غابت موائد الطعام

26 نوفمبر 2014
تغيرت العادات الغذائية في ألمانيا (Getty)
+ الخط -

متى بدأنا نجلس إلى الطاولة ونأكل ثلاث وجبات في أوقات محددة؟ كشف الجواب أستاذ التغذية في جامعة شتوتغارت، أوريش أولينس دورف، في الدراسة التي أعدها أخيراً. قال إن الإنسان في العصور الوسطى عرف الوجبات الغذائية لأول مرة في تاريخ البشرية.
كان يتناول وجبتين فقط، الأولى عند الساعة العاشرة صباحاً، والثانية بعد غياب الشمس. وعُدّ تأمين قطعة خبز وكأس من النبيذ رفاهية حقيقية. أما وجبة الفطور، فظهرت في منتصف القرن الرابع عشر.

أوضحت الدراسة أيضاً أن الأسر عملت لفترات طويلة بهدف إنتاج الطعام فقط وتأمين الغذاء. استمر هذا الوضع حتى بعد الحرب العالمية الثانية. كان 50 في المائة من إنتاج الأسر يذهب لصالح الغذاء. أما اليوم، تدفع الأسرة نحو 20 إلى 25 في المائة من دخلها فقط لتأمن الطعام.

وأضافت أن حرب الثلاثين عاماً كان سببها الرئيسي الأزمات الغذائية وقلة الموارد الزراعية. ومع بداية القرن السابع عشر، بدأت المشروبات الساخنة تصل إلى ألمانيا من إيطاليا، والبندقية تحديداً. صار ميسورو الحال يشربون القهوة والشاي والكاكاو، بسبب أسعارها المرتفعة آنذاك. بعد مرور بعض الوقت، صارت هذه المشروبات متوفرة على موائد مختلف شرائح المجتمع.

التحول الأهم الذي شهدته ألمانيا كان مع افتتاح قهوة إنكليزية في هامبورغ عام 1667. تصل القهوة والشاي عبر السفن إلى هذه المدينة المطلة على البحر، ما جعل سعرها ينخفض. وكان للثورة الصناعية أثرها على عادات الناس الغذائية في القرن التاسع عشر، وخصوصاً في المناطق الصناعية الكبيرة، بحسب الدراسة. كان على العامل أن يستيقظ باكراً للالتحاق بالعمل، ما جعل وجبة فطوره متواضعة بالرغم من أهميتها. يكتفي بتناول قطعة خبز على عجل، أو بقايا عشاء اليوم السابق.

في ذلك الوقت، كان على العمال أن يحاربوا من أجل الحصول على فترة استراحة لتناول وجبة سريعة قبل متابعة عملهم. فبقي غذاء العامل سيئاً إلى أن تحين وجبة العشاء، فيلجأ إلى تناول وجبات تشعره بالشبع بغض النظر عن قيمتها الغذائية، كالبطاطا واليخنات.

لفتت الدراسة إلى أن "سوء التغذية كان سبباً في نشوء العديد من التعاونيات العمالية تحت مسميات مختلفة، بغية توفير طعام أفضل للعمال". بحسب دورف، ساهمت الثورة الصناعية، وحاجة العمال إلى الغذاء، في انتشار صناعة المعلبات، بخاصة أنها تحفظ الطعام لوقت طويل، عدا عن أن أسعارها المقبولة. وتجدر الإشارة إلى أن الطعام الجيد ارتبط لوقت طويل بالكنيسة وطبقة النبلاء، قبل أن يصبح بمتناول الجميع.

قالت الدراسة أيضاً إن طبيعة الحياة الحالية التي تفرض على كثيرين تناول طعامهم في أماكن عملهم، أدت إلى تفاقم مشكلة الوزن الزائد لدى كثيرين، بخاصة أن قلة من هؤلاء قادرون على الحفاظ على رشاقتهم. بالإضافة إلى ذلك، لا يتناول غالبيتهم الطعام على المائدة بمشاركة الأهل أو الأصدقاء أو الزملاء. فضغط العمل بات يجبرهم على تناول وجباتهم أثناء عملهم أمام شاشات الكومبيوتر.

تغيرت العادات الغذائية إذاً. وكان لتقلّص حجم الأسرة وعدد أفرادها أثراً سلبياً. في أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص، نجد أن الأسرة باتت من مسنين، أو أم وطفل فقط، أو رجل عازب، أو أرملة. وباتت الأسرة الممتدة شبه غائبة، تلك التي كانت تعد وجبات غذائية كبيرة، ما أدى إلى تغير عادات تناول الطعام وكمياته، بحسب الدراسة.

أمر آخر تطرقت إليه الدراسة، وهو الحالة النفسية. فالطعام لم يعد مرتبطاً بالرغبة في الشبع أو التغذية، وصار مرتبطاً بالمناسبات والأفراح والمؤتمرات وغيرها. بالتالي، يختلف نوع الطعام وكيفية تقديمه بناءً على المناسبة، ما يجعل الطعام جزءاً منه، ما يعكس التطور في تاريخ الطعام بين العصور.

كان افتتاح أول مطعم ماكدونالدز في أميركا عام 1955، بمثابة نقلة نوعية في الغذاء، وبدء عصر الوجبات السريعة، بخاصة أنه جمع ثلاث ميزات أساسية. قدم وجبة تعطي إحساسا بالشبع، سعرها منخفض، ويمكن تناولها بسرعة. حتى أن الاتحاد السوفييتي افتتح أول مطعم عام 1990، لتنافس الوجبات السريعة تلك التقليدية. ويعد الغذاء إحدى أكثر القطاعات المربحة في البلاد.
المساهمون