وباتت اليوم رئيسة "المجلس النسائي اللبناني". تقول إنّ "جميع الناس مظلومون في نظامنا الطائفي والمذهبي". تضيف أنّ "المرأة نصف البلد، وتربّي نصفه الثاني. بالتالي، في حال لم تحصل على حقوقها كمواطنة، ومنعت من الوصول إلى مواقع القرار، سيخسر البلد كثيراً".
تؤمن دوغان بالمساواة وليس التكامل. "المساواة في الحقوق والواجبات. والفروقات الأخرى
هي مجرّد أدوار بيولوجية. لكن لا فرق في العقل والفكر". ما عاشته في طفولتها كان له التأثير الأكبر عليها وعلى مسارها. لم يمانع أهلها بانخراطها في حركة القوميّين العرب منذ كانت في الثالثة عشرة من عمرها. أمّا هي، فلم تُخطِئ في مفاهيم ذلك الزمن. لم تخرج مثلاً برفقة شاب، إذ أصرّت على الحفاظ على ثقة أهلها فيها. كانت توزّع المناشير وتساهم في تنظيم الندوات والرحلات وغيرها. وتزوجت من رجل أحبّته. برأيها، "الزواج هو القرار الأصعب في الحياة، ويجب أن تكون المرأة متأكدة مائة في المائة. هذا لن يؤثّر على حياتها فقط، بل على حياة آخرين أيضاً".
بعد تخرّجها من الجامعة وزواجها، عملت في مجال التعليم وتفرّغ زوجها لتأسيس مكتب محاماة. لكنّ بعد مرور ستّ سنوات، لم تتمكّن من التخلي عن حلمها أكثر، فبدأت بالتدرّج في مكتب زوجها. خلال عملها، ركّزت على حقوق النساء. عملت مع منظمة "كفى عنف واستغلال" على مدى سنوات، ومع حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي". وفي عام 1994، أسّست "رابطة المرأة العاملة"، وساهمت وأخريات في تعديل قانون العمل وتحقيق المساواة بين الجنسين في أماكن العمل، ومنع طرد المرأة الحامل من وظيفتها وزيادة فترة إجازة الأمومة والموافقة على استفادة الأطفال من الضمان الاجتماعي في حال كانت الأم وحدها المضمونة. حين تُخبرها امرأة، مثلاً، أنّها تمكنت من ضمان طفلها، تفرح كثيراً. "أترين، لا أريد أكثر من ذلك".
اقــرأ أيضاً
وكان رفع سن الأطفال في حضانة الأم أحد إنجازاتها، وإن لم يشمل جميع المذاهب في لبنان. خلال أحد البرامج التلفزيونيّة التي كانت تقدمّها بهدف توعية النساء حول حقوقهن، كانت تتلقّى الكثير من الاتصالات من نساء يعانين من هذه المشكلة. فشكّلت مع جمعيات أخرى "شبكة حقوق الأسرة"، وأعدّت وناشطات مشروع قانون وأسباب موجبة. بدأن العمل في عام 1995، ولم يرفع سن الحضانة لدى الطائفة السنية لدى الصبي والبنت إلى 12 عاماً حتى عام 2014، وإلى 12 عاماً للصبي و13 عاماً للبنت لدى الطائفة الإنجيلية، و14 عاماً للصبي و15 عاماً للبنت لدى طائفة الروم الكاثوليك.
ما زال السعي مستمراً إلى تحقيق الأمر عينه لدى الطوائف الأخرى. وتلفت إلى أنّ رفع سن الحضانة بات قريباً لدى الطائفة الكاثوليكية، إلّا أنّ المشكلة ما زالت قائمة لدى الطائفة الشيعية التي ترفض الأمر بحجة أنه على المرأة الزواج. "نقول لهم إنّ الأمهات مستعدّات للتخلّي عن كل شيء من أجل حضانة أطفالهن. ماذا يريدون أكثر؟".
وإن كانت وغيرها يناضلن من أجل الكوتا النسائيّة منذ العام 1995، إلّا أنّها لم تتحقق بعد. "حين يكبر أطفال اليوم، سيسألون أمهاتهم عن الأمر. وقد يحاسبونهن لأنهن كنّ سلبيات، ولم يفعلن ما هو لازم من أجلهم". تلفت إلى أنّ عدد النساء في لبنان يفوق عدد الرجال. مع ذلك، لا يتجاوز تمثيلهن في مجلس النواب الثلاثة في المائة "كيف أقبل أن يكون لبنان متأخّراً عن الدول العربيّة؟".
ترى دوغان أنّ المرأة تغيّرت، وباتت تطالب بحقوقها، إلّا أن الرجل لم يتغير "ما زال يريدها تابعة وليست شريكة". ورغم السنوات الطويلة، ما زالت تؤمن بأنّه لا يموت حق وراءه مطالب. ترفض أن تكون نسوية "لست ضد الرجال"، وتدعو النساء إلى تحضير الطبخة باكراً والنزول إلى الشارع اليوم، للمطالبة بحقوقهن.
اقــرأ أيضاً
ورغم أنه كانت للأب في ذلك الوقت سلطة يهابها الأولاد، يُفترض أن تكون سلطة والدها أكبر، إذ كان رجل دين "لكني لم أضع الحجاب. فلا إكراه في الدين". هذا لا يعني أنّه لم يطلب منها ذلك، لكنّ أسلوبه كان ودوداً، وقد وقف أشقاؤها إلى جانبها. تروي: "في الصباح، وهو يستعدّ للصلاة، كان يطلب مني الصلاة. أردّ أنّني أشعر بالبرد، فيجلب لي المياه الساخنة". ولكثرة ما كانت تدافع عن الحق، كان والداها يقولان إنّ "إقبال لن تكون إلّا محامية". ورسخ الأمر في ذهنها وصارت "أستاذة".
هي لا تعرّف عن نفسها بـ "الأستاذة". وهذا قليل أصلاً. هي ناشطة من أجل حقوق الإنسان وحقوق المرأة. اختارت المحاماة للدفاع عن النساء والأطفال... والرجال، وباتت اليوم رئيسة "المجلس النسائي اللبناني". تقول إنّ "جميع الناس مظلومون في نظامنا الطائفي والمذهبي". تضيف أنّ "المرأة نصف البلد، وتربّي نصفه الثاني. بالتالي، في حال لم تحصل على حقوقها كمواطنة، ومنعت من الوصول إلى مواقع القرار، سيخسر البلد كثيراً".
تؤمن دوغان بالمساواة وليس التكامل. "المساواة في الحقوق والواجبات. والفروقات الأخرى
هي مجرّد أدوار بيولوجية. لكن لا فرق في العقل والفكر". ما عاشته في طفولتها كان له التأثير الأكبر عليها وعلى مسارها. لم يمانع أهلها بانخراطها في حركة القوميّين العرب منذ كانت في الثالثة عشرة من عمرها. أمّا هي، فلم تُخطِئ في مفاهيم ذلك الزمن. لم تخرج مثلاً برفقة شاب، إذ أصرّت على الحفاظ على ثقة أهلها فيها. كانت توزّع المناشير وتساهم في تنظيم الندوات والرحلات وغيرها. وتزوجت من رجل أحبّته. برأيها، "الزواج هو القرار الأصعب في الحياة، ويجب أن تكون المرأة متأكدة مائة في المائة. هذا لن يؤثّر على حياتها فقط، بل على حياة آخرين أيضاً".
بعد تخرّجها من الجامعة وزواجها، عملت في مجال التعليم وتفرّغ زوجها لتأسيس مكتب محاماة. لكنّ بعد مرور ستّ سنوات، لم تتمكّن من التخلي عن حلمها أكثر، فبدأت بالتدرّج في مكتب زوجها. خلال عملها، ركّزت على حقوق النساء. عملت مع منظمة "كفى عنف واستغلال" على مدى سنوات، ومع حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي". وفي عام 1994، أسّست "رابطة المرأة العاملة"، وساهمت وأخريات في تعديل قانون العمل وتحقيق المساواة بين الجنسين في أماكن العمل، ومنع طرد المرأة الحامل من وظيفتها وزيادة فترة إجازة الأمومة والموافقة على استفادة الأطفال من الضمان الاجتماعي في حال كانت الأم وحدها المضمونة. حين تُخبرها امرأة، مثلاً، أنّها تمكنت من ضمان طفلها، تفرح كثيراً. "أترين، لا أريد أكثر من ذلك".
وكان رفع سن الأطفال في حضانة الأم أحد إنجازاتها، وإن لم يشمل جميع المذاهب في لبنان. خلال أحد البرامج التلفزيونيّة التي كانت تقدمّها بهدف توعية النساء حول حقوقهن، كانت تتلقّى الكثير من الاتصالات من نساء يعانين من هذه المشكلة. فشكّلت مع جمعيات أخرى "شبكة حقوق الأسرة"، وأعدّت وناشطات مشروع قانون وأسباب موجبة. بدأن العمل في عام 1995، ولم يرفع سن الحضانة لدى الطائفة السنية لدى الصبي والبنت إلى 12 عاماً حتى عام 2014، وإلى 12 عاماً للصبي و13 عاماً للبنت لدى الطائفة الإنجيلية، و14 عاماً للصبي و15 عاماً للبنت لدى طائفة الروم الكاثوليك.
ما زال السعي مستمراً إلى تحقيق الأمر عينه لدى الطوائف الأخرى. وتلفت إلى أنّ رفع سن الحضانة بات قريباً لدى الطائفة الكاثوليكية، إلّا أنّ المشكلة ما زالت قائمة لدى الطائفة الشيعية التي ترفض الأمر بحجة أنه على المرأة الزواج. "نقول لهم إنّ الأمهات مستعدّات للتخلّي عن كل شيء من أجل حضانة أطفالهن. ماذا يريدون أكثر؟".
وإن كانت وغيرها يناضلن من أجل الكوتا النسائيّة منذ العام 1995، إلّا أنّها لم تتحقق بعد. "حين يكبر أطفال اليوم، سيسألون أمهاتهم عن الأمر. وقد يحاسبونهن لأنهن كنّ سلبيات، ولم يفعلن ما هو لازم من أجلهم". تلفت إلى أنّ عدد النساء في لبنان يفوق عدد الرجال. مع ذلك، لا يتجاوز تمثيلهن في مجلس النواب الثلاثة في المائة "كيف أقبل أن يكون لبنان متأخّراً عن الدول العربيّة؟".
ترى دوغان أنّ المرأة تغيّرت، وباتت تطالب بحقوقها، إلّا أن الرجل لم يتغير "ما زال يريدها تابعة وليست شريكة". ورغم السنوات الطويلة، ما زالت تؤمن بأنّه لا يموت حق وراءه مطالب. ترفض أن تكون نسوية "لست ضد الرجال"، وتدعو النساء إلى تحضير الطبخة باكراً والنزول إلى الشارع اليوم، للمطالبة بحقوقهن.