مخدرات ليست من الممنوعات في مصر

27 يوليو 2019
استغلال الأدوية القانونية لتصنيع المخدرات (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

أسماء جديدة من المخدرات تنتشر في الشارع المصري سنوياً، من بينها أدوية قانونية، لكن يجري مزجها بعقاقير بديلة ومواد كيميائية، فيكون لها تأثير المخدر نفسه المؤدي للإدمان

بعد الانتشار الواسع لمخدر "إستروكس" في الأحياء الشعبية والراقية في مصر، وهو المخدر الذي يصنعه البعض عن طريق إضافة مواد كيميائية يستخدمها عادة البياطرة، عقب ارتفاع أسعار الحشيش (القنب الهندي) والأفيون، ظهر مؤخراً مخدرا "كيتامين" المستخدم في العمليات الجراحية للحيوانات، و"بريغابلين" الذي يستخدم لمرضى الصرع والالتهابات العصبية. تمزج هذه الأدوية بعناصر مخدرة أخرى، وأدوية للسعال وحساسية الصدر والصرع، للوصول إلى عالم الإدمان في أسرع وقت وبأقل كلفة.

تستقطب هذه الخلطات عدداً كبيراً من الشباب، إذ تؤثر في الذاكرة، وتسبب الهلوسة السمعية والبصرية، والميل إلى العنف. وهو ما يمكن أن يضرّ بالمنظومة الدوائية كلّها، كون الأدوية التي تتكون منها تباع في الصيدليات أمام أعين الجميع ومن دون أيّ رقابة من قبل وزارة الصحة، لعدم إدراجها في جدول المخدرات، ما يجعلها مخدرات من غير الممنوعات.



كشفت تقارير طبية مصرية أنّ مُخدّرَي "كيتامين" و"بريغابلين" بدأ تجار السموم في استخدامهما بطريقة كبيرة مؤخراً، عن طريق خلطهما مع مواد أخرى مخدرة ومواد كيميائية داخل عدد من الورش والمنازل بعيداً عن أعين الأجهزة الرقابية، وبيعهما إمّا كأقراص أو حقن، وأحياناً يجري استخدامهما كرذاذ يؤخذ عن طريق الأنف. وأوضحت التقارير أنّ تلك الأنواع من المخدرات تؤدي إلى انتعاش المتعاطين، وانفصال عن العالم الواقعي، وحدوث شلل تام في الأطراف وعدم قدرة على المقاومة. أضافت أنّ الأجهزة الأمنية اكتشفت أنّ العشرات من حالات الاغتصاب، التي شهدتها المحافظات المصرية مؤخراً، نفذها المغتصب باستخدام الرذاذ الذي رشه على أنف الضحية التي تذهب في حالة من الضياع، كما يستخدم الرذاذ في حالات السرقة. ويستغل المجرمون انخفاض سعر الخلطتين المخدرتين وتوافرهما، كما أنّ البعض من المدمنين وتجار المخدرات اتجهوا إلى استخدام تلك الأنواع لعدم إدراجها ضمن الأصناف المخدرة، وبالتالي الهروب من المحاسبة القانونية في حال القبض عليهم.

حذرت التقارير الطبية، من انتشار تلك الأنواع المخدرة في الأسواق، لتسببها بجرائم عديدة وخطيرة، بالإضافة إلى الأمراض والأعراض المصاحبة لها، مؤكدة أنّ دخول أنواع جديدة من المخدرات يشير إلى ازدياد حجم التعاطي داخل البلاد. وطالبت التقارير الأجهزة الأمنية بتشديد الرقابة على الشوارع والحارات لمواجهة تجار المخدرات، وتشديد الرقابة على الصيدليات ومنع صرف أيّ أدوية من دون وصفة طبية معتمدة من الطبيب المعالِج.

وفي سياق متصل، كشفت تقارير في إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بوزارة التضامن الاجتماعي، أنّ 10 في المائة من المصريين يتعاطون المخدرات، وهو رقم يعادل ضعفَي المعدل العالمي، من بينهم 72.5 في المائة ذكور و27.5 في المائة إناث، فيما 24 في المائة من متعاطي المخدرات هم من السائقين، من بينهم من يتعاطى من أجل العمل فترة طويلة، و35.2 في المائة يتعاطون المخدرات من أجل نسيان الهموم، و34.8 في المائة يتعاطون المخدرات من أجل التغلب على الاكتئاب.

تقول أستاذة علم الاجتماع، بجامعة "عين شمس" الدكتورة سامية خضر، إنّ "غول الإدمان" هاجم مصر خلال العقود الأخيرة، مشيرة إلى أنّ دخول أنواع جديدة من المخدرات إلى السوق يمثل حالة اجتماعية خطيرة، أدت إلى انتشار الجرائم بمختلف أنواعها، رافضة اتهام الصيادلة بأنّهم وراء ترويج تلك المواد المخدرة، مؤكدة أنّ الصيدلي لا يملك رفض بيع أيّ دواء، وإلاّ يعرّض نفسه للمساءلة القانونية، لكنّ المحاسبة تقع على شركات الأدوية ووزارة الصحة، التي يجب أن تدرج بعض الأدوية في جداول المخدرات. تطالب خضر الدولة بخلق مناخ طارد للإدمان كالتثقيف بالاستعانة بالتعليم والإعلام والمؤسسات الدينية، ومحاولة إيجاد فرص عمل حقيقية للشباب لمحاربة الفراغ الفكري الذي يمرون فيه، كما تطالب بتشديد الرقابة على الأماكن التي تساعد الأطفال والشباب على الدخول في عالم المخدرات، مثل المقاهي الحديثة ومحلات الألعاب الإلكترونية التي تتواجد في محيط المدارس والجامعات، والوقوف على المستجدات الأخيرة في ما يتعلق بالمخدرات المستحدثة.



وعن الأخطار الصحية لتعاطي المواد المخدرة، يقول أستاذ المخ والأعصاب، الدكتور محمد عيسى، إنّ للمخدرات الكثير من التأثيرات الطبية السلبية، التي من بينها تدمير الجهاز التنفسي من خلال الشعب الرئوية وانتفاخ الرئتين، كما تؤدي إلى تليف الكبد وسوء الهضم مما ينتج عنه الإسهال أو الإمساك والقرحة، وقد يصاب الجسد بأنواع من أمراض السرطان، كما قد تؤدي إلى فقر الدم وأمراض القلب والسكري، والتهاب المخ مما يؤدي إلى تآكل الخلايا العصبية، وكذلك طنين الأذنين وجفاف الحلق واحمرار العينين، بالإضافة إلى الحوادث الخطيرة والمميتة التي يتعرض لها المدمنون أثناء قيادة السيارات تحت تأثير المخدرات.

يتابع عيسى أنّ المدمن يلجأ إلى تشويه جسده تحت تأثير المخدرات، وهو ما أثبتته حالات عديدة سابقة أقدم فيها المدمنون على التسبب بجروح خطيرة لأنفسهم، بسبب استعمالهم بعض الأدوات الحادة مثل الشفرات والزجاج ما يمكن أن يؤدي إلى الموت. كذلك، يلجأ المدمن للسجائر والشموع لحرق وكيّ جسده. يبين عيسى أنّ كميات المخدرات التي تدخل إلى مصر حالياً باتت أكبر من السابق، فبعدما كانت تدخل بكميات صغيرة ومحدودة أصبحت اليوم تدخل بالأطنان عبر المنافذ والموانئ، فضلاً عن المخدرات المصنَّعة التي زاد انتشارها خلال السنوات الأخيرة، مشدداً على أنّ انتشار المراكز الطبية المتخصصة في علاج الإدمان في القطاع الخاص وتكاليفها العالية، يؤكد زيادة عدد المدمنين داخل البلاد.
المساهمون