استمع إلى الملخص
- في حمص، تتزايد حركة النزوح من لبنان وسوريا، حيث يعود السوريون غير المطلوبين أمنياً إلى مناطقهم، بينما يعاني السكان من ضغوط اقتصادية كبيرة بسبب تكاليف المعيشة والمدارس.
- في جرمانا، يعاني السكان من تردي الخدمات العامة ويخشون من تأثير الحرب على الاقتصاد المحلي، مع تحديات كبيرة بسبب الحصار ونقص الوقود وارتفاع الأسعار.
يتابع السوريون الذين يعيشون في مناطق النظام بقلق ما يجري حولهم في فلسطين ولبنان، في ظل مخاوف من وصول التوتر والتصعيد إلى مناطقهم التي تخلو تماماً من أي مظاهر أو خطط وضعها النظام لمواجهة التداعيات الواسعة للصراع مفتوحة على كل الاحتمالات.
عموماً لم تتغيّر مظاهر الحياة في العاصمة السورية دمشق، باستثناء تخوف بعض السكان من امتداد القصف إلى أحيائهم خاصة في منطقة المزة التي شهدت عمليات نفذها سلاح جو الاحتلال الإسرائيلي بسبب وجود مقار لحزب الله اللبناني وإيران.
يقول نديم الرحال من أهالي محافظة حمص لـ"لعربي الجديد": "معظم من يقطن في سورية يعيش الحرب وتداعياتها منذ أكثر من 13 عاماً، والبعض لا يزال يعيش في مناطق غير آمنة وقابلة للانفجار في أي وقت". ويُبدي الرحال تخوفه الواضح من القصف الإسرائيلي الذي يطاول ريف حمص الغربي، خاصة في منطقة القصير، المعقل البارز لحزب الله في سورية، ويقول: "معظم مناطق محافظة حمص عرضة للقصف الإسرائيلي بسبب الوجود الإيراني، ولا شيء يحمي الناس من النيران إذا اندلعت الحرب هنا وتوسعت".
يضيف: "لم تشهد بلدات حمص ووسط سورية حتى الآن ما يشير إلى الفزع والخوف والحيطة، أو الاندفاع إلى تخزين المؤونة والطحين والسكر، خاصة أن العائلات لم تخرج بعد من ضغوط تكاليف المدارس، وبدأت بالتفكير في توفير محروقات للتدفئة خلال فصل الشتاء. وعموماً لا يملك معظم الناس المال كي يهرعوا إلى الأسواق من أجل تخزين الطعام لمواجهة تداعيات واسعة للحرب التي يبدو أنها ستطول".
ونزح إلى محافظة حمص المحاذية للحدود مع لبنان الكثير من اللبنانيين وأيضاً من السوريين الذين عادوا إليها. وتشير التقارير الرسمية الواردة من المعابر الحدودية الرسمية بين سورية ولبنان إلى أن حركة نزوح مستمرة وتزداد يوماً بعد يوم، في حين تضاعف عدد السوريين العائدين من أولئك غير المطلوبين لدى الأجهزة الأمنية أو المطلوبين للخدمة الإلزامية في قوات النظام، فهؤلاء لا يزالون يفترشون أرصفة وحدائق في المدن والمناطق اللبنانية الأكثر أماناً.
في المقابل، سارع سكان بعض المدن السورية إلى اتخاذ الإجراءات الوقائية الخاصة بهذه الحال بعدما كانوا عاشوا تجارب مماثلة منذ عام 2011، واختبروا تراكم سنوات النزوح.
ويقول هاشم دوارة من سكان مدينة جرمانا جنوب شرقي العاصمة دمشق لـ"العربي الجديد": "استقبلت المدينة الصغيرة لاجئين عراقيين قبل نحو 20 عاماً، وهي اليوم ملجأ آمن للنازحين والمهجرين السوريين. تغيّرت الأمور والظروف في جرمانا فهي تعاني تردي الخدمات العامة الرئيسية، فمياه الشرب تباع وتُشترى بالعبوات الصغيرة والمتوسطة، ومياه الاستعمال والنظافة مرتبطة بساعات الوصل الكهربائي، والمواصلات في أسوأ حال، والوقود ينفد بين حين وآخر، ومعظم المعامل والمشاغل توقفت نتيجة ساعات التقنين الكهربائي الطويلة".
ويؤكد أن "سكان جرمانا يخشون تداعيات هذه الحرب. يشتري أصحاب الدخل الجيد كميات من الوقود والأطعمة القابلة للحفظ الطويل مثل الحبوب والطحين والمعلبات. وكان الاقتصاد في مناطق سيطرة النظام يعتمد إلى حدّ بعيد على الأسواق في لبنان والمنافذ الجوية والبحرية لهذا البلد للاستيراد والتصدير. وهذه الأسواق هي المكان الأكثر ملاءمة لمنع الانهيار، لكن التوتر والتصعيد العسكري الواسع في لبنان ينعكسان سلباً على اقتصاد النظام الذي يعاني أصلاً تبعات الحصار الطويل المفروض عليه منذ عام 2011".
من جهته، يقول محمود الصالح الذي يعمل في الصناعات التحويلية بدمشق لـ"لعربي الجديد": "في سورية طبقة من تجار الأزمات المرتبطين بالنظام الذي لم يحاول تحصين الاقتصاد لمواجهة الظروف الطارئة، وأبقاه رهناً للتغيّرات. ستتوقف مقومات الاقتصاد قريباً ما ينعكس سلباً على الناس، وهناك أيضاً أزمة مواصلات ونقص في الوقود ستزيد بسبب البطالة وارتفاع الأسعار".
ويقول كاتب يقيم في العاصمة السورية فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "سيشكل استمرار الحرب في لبنان كارثة كبيرة للسوريين في مناطق النظام تضاف إلى جملة كوارث أخرى. هناك عودة واسعة للنازحين السوريين من لبنان، وتدفق كبير للنازحين اللبنانيين إلى بلد لا يملك أي مقومات اقتصادية أو خدماتية أو فرص عمل في ظل ارتفاع الأسعار وتدني المداخيل كثيراً، أما حكومة النظام فلا تملك أي رؤى أو خطط سريعة أو حتى بعيدة لمواجهة هذا الأمر. وأي مساعدات يمكن أن تأتي من دول عربية سيكون مصيرها مثل تلك السابقة أي جيوب بعض المسؤولين والمتنفذين وتجار الحروب".
إلى ذلك يبدو سكان الجنوب السوري أكثر تفكيراً في تبعات الحرب في لبنان. يحرص الناس في محافظة السويداء تحديداً رغم الضائقة المادية على شراء أدوية خاصة للأمراض المزمنة وتخزينها بعد ضرب الطرق البرية مع لبنان. كما تحرص العائلات في الريف على تخزين القمح والطحين، للصمود أكثر في حال اتسع نطاق الحرب في ظل غياب أي خطط حكومية لمواجهة تداعيات الحرب على البلاد.