منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، تحوّل الإعلام الرسمي السوري، إلى مجرد استطالة باهتة للماكينة العسكريّة والأمنيّة للنظام.
والواقع أنّ هذا حاله قبل هذا التاريخ، لكنّ الأمر بات أكثر تركيزًا بعد اندلاع الثورة، التي استدعت من النظام تسخير كل الوسائل، بما فيها الإعلام لنكرانها بدايةً، ثم محاولة طمس معالمها وتشويهها، وصولاً إلى محاولة تسويق، وربما الأدق، فرض رواية النظام لما يجري وحجب ما عداها.
ولأن الوقائع غالبًا ما تكون صلبة ويصعب دحضها ونكرانها، فقد دأب هذا الإعلام على محاولة الالتفاف عليها، وتشويهها، بل وقلبها تمامًا. وبهذه العقلية، تتحول الهزائم إلى انتصارات، والجرائم إلى بطولات، وتفقد الكلمات مدلولاتها، حين يتم المواظبة على استخدامها في غير مكانها المناسب.
واكب إعلام النظام الحكاية منذ البداية، وكان من أدواتها الرئيسيّة، بل كثيرًا ما اتّهم بأنّه من الأسباب المباشرة لتأجيج الاحتجاجات ضد النظام، بسبب نكرانه للوقائع، أو الافتراء عليها. ومنذ اشتعال احتجاجات محافظة درعا في الشهر الثالث من العام 2011 كان هذا الإعلام أداة النظام في ترويج الأكاذيب، فادعى وجود أسلحة ومسلّحين في الجامع العمري لتبرير اقتحامه وقتل بعض المعتصمين بداخله، من دون أن يقدّم حتى اللحظة أية رواية عن سبب اندلاع الاحتجاجات، باستثناء حديث ممجوج عن مؤامرة خارجية ومندسين ومسلحين.
ومع توسّع الاحتجاجات السلميّة لتشمل عموم المدن السورية، واظب هذا الإعلام على نكرانها، قبل أن يضطر بعد أشهر إلى الاعتراف بوجود "أعداد محدودة" من المتظاهرين "المغرر بهم" بحسب ما قال، متجاهلاً الصور التي تبثها المحطات التلفزيونية العربية التي يسميها "مغرضة"، وتبيّن خروج آلاف وعشرات الآلاف من المتظاهرين خاصةً أيام الجمع في مجمل المحافظات. ووصل به الإنكار إلى حدّ القول أنّ تلك المظاهرات مُصنّعة في الخارج، وجرى تصويرها في الدوحة بمجسمات كرتونية أو ما شابه. أو أنها حدثت في أمكنة أخرى خارج سورية، مع استضافة أشخاص يحاولون إثبات ذلك. بل إن رئيس النظام السوري بشار الأسد، تحدث آنذاك بشكل مسهب بهذا الشكل، و"عن حركة الكاميرا التي تجعل المظاهرة المحدودة تبدو كبيرة".
واصل هذا الإعلام حالة الإنكار لكل ما يجري. وحتى عندما انتقلت الثورة للعمل المسلح، لم يعدّل في روايته، إلا ليُضيف إليها أنّ "الجهات المختصة" قتلت أعدادًا من "الإرهابيين" في هذا المكان أو ذاك. وواظب الإعلام على هذا الأداء، حتى عندما صارت قوات المعارضة على مقربة من دمشق، وهددت بدخولها مع منتصف العام 2012. وبينما كانت أصوات القصف تسمع من مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، كانت برامج التلفزيون مشغولة ببرامج الطبخ وعلم الفلك، في مشهد مكرر لسقوط بغداد عام 2003 حين كان تلفزيون النظام يبث صورًا عن تزاوج الحيتان.
اقرأ أيضاً: سورية: خمس سنوات من القتل والتدمير والاعتقال بالأرقام
ولعلّ الصورة التي لا تمحى من الذهن هي تلفزيون النظام وهو يتلو على مشاهديه إنجازات الجيش في محافظة الرقة في تاريخ الخامس من مارس/آذار عام 2013، وتمكّنه من قتل عدد كبير من "الإرهابيين" وتدمير معداتهم، بينما كان مسلحو المعارضة قد استولوا على المدينة كلّها، واعتقلوا محافظها وأمين فرع حزب البعث فيها.
وتتكرر الصورة مع سقوط مدينة إدلب بيد الثوار قبل عام، حين سادت حالة من الإنكار في وسائل إعلام النظام، لسقوط المدينة، استمرت لبعض الوقت، قبل أن يتحول الحديث عن "انسحاب تكتيكي" تتخلله استعدادات كبيرة لاستعادتها خلال ساعات، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتكرر الأمر أيضًا مع سقوط جسر الشغور، وعملية محاصرة جنود النظام في مشفى المدينة، حيث دأبت وسائل إعلام النظام على بثّ تغطيات مطولة عن صمود المحاصرين داخل المستشفى، بينما يردد مذيعو التلفزيون عبارات مثل "لن تسقط مستشفى جسر الشغور، ولن يستسلم بواسل جيشنا المغوار"، وأيضاً تحدثوا عن عملية كبيرة تجري لفك حصارهم، يشرف عليها رئيس النظام بشار الأسد، بينما كان المحاصرون يعانون أشد المعاناة بسبب نقص الذخيرة والطعام وكثرة الإصابات في صفوفهم، وسط سريان شائعات عن نفق يحفره مسلحو المعارضة أسفل المستشفى لتفجيره بمن فيه، ما اضطرهم للهروب الاعتباطي، فقتل منهم من قتل وأسر من أسر، ولم ينجُ إلا أعداد قليلة.
وفور إعلان مصادر النظام عن انسحاب ناجح للمحاصرين، بتغطية من الطيران الحربي، واجه الموالون للنظام هذا الإعلان بسخط شديد، وتهافتوا بالشتائم على إعلام النظام الذي وصفوه على غرار ما تصفه المعارضة بالكاذب، مشيرين إلى أن الإعلام السوري لم يستطع إظهار صورة واحدة للقوات المنسحبة، وأنّ جميع الصور المتداولة هي من مصادر "الإرهابيين" فكيف لمن يعجز عن التقاط صورة، أن ينجح في تأمين المنسحبين، وإيصالهم إلى بر الأمان.
وبعد خسارته مدينة إدلب، وسيطرة حالة من التذمر في أوساط الموالين للنظام، حاولت بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام خلق انتصارات وهمية لرفع المعنويات مستغلة انقطاع التيار الكهربائي في تركيا لمدة يوم واحد نهاية الشهر الثالث من العام الماضي، فادعت أن هذا الانقطاع ناتج من قيام جيش النظام السوري بقصف محطات الطاقة وتوليد الكهرباء في مدينة غازي عنتاب التركية.
وأيضًا، لم يجد هذا الإعلام بديلاً من الكذب المفضوح لتبرير ما يصيب قوات النظام من انتكاسات. وبعد تفجير مبنى المخابرات الجوية، أحد أبرز معاقل قوات النظام في مدينة حلب بأطنان من المتفجرات مما أدى لتدميره بمن فيه، اعترف إعلام النظام بقوة الانفجار، لكنه قال إنه ناتج من زلزال بقوة 3 درجات على مقياس ريختر سجل في المدينة. لكن الكذبة سرعان ما انكشفت بعد أن بثت فصائل المعارضة تسجيلا يصور عملية التفجير بأكثر من زاوية شاهده كل أهالي حلب.
ولا يمكن طبعا في هذه العجالة رصد كل ما يرد في إعلام النظام من "تغطيات" شاذة لا تمت كثيرا للعمل الإعلامي، وهي لا تخلو أحيانا من طرائف مثل النصائح التي يقدمها هذا الإعلام للمواطنين باستغلال وقتهم خلال الانتظار على الحواجز الأمنية التي تقطع أوصال المدن، بالقراءة والمطالعة، لكن لا بد في الوقت عينه من الإشارة إلى أنّ ما يسمى بالإعلام البديل، أي إعلام الثورة، يقع هو الآخر في الكثير من المطبات المهنيّة والمسلكيّة.
اقرأ أيضاً: خمس سنوات على الأزمة السورية.. لا مكان للأطفال
ولأن الوقائع غالبًا ما تكون صلبة ويصعب دحضها ونكرانها، فقد دأب هذا الإعلام على محاولة الالتفاف عليها، وتشويهها، بل وقلبها تمامًا. وبهذه العقلية، تتحول الهزائم إلى انتصارات، والجرائم إلى بطولات، وتفقد الكلمات مدلولاتها، حين يتم المواظبة على استخدامها في غير مكانها المناسب.
واكب إعلام النظام الحكاية منذ البداية، وكان من أدواتها الرئيسيّة، بل كثيرًا ما اتّهم بأنّه من الأسباب المباشرة لتأجيج الاحتجاجات ضد النظام، بسبب نكرانه للوقائع، أو الافتراء عليها. ومنذ اشتعال احتجاجات محافظة درعا في الشهر الثالث من العام 2011 كان هذا الإعلام أداة النظام في ترويج الأكاذيب، فادعى وجود أسلحة ومسلّحين في الجامع العمري لتبرير اقتحامه وقتل بعض المعتصمين بداخله، من دون أن يقدّم حتى اللحظة أية رواية عن سبب اندلاع الاحتجاجات، باستثناء حديث ممجوج عن مؤامرة خارجية ومندسين ومسلحين.
ومع توسّع الاحتجاجات السلميّة لتشمل عموم المدن السورية، واظب هذا الإعلام على نكرانها، قبل أن يضطر بعد أشهر إلى الاعتراف بوجود "أعداد محدودة" من المتظاهرين "المغرر بهم" بحسب ما قال، متجاهلاً الصور التي تبثها المحطات التلفزيونية العربية التي يسميها "مغرضة"، وتبيّن خروج آلاف وعشرات الآلاف من المتظاهرين خاصةً أيام الجمع في مجمل المحافظات. ووصل به الإنكار إلى حدّ القول أنّ تلك المظاهرات مُصنّعة في الخارج، وجرى تصويرها في الدوحة بمجسمات كرتونية أو ما شابه. أو أنها حدثت في أمكنة أخرى خارج سورية، مع استضافة أشخاص يحاولون إثبات ذلك. بل إن رئيس النظام السوري بشار الأسد، تحدث آنذاك بشكل مسهب بهذا الشكل، و"عن حركة الكاميرا التي تجعل المظاهرة المحدودة تبدو كبيرة".
واصل هذا الإعلام حالة الإنكار لكل ما يجري. وحتى عندما انتقلت الثورة للعمل المسلح، لم يعدّل في روايته، إلا ليُضيف إليها أنّ "الجهات المختصة" قتلت أعدادًا من "الإرهابيين" في هذا المكان أو ذاك. وواظب الإعلام على هذا الأداء، حتى عندما صارت قوات المعارضة على مقربة من دمشق، وهددت بدخولها مع منتصف العام 2012. وبينما كانت أصوات القصف تسمع من مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، كانت برامج التلفزيون مشغولة ببرامج الطبخ وعلم الفلك، في مشهد مكرر لسقوط بغداد عام 2003 حين كان تلفزيون النظام يبث صورًا عن تزاوج الحيتان.
اقرأ أيضاً: سورية: خمس سنوات من القتل والتدمير والاعتقال بالأرقام
ولعلّ الصورة التي لا تمحى من الذهن هي تلفزيون النظام وهو يتلو على مشاهديه إنجازات الجيش في محافظة الرقة في تاريخ الخامس من مارس/آذار عام 2013، وتمكّنه من قتل عدد كبير من "الإرهابيين" وتدمير معداتهم، بينما كان مسلحو المعارضة قد استولوا على المدينة كلّها، واعتقلوا محافظها وأمين فرع حزب البعث فيها.
وتتكرر الصورة مع سقوط مدينة إدلب بيد الثوار قبل عام، حين سادت حالة من الإنكار في وسائل إعلام النظام، لسقوط المدينة، استمرت لبعض الوقت، قبل أن يتحول الحديث عن "انسحاب تكتيكي" تتخلله استعدادات كبيرة لاستعادتها خلال ساعات، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وتكرر الأمر أيضًا مع سقوط جسر الشغور، وعملية محاصرة جنود النظام في مشفى المدينة، حيث دأبت وسائل إعلام النظام على بثّ تغطيات مطولة عن صمود المحاصرين داخل المستشفى، بينما يردد مذيعو التلفزيون عبارات مثل "لن تسقط مستشفى جسر الشغور، ولن يستسلم بواسل جيشنا المغوار"، وأيضاً تحدثوا عن عملية كبيرة تجري لفك حصارهم، يشرف عليها رئيس النظام بشار الأسد، بينما كان المحاصرون يعانون أشد المعاناة بسبب نقص الذخيرة والطعام وكثرة الإصابات في صفوفهم، وسط سريان شائعات عن نفق يحفره مسلحو المعارضة أسفل المستشفى لتفجيره بمن فيه، ما اضطرهم للهروب الاعتباطي، فقتل منهم من قتل وأسر من أسر، ولم ينجُ إلا أعداد قليلة.
وفور إعلان مصادر النظام عن انسحاب ناجح للمحاصرين، بتغطية من الطيران الحربي، واجه الموالون للنظام هذا الإعلان بسخط شديد، وتهافتوا بالشتائم على إعلام النظام الذي وصفوه على غرار ما تصفه المعارضة بالكاذب، مشيرين إلى أن الإعلام السوري لم يستطع إظهار صورة واحدة للقوات المنسحبة، وأنّ جميع الصور المتداولة هي من مصادر "الإرهابيين" فكيف لمن يعجز عن التقاط صورة، أن ينجح في تأمين المنسحبين، وإيصالهم إلى بر الأمان.
وبعد خسارته مدينة إدلب، وسيطرة حالة من التذمر في أوساط الموالين للنظام، حاولت بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام خلق انتصارات وهمية لرفع المعنويات مستغلة انقطاع التيار الكهربائي في تركيا لمدة يوم واحد نهاية الشهر الثالث من العام الماضي، فادعت أن هذا الانقطاع ناتج من قيام جيش النظام السوري بقصف محطات الطاقة وتوليد الكهرباء في مدينة غازي عنتاب التركية.
وأيضًا، لم يجد هذا الإعلام بديلاً من الكذب المفضوح لتبرير ما يصيب قوات النظام من انتكاسات. وبعد تفجير مبنى المخابرات الجوية، أحد أبرز معاقل قوات النظام في مدينة حلب بأطنان من المتفجرات مما أدى لتدميره بمن فيه، اعترف إعلام النظام بقوة الانفجار، لكنه قال إنه ناتج من زلزال بقوة 3 درجات على مقياس ريختر سجل في المدينة. لكن الكذبة سرعان ما انكشفت بعد أن بثت فصائل المعارضة تسجيلا يصور عملية التفجير بأكثر من زاوية شاهده كل أهالي حلب.
ولا يمكن طبعا في هذه العجالة رصد كل ما يرد في إعلام النظام من "تغطيات" شاذة لا تمت كثيرا للعمل الإعلامي، وهي لا تخلو أحيانا من طرائف مثل النصائح التي يقدمها هذا الإعلام للمواطنين باستغلال وقتهم خلال الانتظار على الحواجز الأمنية التي تقطع أوصال المدن، بالقراءة والمطالعة، لكن لا بد في الوقت عينه من الإشارة إلى أنّ ما يسمى بالإعلام البديل، أي إعلام الثورة، يقع هو الآخر في الكثير من المطبات المهنيّة والمسلكيّة.
اقرأ أيضاً: خمس سنوات على الأزمة السورية.. لا مكان للأطفال