فلسفة التحركات.. السر وراء صناعة التكتيك

05 أكتوبر 2014
تكتيك المدربين يحسم أهم المباريات (العربي الجديد)
+ الخط -

مكالمة هاتفية لمدير فني سابق لأحد الأندية العربية، وبالأحرى مشادة هاتفية، بين المدرب والضيف ضمن برنامج تحليلي للدوري المحلي، حيث أكد "الكوتش" أن فريقه لعب المباراة بطريقة لعب 4-4-2 شكل الجوهرة، فيما أشار المحلل التلفزيوني أثناء شرحه الفني، إلى أن الفريق لعب بطريقة لعب 4-2-3-1 والخطة التي تتألق بها معظم الفرق الأوروبية والعربية خلال السنوات الأخيرة.

وتأتي نهاية كل مباراة، لتبدأ معركة الحرب الكلامية بين بعض المحللين والمشجعين، حول مُسمى طريقة اللعب التي بدأ بها هذا الفريق، واسم الخطة التي نهى بها الخصم المباراة، وهكذا في كل لقاء أوروبي وعالمي وعربي. لتصبح فكرة "التسميات" الخططية إحدى أهم القضايا الكروية في مختلف التجمعات سواء بمواقع التواصل الاجتماعي، أو المنتديات والمواقع الرياضية.

أساتذة اللعبة
وبين هذا الرأي وذاك الاختلاف، يجب أن نشير إلى كلام خبراء كرة القدم، والأشخاص المهتمين بأصول وخبايا التكتيك، وبالطبع أولهم، الإيطالي أريجو ساكي، والهولندي الخبير رينوس ميتشيلز، وذلك لأن الثنائي صنع مجدا كبيرا في فترات طويلة خلال المشوار الماراثوني مع الساحرة المستديرة.

يؤكد رينوس ميتشيلز، صانع أمجاد أياكس وهولندا وبرشلونة في السبعينيات، الاهتمام الأول يجب أن يكون خاصا بالمساحات داخل الملعب بشكل كبير، يضع المدرب تصّورا لكل شبر في أرضية المستطيل الأخضر. التحركات والتمركز والتمرير أمور غير قابلة للنقاش، لذلك من غير المنطقي تسمية طريقة اللعب بعبارة واحدة. هولندا لعبت في السبعينيات بطريقة لعب 4-3-3 على الورق، لكن مع صعود كرول، أصبحت الطريقة 3-4-3، ومع تقدم قلب الدفاع، يكون هناك ثنائي فقط بالخط الأخير.

أما ساكي فينصح الجيل الجديد من المهتمين بالتكتيك، بعدم ذكر أي أرقام خلال شرح التشكيلة الأساسية للفريق، وذلك لأن التشكيلة تعني التحرك وليس أي شيء آخر. والتحركات مبنية على الكرة، المنافس، وحجم الملعب، وبالتالي لا يوجد أي منطق ثابت لتوضيح أي خطة كروية، لأن الثبات ليس من صفات الفرق العظيمة، التي لا تضم أبداً عازفا منفردا.

نهائي الأبطال
وإذا رجعنا إلى نهائي دوري أبطال أوروبا العام الماضي، في المباراة الشهيرة التي جمعت بين قطبي الكرة المدريدية، ريال وأتليتكو، وانتهت بفوز الملكي بأربعة أهداف مقابل هدف. ووضع موقع الاتحاد الأوروبي صورة بتشكيلة كل فريق قبل وأثناء المباراة، وبدأ أتليتكو مدريد بطريقة لعب 4-4-2، بينما راهن كارلو أنشيلوتي على خطة 4-3-3، التي لعب بها في معظم مباريات الموسم الماضي، خصوصاً في الجولات الأخيرة.

لكن مع مسح الملعب رقمياً وخططياً، فإن أتليتكو مدريد لعب برأس حربة واحد طوال المباراة، مع عودة المهاجم الثاني لخط المنتصف كثيراً، أدريان بديل كوستا لم يلعب في الثلث الهجومي الأخير، بل كانت معظم تحركاته في منطقة الوسط الهجومي، رفقة الثنائي راؤول جارسيا وكوكي، ليقوم الثلاثي بتكوين خماسية الوسط مع محوري الارتكاز، جابي وتياجو مينديز، أي من الممكن القول بأن أتليتكو لعب 4-5-1.

أما ريال مدريد، فتقدم لوكا مودريتش كثيراً إلى الأمام خلال الشوط الثاني، ولم يلعب أبداً كمحور صريح، بل أصبح صانع لعب أماميا، مع وجود الثنائي دي ماريا وجاريث بيل على الأطراف، وتحول رونالدو إلى دور رأس الحربة الثاني داخل منطقة الجزاء، أي الميرينجي لعب 4-1-3-2 في معظم فترات النهائي.

بايرن ميونخ
تسببت مباراة بايرن ميونخ وسيسكا موسكو الأخيرة، في جدل كبير بالأوساط الرياضية، بسبب كثرة الآراء حول طريقة لعب الفريق البافاري في الأراضي الروسية، وبتشكيلة ضمت كلاً من، نوير، دانتي، بن عطية، برنات، ألابا، لام، ألونسو، موللر، جوتزه، روبن، ليفاندوفيسكي، أكد البعض أن بايرن لعب بطريقة 4-2-3-1، بتواجد رباعي خلفي صريح، والثنائي ألونسو وألابا في الارتكاز، جوتزه وموللر وروبن في الثلث الأخير، مع البولندي كمهاجم صريح.

لكن من الممكن أيضاً، أن يصعد لام كثيراً إلى الأمام، ويصبح الخط الخلفي عبارة عن الثلاثي، برنات، بن عطية، ودانتي، مع وجود ثلاثي بالوسط، لتصبح طريقة اللعب 3-3-3-1. وأيضاً يعود ألونسو في بعض الأوقات إلى خط الدفاع بجوار المهدي بن عطية، وينطلق دانتي على اليمين وبرنات على اليسار، مع الثلاثي لام، جوتزه، ألابا بالوسط، وتصبح الخطة 4-3-3 صريحة.

وفي كل التصورات، هناك حقيقة واحدة لا تتغير، السر ليس في اسم الخطة، بل في تحركات اللاعبين، وطريقة ملء الفراغات، والحصول على أكبر تحكم ممكن، من خلال السيطرة الكاملة على أرجاء المستطيل الأخضر، لذلك من الصعب جداً حصر خطط الفريق في تعريف واحد.

المتعة مستمرة
كرة القدم ليست حقيقة، بل هي فن البحث المستمر عن الحقيقة وعظمتها تكمن في نقصانها وعدم اكتمالها أبداً، ويكمن سر جمال الكرة، في كونها أقرب للفهم من أكثر من منظور، ومن المستحيل تناولها بطريقة واحدة فقط، لذلك كما توجد أكثر من فلسفة كروية، يصبح من الممتع قراءة تشكيلات المباريات، بمختلف الزوايا، وكل الآراء، التي تختلف فيما بينهما، ومن الاختلاف، يأتي المعنى الحقيقي للاستمتاع بمباريات اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

وفي النهاية، من الممكن أن يقول ذلك الفريق العربي الذي تحدثنا عنه بالبداية، قد لعب بطريقة 4-4-2 شكل الجوهرة، ومن الوارد أيضاً أن يكون قد تمركز بطريقة أقرب لـ 4-2-3-1، أو لنذهب بعيداً ونقول، 4-3-3 صريحة، لأن السر في الحركة، وليس في أي مفهوم.

المساهمون