"المؤسسات المانحة": سوق فنية للأزمة السورية

29 نوفمبر 2017
"إنقاذ الحاضر"، عصام كرباج/ سورية
+ الخط -

يبدو الوقوف على مسألة المنح والدعم الذي يتلقاه الفنان السوري في السنوات الخمس الأخيرة، من مؤسسات عربية أو أوروبية، مسألة شديدة التعقيد، ثمة من يصفها بأنها "شرسة".

يزداد الأمر تعقيداً لدى محاولة فهم أولويات هذه المؤسسات المانحة، وآلية عملها، فلفعل ذلك على نحو دقيق يقتضي الأمر وجود خريطة لهذه الجمعيات، وموقعها من عمليات الإنتاج الثقافي، وهذا يصبح صعباً بالنظر إلى طبيعة هذه المؤسسات الفاعلة، وغياب إحصائيات أو دراسات كافية تبحث في أسس قراراتها وطرق دعمها ومعاييرها ومموّليها.

معظم المؤسسات الداعمة للمشاريع الثقافية، إن لم تكن كلها، تركز على الأعمال التي تشتغل على مواضيع معلن عنها، ممثلة بـ حقوق الإنسان، وقضايا المرأة، والديمقراطية والتسامح ودعم الفكر النقدي؛ وهذه معايير عامة تقتضي ضمنياً تقاطع الفني مع الاجتماعي- السياسي، على قدر ما في هذا التقاطع من التباسات.

السؤال الأبعد من ذلك، هو كيف يمكن لعمل فني أن يؤدي الواجب المطلوب منه وفقاً لمعايير هذه المنظمات؟ ثمة طابع فني للأعمال وثمة تطلعات لهذه المنظمات، فأين يلتقي الاثنان وكيف، وهل هذا ممكن فعلاً؟ ولماذا تطلق هذه المؤسسات دعوات مستمرة للفنانين السوريين للمشاركة ولماذا يخصّص بعضها فئات خاصة للفنانين السوريين، لماذا لا تفعل ذلك مع الفنان اليمني مثلاً؟ ما الذي يحدّد المناطق التي تعمل عليها هذه المؤسسات وتختارها؟ كيف يدخل أحد شبكة الدعم والمنح وكيف يظل آخر على حافة هذه الشبكة، وكيف يظل ثالث خارجها، ولماذا؟

كل هذه الأسئلة تقودنا إلى استنتاج مبدئي، أن عمل هذه المنظمات ليس محايداً تماماً، وهذا ليس تشخيصاً نهائياً، لكنه ما يتوصل إليه من يبحث دون جدوى عن وسائل موضوعية وحيادية للتعرف أكثر على آلية عمل هذه المؤسسات من الداخل، وسائل بحثية وإحصائية وتحليل لخطابها، وليست مجرّد تصريحات من هذا الطرف أو ذاك.

لكن كل هذه التساؤلات المشروعة، لا تنفي ضرورة وجود دعم، فالأعمال الفنية وخصوصاً المسرح حقل خسارة وليس مكاسب، وغالباً لا تغطي الأعمال المسرحية بعد عرضها والتنقل بها جزءاً من كلفتها، ومن جهة أخرى، فإن الحاجة إلى دعم لا تنفي ضرورة الوعي بنمط وآلية الإنتاج ودوافعها، لا سيما وأن معظم المضطرين لهذه الإنتاجية هم من الفنانين الشباب.

يقول المسرحي السوري عمر الجباعي لـ "العربي الجديد": "الحقيقة أن الدعم الثقافي الأوروبي مضحك، وهدفه ليس ثقافياً أبداً، فأهدافه إما تبييض أموال، أو تمرير أجندات قد تكون لا تعنينا كسوريين، لكن الأخطر أن هؤلاء الداعمين الأوروبيين يقومون بتسليع الفن، وتحويله إلى شيء استهلاكي محض، من خلال دعم فنان يقول الأشياء التي يريدونها، لن يفرضوا شيئاً بالضرورة لكنهم يسوقون لمن يحوّل القضية إلى مطية "بتجيب مصاري وبتجيب جمهور". وفي نفس الوقت تقتل روح الفن".

لكن هل ثمة فرق بين تمويل مؤسسة عربية وأخرى أجنبية؟ يجيب الجباعي "لا أظن، في نهاية الأمر كلهم يطلبون فاتورة وبضعة صور وفيديو للعرض وأن يوضع لوغو المنظمة الداعمة. في 2015، كان هناك سوق للأزمة السورية على ما يبدو، قدمتُ على أكثر من منحة فنية لإخراج مسرحية عن زوجين بعيداً عن وجود الأزمة من عدمها، لكن طلبي رفض من المؤسسات العربية والأجنبية، وقُبل من مؤسستين سوريتين تحديداً وهما "مواطنون فنانون" و"اتجاهات"، التعامل مع المؤسسات السورية ناسبني لعدة أسباب أهمها أنهم يقدرون الظروف التي نمر بها لأنها ظروفهم أيضاً، وثانياً ليس لديهم أي شروط تتعلق بالمضمون أو الشكل، لديهم شروط فنية فقط".

بالنسبة إلى المعايير: "لا بد أن هناك شِللية، وهي شرط غير معلن، وما هو "الترند" الآن، الأمر لا يرتبط فقط بالتمويل، فقد أعرض من دون تمويل وأنجح ويعرض من يحصل على التمويل وينجح لكن يظل عرضه يتنقل من مهرجان إلى آخر، والعرض الآخر ينسى في مكانه"، يوضح الجباعي: "ليس لدي وثائق تثبت كلامي، لكن هناك أسئلة من عشرات الفنانين الذين يحرمون من فرص الدعم ولا نعرف لماذا، كما أن هناك كثيرين يحصلون على الدعم من دون أن نعرف لماذا أيضاً، وربما أكون أنا واحداً منهم".

بدوره يقول المسرحي والكاتب السوري عمر بقبوق لـ "العربي الجديد" إن المؤسسات الداعمة "استطاعت من خلال توجيهها للتمويلات، أن ترسم شكل العروض الفنية السورية في المهجر، فأغلب المشاريع الفنية السورية، هي مشاريع يشرف فيها الفنانون السوريون على مجموعة من اللاجئين السوريين الهواة، بالتعاون مع مدراء ثقافيين أو فنانين من الدول المضيفة". ويضيف "هذا الشكل يتناسب مع الصورة الغربية عن الشرق في المرحلة الحالية، أو بالأحرى صورة اللاجئين السوريين بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي تعود إليه معظم مصادر التمويل".

ويرى أن "ازدياد الاهتمام بتمويل العروض المسرحية أو الفنية السورية في الآونة الأخيرة، مرتبط بضرورة رسم صورة للاجئين السوريين، وإعطائهم دوراً للتفاعل مع تلك الصورة النمطية التي ترسم لهم".

وحول معايير وإمكانية الحصول على تمويل، يوضّح بقبوق: "الأمر ليس سهلاً بالطبع، كما أنه ليس صعباً. عليك فقط أن تدرك المعادلة التي تحصل من خلالها على التمويل، وأن تتضمّن طلباتك للكلمات المفتاحية التي تطلبها المؤسسات المفتاحية. فمصطلح "التربية على السلام" أو "الاندماج" مثلاً، هي من المصطلحات التي قد تؤهّل عملك الفني للحصول على دعم وتمويل بعض منظمات الـ إن جي أوز".

أما المؤسسات الثقافية التي يديرها مسرحيون سوريون، فهي، وفقاً لبقبوق: "شأنها شأن المؤسسات الثقافية داخل سورية، غالباً محكومة بالشِللية، ومع ذلك، فهي لا تبتعد كثيراً عن قواعد اللعبة العامة، لأن تمويلها غالباً ما يعود إلى دول الاتحاد الأوروبي أيضاً".

لين قاروت، فنانة سورية تقيم في باريس، حاوَلت الحصول على منحة لعمل فني، لكنها لم تتوصل إلى ذلك، تقول لـ "العربي الجديد"، "لا أعتبر تقديم الطلب للمنحة صعباً، أنت تملأ استمارة وتجيب على أسئلة عن مشروعك. أما المنح الأوروبية فعملية الحصول عليها أكثر تعقيداً، ثمة ملف ثم تقديم للعمل ومقابلة ومتابعة للتفاصيل".

المشكلة في المنح الأوروبية وفقاً لـ قاروت هي في "عدم وجود أوراق رسمية عند لحظة التقديم، السنوات الأخيرة الماضية حين كان هناك الكثير من المنح للفنانين السوريين كان معظمهم من اللاجئين الذين لم يحصلوا على أوراق بعد، وبالتالي لم يكن ممكناً التقديم".

هل يشعر الفنانون أن هناك عدالة في توزيع المنح؟ تجيب قاروت: "لا أعرف عن المشاريع الأخرى التي حصلت على الدعم، لكن كان هناك تمركز قوي على ثيمات محددة في كل المشاريع التي أخذت المنح؛ اللجوء والحرب. ولم يكن هناك أي مشروع ينظر إلى السوريين من وجهة نظر مختلفة أو يسمح لهم بالخروج من هذه الدائرة والنظر إلى أنفسهم من خارجها، كما يحصل على المنح غالباً الفنانين الذين شقوا طريقهم وليس الشباب الذين يحتاجون فعلاً لدعم أولى مشاريعهم".

تضيف قاروت: "الأسئلة التي كانت تخطر لي عند تقديم الطلب، هي هل سيكفي المبلغ للمشروع كاملاً؟ هل ستحاصرني الجهة المانحة بما قدمت في الطلب أم يمكنني تطوير المشروع كما أريد؟ هل هناك سيطرة على العمل الفني من قبل المنظمة الداعمة؟".

هل خطر لك السؤال السياسي؟ لماذا تمنح هذه الجهات الدعم لنوع معين من الأعمال؟ نسأل قاروت فتجيب: "بصراحة لم أفكر في الأمر، حاولت أن أركز دائماً في الموضوع الفني فقط".

المساهمون