كثيرة هي الدول التي تعتمد نظام الحكم الفيدرالي، ومعظمها دول قائمة على أرض متصلة غير منفصلة، كما الحال الراهن للضفة والقطاع، واللذين تفصل بينهما دولة معادية لكل منهما وتعمل على مواصلة احتلالهما والاستيطان فيهما، ومنع الفلسطينيين من إقامة دولة عليهما.
بدأت المغامرة الكبرى قبل خمسين عاماً، ولم تنته فصولاً بعد، وهي قادرة على التجدد، على الرغم من كل الصعاب، فالفلسطيني لا يملك سوى خيار التجدد والاستمرار في التقدم على دروب النصر، مهما بدت ضيقة أو ملتوية.
السلطات الفلسطينية في الضفة، كما في القطاع، لا تملك فائضاً من الوقت، تبدده في الاستمرار في ترامي المسؤولية عن استمرار الانقسام، وتعطيل مسيرة الوحدة الوطنية، والتلهي بالصغائر من الاتهامات، بينما الوقائع على الأرض، تتراكم وتتزاحم، منذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور.
تراهن إسرائيل، اليوم، على الفوز بالضفة كلها بعد استيطانها أو بتقاسمها مع الفلسطينيين مؤقتاً عبر دفعهم المتواصل إلى هاوية اليأس في زمن يزدادون فيه ضعفاً على ضعف، بسبب افتقادهم مصادر القوة المعهودة، وانشغال الأشقاء عن قضيتهم الأولى بقضايا أكثر إلحاحا.
راهن الفلسطينيون منذ ما قبل التوقيع على اتفاق أوسلو على الإدارات الأميركية المتعاقبة، لكي تضغط على إسرائيل، من أجل إنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا أن الإدارات الأميركية امتنعت عن ذلك، واستمرت، بدورها، حامية وداعمة وراعية لإسرائيل.
قد تكون حال المراوحة جيدة، بالنسبة للحركتين: فتح وحماس، وللمجموع الفلسطيني، بسبب ما تتيحه من فرصة لاختبار النيات والقدرات والخيارات، مع الحفاظ على الذات، في ظل غياب المصارحة.
قد لا يكون بالمقدور، الآن، قراءة ما يمكن أن تؤول إليه هذه الحرب على المدى الطويل. لكن ما يمكن قوله، الآن، إن الكارثة قد تنوس بفواجعها ما بين حديها الكارث المؤتلف وذاك المراد كرثه.
الباحثون والمفكرون العرب مدعوون للوقوف على أطلال ما كان آمالاً، ربما لاكتشاف أن كثيراً منها إن لم يكن كلها كانت بمثابة يوتوبيات صعبة المنال، بسبب ضعفنا وتفرقنا أشتاتاً، حتى ونحن نؤسس أحزاباً قومية، لتحقيق الوحدة وتحرير فلسطين.
إن لم يكن مرغوباً ولا مسموحاً القول بحق الإقامة والجنسية الدائمة للاجئين الفلسطينيين إلى جانب الجنسية الفلسطينية، فهل نجرؤ على طرح واجتراح حلول لمعادلة جديدة، تشمل اللجوء والتوطين والتجنيس وحق العودة، سواء في الملاجئ القديمة، أو في الجديدة وتلك المنتظرة.
قطعت إسرائيل أشواطاً في التخلص من حل الدولة الفلسطينية، وإيجاد وقائع تحول دون تقدم الفلسطينيين باتجاه الدولة، بل تدفع بعضهم، أحياناً، إلى التخلي عن هدفها، من دون طرح بديل ممكن له، فهل يسقط الفلسطينيون الرهانات الإسرائيلية على انقسامهم؟
