ولكن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، أوضح بشكل جلي أن هذا الملف سيجد طريقه إلى الحل بناءً على التفهم التركي للوضع التونسي، معبراً عن امتنانه لنظيره التركي بشأن هذا الموضوع، كما تفترض الصداقة، بحسب تعبيره.
وعبر الرئيس التونسي عن ارتياحه للتقارب الواضح بين البلدين في أكثر من ملف، مؤكداً أنه سيقوم بزيارة مماثلة إلى تركيا، ما يعكس رفع اللبس عن أكثر من موضوع ورغبة واضحة في الرفع من مستوى التعاون، وليس التراجع عنه كما تدعو بعض الأحزاب.
أردوغان كان واضحاً في دعم بلاده للتجربة الديمقراطية التونسية "الملهمة للمنطقة"، على حد وصفه، مؤكداً أن المسؤولين في البلدين سيبحثون كل ما من شأنه أن يحقق التوازن المنتظر، ودعم التجربة التونسية في حربها على الإرهاب وتحقيق النمو الاقتصادي.
ووقع الطرفان اتفاقيات مالية وعسكرية، تمثل أولوية تونسية عاجلة، بالإضافة إلى التأكيد على تطابق وجهات النظر في أكثر من ملف دولي، أهمها القدس وليبيا.
وشدد أردوغان على دعم السبسي في ما يتعلق بليبيا، في إشارة واضحة إلى مبادرته بخصوص الحل القائم على رفض الخيار العسكري، داخليا وخارجيا، وجمع الفرقاء على أساس اتفاق الصخيرات وتطويره إلى خطوات ملموسة تقود إلى اتفاق نهائي بخصوص المرحلة الانتقالية.
ويأتي الدعم التركي مع تصاعد الدعوات الليبية والإقليمية التي عادت للحديث عن حسم عسكري ممكن، لم يثبت جدواه طيلة سبع سنوات من الصراع، وأكد أردوغان تفهمه لارتباط الاستقرار التونسي بالاستقرار في ليبيا.
وتبدو هذه الملفات جميعها من القضايا الملحة التي تشغل تونس، وتبحث لها عن تأييد ودعم دولي وإقليمي، وبدا التفهم التركي بمثابة الرافعة لمستوى العلاقة بين البلدين إلى درجة التشارك، دعمه تقاربهما الواضح بشأن قضية الساعة، القدس.
وكان الموقف التونسي قوياً جداً بهذا الخصوص، شعبياً ورسمياً وحزبياً، حيث استدعى الرئيس التونسي السفير الأميركي للاحتجاج على قرار إدارة بلاده بنقل السفارة إلى القدس، وتحركت تونس بكثافة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويستعد برلمانها في خطوة كبيرة لمناقشة قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى التحركات الشعبية التي لم تتوقف.
أردوغان قال إنه والرئيس السبسي يعتبران "القدس خطاً أحمر بالنسبة إلينا"، مشيراً إلى أنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلانها عاصمة لإسرائيل هو "قرار غير قانوني"، مؤكداً أنّه "لا يمكن لإسرائيل تحدّي الإرادة الدولية"، بعد رفض الجمعية العامة في الأمم المتحدة بالأغلبية قرار ترامب.
وقال أردوغان إن "إسرائيل تطبل وتغني وحدها ولا يمكن أن تعتمد فقط على عشر دول في العالم"، وأن "الخطوة المقبلة هي العمل على حمل المجتمع الدولي على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما يمكن أن تسهم فيه تونس وتركيا بشكل كبير".
واعتبر أردوغان أن دولة واحدة في مجلس الأمن، الولايات المتحدة، تقف ضد كل دول العالم وضد الإرادة الدولية، مؤكدا أنه حان الوقت لتغيير هذا الوضع، قائلا "علينا أن نوحد أصواتنا لتغيير شروط العضوية الدائمة في المجلس"، متسائلا "لماذا لا تكون تونس أو تركيا عضوا في مجلس الأمن… وعلينا أن نرفع صوتنا بهذا الحق".
ولا يمكن عزل زيارة الرئيس التركي عن الضغوط التي تتعرض لها تونس حاليا بشأن مواقفها بخصوص هذه القضايا، وخلافها مع الإمارات أيضا، حيث تعالت أصوات إماراتية تعتبر أن تونس هي الخاسر من إيقاف الرحلات إلى تونس بعد الأزمة التي اندلعت بسبب حظر سفر المواطنات التونسيات، وأن لذلك تأثيرات على الاستثمار بهذا البلد، بالإضافة إلى أن ما بدا من تفاهم بين الرئيسين قد يسحب البساط من تحت بعض الأحزاب التونسية التي ترى في تركيا داعماً لحركة النهضة المنافسة، في سياق خلافات إيديولوجية لم تتخلص منها الساحة التونسية إلى الآن.
وجاءت زيارة الرئيس التركي إلى تونس قصيرة جداً، فقد وصل إلى العاصمة التونسية في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء، وألغيت زيارته إلى البرلمان التونسي لأسباب أمنية، في ما يبدو، على أن يلتقي برئيسه محمد الناصر وأعضاء من البرلمان في قصر الرئاسة، بالإضافة إلى ملاحظات بروتوكولية تتعلق بطريقة استقباله لا نعرف مدى تأثيرها على نتيجة الزيارة ككل.