الانتخابات التونسية: أحكام قضائية لإقصاء منافسي سعيّد

07 اغسطس 2024
عبد اللطيف المكي في العاصمة التونسية، إبريل 2020 (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تصاعد المحاكمات السياسية والملاحقات القضائية**: مع اقتراب الانتخابات التونسية، شهدت البلاد تصاعداً في المحاكمات السياسية، حيث واجه بعض المرشحين صعوبات في استخراج الوثائق الإدارية اللازمة، وأثارت الأحكام الصادرة جدلاً واسعاً.

- **انتقادات واسعة للسلطة التنفيذية والقضائية**: جبهة الخلاص الوطني نددت بالهيمنة التنفيذية على القضاء، واعتبرت الأحكام قاسية وغير قابلة للتطبيق على الانتخابات الرئاسية، مما يعكس استبداد النظام.

- **انتخابات شكلية وغير ديمقراطية**: حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني انتقدتا التضييقات على المرشحين وقررتا مقاطعة الانتخابات، معتبرتين أنها تفتقر إلى المعايير الديمقراطية وتستخدم لإقصاء المنافسين.

لم يخلُ السباق إلى الرئاسة في تونس من عقبات وصعوبات ميدانية وسياسية، لكن وتيرة المحاكمات السياسية والملاحقات القضائية تصاعدت مع اقتراب استحقاق الانتخابات التونسية المقرر في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ولئن تجاوز بعض المرشحين عقبة التزكيات بجمع 10 آلاف تزكية، إلا أن استخراج بعض الوثائق الإدارية كالبطاقة عدد 3 الخاصة بالسوابق العدلية لم يكن متاحاً لبعض المعارضين. وقد عرفت وتيرة التصعيد أوجها أمس الأول الاثنين، أي قبل يوم واحد من غلق باب الترشّحات أمس الثلاثاء، لتثير الأحكام الصادرة في ما يُعرف بقضية افتعال التزكيات جدلاً واسعاً.

وقضت الدائرة الجناحية بالسجن مدة ثمانية أشهر في حق كل من رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والناشط نزار الشعري، ومحمد عادل الدو، مع الحرمان من الترشّح مدى الحياة، وذلك على ذمة القضية المتعلقة بافتعال التزكيات الخاصة باستحقاق الانتخابات التونسية الرئاسية وتقديم عطايا بقصد التأثير على الناخب. وقضت هيئة الدائرة بالسجن لنفس المدة، أي ثمانية أشهر مع النفاذ العاجل، في حق المرشحين المحتملين مراد المسعودي وليلى الهمامي باعتبارهما محالين بحالة فرار.

وسام الصغير: المسألة تتحدث عن نفسها بنفسها، إذ أصبحنا رسمياً في نظام استبدادي

وصدر مساء الاثنين الماضي كذلك حكم جديد يقضي بالسجن لمدة سنتين ضد رئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي، وذلك على خلفية شكوى تقدمت بها ضدها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبب تصريح إعلامي أدلت به أوائل سنة 2023 حول أداء الهيئة. وكان قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية قد أصدر في 19 يوليو/تموز الماضي بطاقة إيداع بالسجن ضد الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، مع الحرمان من الترشّح مدى الحياة، من أجل جريمة "تكوين وفاق (جمعية) قصد غسل الأموال وتهريب مكاسب للخارج، والتعامل بين مقيم وغير مقيم".

وجرت إحالة الوزير الأسبق في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، منذر الزنايدي على دائرة الاتهام بالمحكمة الابتدائية، على خلفية شبهة فساد مالي، في قضية تعود لسنة 2011 في علاقة بتقرير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد لسنة 2011، وذلك بعد أسبوع من تعبيره عن نيته الترشّح للانتخابات الرئاسية. وفي بيان نشره الفريق القانوني للزنايدي، جاء فيه أنه لا بد من مصارحة التونسيين وكشف حجم التجاوزات الخطيرة والتاريخية الذي وصلت إليها إدارة الرئيس قيس سعيّد لمنعه من الترشّح للانتخابات التونسية رغم استيفاء كل الشروط القانونية والمدنية التي ضبطها الدستور. ولم يواجه الزنايدي وحده إشكاليات في الحصول على البطاقة عدد 3، إذ فوجئ المرشح من وراء القضبان، الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي برفض منحه البطاقة عدد 3 ووثيقة التزكيات إلى الانتخابات التونسية إلى جانب المرشح كمال العكروت.

انحراف استحقاق الانتخابات التونسية

ونددت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، في بيان، بما وصفته "الانحراف باستحقاق الانتخابات التونسية وتحويله من مناسبة لتجديد الشرعيّة والتنافس بين البرامج، إلى محطة لإقصاء المرشّحين والتنكيل بهم باستخدام مقدّرات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها". واعتبرت الجبهة أن الحكم على المكي ونزار الشعري ومحمد عادل الدّو "دليل إضافي على هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء وتوظيفه لإقصاء منافسيها استكمالا للمضايقات الأمنية والتعطيلات الإدارية، وصولاً لانتخابات شكلية لا منافسة فيها ولا أفق للتداول على السلطة". وأكدت الجبهة أن "الأحكام الصادرة تُعتبر تدحرجاً خطيراً في مسار تدجين القضاء وصل إلى حد إلغاء حق الدفاع وإنكار العدالة، حيث تمّ الحكم في ملف لم يطلع على أوراقه سوى هيئة المحكمة".

كما أشارت إلى "تحول هيئة الانتخابات التونسية من هيئة مستقلة محايدة تقف على نفس المسافة من جميع المرشحين، إلى أداة في يد السلطة التنفيذية، التي عينت رئيسها وأعضاءها، تغض الطرف عن استعمال مقدرات الدولة في الحملة في وقت يستثيرها مجرد تصريح ناقد فتسارع بملاحقة المعارضين السياسيين ومن أعربوا عن نية الترشّح فضلا عن التنبيهات اليومية على وسائل الإعلام الناقدة لممارساتها".

الأحكام القضائية قاسية

وقال المحامي نافع العريبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أحكاماً جزائية صادرة عن المحاكم، وهي وظيفة قضائية لكن الأحكام قاسية". وأوضح أن "المنع من الترشّح مدى الحياة لا يمكن تطبيقه لأن الفصل 161 جديد من القانون الانتخابي يهم الوظيفة التشريعية وليس الرئاسية"، موضحاً أنّ "الحكم الصادر (الاثنين) ضد عبد اللطيف المكي والناشط نزار الشعري جاء بناء وفق الفصل 161 في وقت إنهما مرشحان لرئاسة الجمهورية وليس لمجلس النواب".

بلقاسم حسن: لن نقبل بنتيجة هذه الانتخابات، إذ إن هناك غياباً للمساواة

من جهته، أكد المتحدث باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العنوان المناسب لما يحصل هو أن القناع سقط، وأي سرديات وتصريحات تروج وتدافع عن الحريات وحق الترشّح المضمون سقطت، ولا يوجد ما يؤكد صحة ما تصرح به السلطة التنفيذية، والمسألة تتحدث عن نفسها بنفسها، إذ أصبحنا رسمياً في نظام استبدادي". وأضاف: "من دافعوا باستماتة عن النظام وأنه يضمن الحريات لم يعد لهم أي إمكان للدفاع عن الانحرافات الحاصلة، لأنه خطر على الديمقراطية، ولأن الواقع لا يعكس الشعارات"، مشيراً إلى أنه "لم يعد هناك ما يدفع للدفاع عن مثل هذه الانحرافات، ومن يقول عكس ذلك يعني أنه انحاز لثقافة لا تؤمن بالحريات، بل بالاستبداد".

وتابع أن "إصدار أحكام سالبة للحرية والمحاكمات وتصفية المرشحين والمنع من الترشّح للانتخابات التونسية وسياسة الهروب للأمام ستكون لها آثار وخيمة مستقبلاً". وأكد الصغير أنهم "لن يصمتوا، فالانتخابات مجرد محطة من ضمن عدة محطات وستكون هناك محطات لفضح الزيف والاستبداد والنزعة نحو الدكتاتورية"، مبيناً أن "على القوى الحية المؤمنة بالديمقراطية اعتبار هذه المحطة معركة تتواصل مع محطات مستقبلية للإصلاح وتعديل هذا الواقع والمسار السوداوي".

انتخابات شكلية غير ديمقراطية

أما عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، بلقاسم حسن، فرأى في حديث، لـ"العربي الجديد"، أن تقديرهم كان منذ البداية يدافع عن الانتخابات كونها استحقاقاً، لكنهم رفضوا المشاركة في انتخابات شكلية غير ديمقراطية، أو أن يكونوا مجرد مزكّين للانقلاب ليشرّع وجوده. وأضاف أن "جل المؤشرات تؤكد غياب المعايير الدولية، وغيابها في أي انتخابات دليل على تغييب المنافسين الجديين". وتابع أن "هناك إجراءات غير قانونية، من ذلك منع وثائق إدارية كالبطاقة عدد 3 وهي حق، والتضييق على المرشحين للانتخابات التونسية في جمع التزكيات، إذ يلاحَق بعض هؤلاء وتفتك منهم وثائق الهوية، وهي تضييقات خطيرة"، مشيراً إلى أن" من يجمع تزكيات الرئيس يسمح له بذلك وهذا دليل على أن الانتخابات التونسية غير ديمقراطية".

وبيّن أن "جل المؤشرات حالياً تؤكد غياب المناخ الديمقراطي مع تواصل المحاكمات وعدم إطلاق سراح المعتقلين، ويومياً تتأكد مقولة أن الانقلاب سلطة انفرادية، وهو ما يشرع موقف المقاطعة الذي اتخذته جبهة الخلاص"، مبيناً أن التضييقات مختلفة، البعض على البطاقة عدد 3 وآخرون على التزكيات، والنتيجة واحدة وهي إقصاء المنافسين"، مضيفاً: "لن نقبل بنتيجة هذه الانتخابات، إذ إن هناك غياباً للمساواة، ومن يترشّح يصبح وكأنه مجرم بدل أن يكون استحقاق الانتخابات التونسية عرساً ديمقراطياً للشعور بالمواطنة والاعتزاز، ولكن ما يحصل غير عقلاني".

المساهمون