تلاميذ لبنان: "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"

09 أكتوبر 2024
دراسة عن بعد جراء العدوان (فرانس برس)
+ الخط -

يصعب وضع خريطة واضحة للعام الدراسي 2024 ـ 2025 في المدارس والجامعات الرسمية والخاصة في لبنان، بالنظر إلى جملة من التعقيدات التي ضاعفها الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد في معظم جغرافيتها. فالطائرات المسيّرة والحربية تجوب السماء ليلاً ونهاراً، ومعها أصوات القذائف وانفجارات الصواريخ تزلزل أرض وسماء مناطق واسعة في الجنوب والبقاع وبعلبك ـ الهرمل وضاحية بيروت الجنوبية وأجزاء من محافظتي الشمال وجبل لبنان. كما أن آلاف المواطنين مع أبنائهم باتوا مشردين ولا يستطيعون النوم أصلاً، بفعل أزيز وهدير الطائرات الذي لا ينقطع، فضلاً عن أولئك الذين لا يزالون في العراء يفترشون زفت وتراب الساحات العامة والشوارع وكورنيش البحر، أو مكدسين في غرف المدارس التي باتت عبارة عن مراكز إيواء لنازحين مثلها مثل المدارس في قطاع غزة. وهم يفتقدون أيضاً أبسط المقومات كالفُرش والأغطية والوسادات والطعام والشراب ودورات المياه وغيرها. 
والواضح أنه يوماً بعد يوم، تزداد ضراوة المعارك وقساوتها، ومعها يعلن الجيش الإسرائيلي توجيه نداءات إلى القرى والأحياء يطلب منها المغادرة نحو أقضية أبعد أو لمسافة لا تقل عن 500 متر لوقوع منازلهم في مناطق تضم مراكز أو مخازن ومرافق تعود إلى حزب الله، يخشى قصفها وتدميرها. ومع أنه يعدهم بإخبارهم عن موعد العودة متى باتت الأوضاع طبيعية، إلا أن هذا لم يحدث قبلاً، وبات هناك أكثر من مليون ومائتي ألف مهجر، ولبنان على أبواب فصل دراسي، وشتاء قاس وسط الحرب المندلعة من الجنوب، والتي باتت تطاول إن لم نقل كل المناطق اللبنانية فمعظمها. 
ومع أن اللبنانيين باتوا خبراء حروب، إلا أن ما يرونه بأم العين هذه الأيام يختلف عن كل ما سبق وذاقوا طعمه خلال عقود متلاحقة. 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

الذئب والغنم

هناك مثل لبناني يصح على معالجة الوضع التعليمي القائم يقول: "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، وقد اعتمده وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي. ومنذ مدة ليست بالقصيرة، بدأت حسابات العام الدراسي 2024 ـ 2025 تدخل في دفاتر الأهل والمسؤولين، ولا سيما الحلبي، وخصوصاً أن العام الدراسي السابق بدوره قد خُتم على زغل (بطريقة عشوائية)، وألغى مجلس الوزراء امتحانات الشهادة المتوسطة (البروفيه)، بينما خضعت امتحانات الثانوية العامة لأعمال تقطيع وتوصيل وتقليص في المناهج، ما جعلها صورية أكثر منها فعلية، بالقياس إلى ما كانت تعرفه البلاد من مستوى تعليمي في السنوات السابقة. 
على أي حال، راج خلال الأسابيع الماضية جدل شاركت فيه أحزاب وشخصيات وقوى سياسية حول مصير العام الدراسي الحالي. البعض يطالب بالبدء بالتدريس في المدارس الخاصة والرسمية، على الأقل في المناطق الآمنة، والآخرون يدعون إلى تأجيل الافتتاح في كل المدارس ريثما تنجلي صورة الأوضاع السياسية ـ الأمنية، وعودة من يستطيع من المهجرين إلى دياره. لكن الأوضاع سارت من سيئ إلى أسوأ ما دعا إلى ارتفاع حدة الجدل، ووجد اللبنانيون أنفسهم أمام موضوع انقسام جديد، وهو ما دعا الحلبي إلى عقد مؤتمر صحافي في الخامس من الشهر الجاري أعلن فيه بدء الالتزام بالقاعدة التي عبر عنها المثل السابق. وحدد بدء العام الدراسي في المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وذلك بعد استكمال الاستعدادات إن للمباشرة بالتدريس حضورياً أو من بُعد أو مدمجاً تنفيذاً لخطة الوزارة.

مدرسة تتحول إلى مأوى للنازحين (فرانس برس)
مدرسة تتحول إلى مأوى للنازحين (فرانس برس)

كما أجاز الحلبي للمدارس الخاصة التعليم من بُعد بحسب إمكاناتها المتاحة، وقال: "نظراً إلى أنّ عدداً من المدارس الخاصة أبلغ أولياء الأمور أن الدراسة ستستأنف بدءاً من يوم الاثنين (7 أكتوبر)، منها تكون حضورية أو مدمجة، فإننا ندعو إداراتها إلى إدراك مخاطر الحرب، ونطلب منها الحصول على موافقة لجان الأهل وتوقيع تعهّدٍ وفقاً لنموذج تعدّه الوزارة كي يكون قرار التدريس الحضوري على كامل مسؤولية من قرّره. ودعا هذه المدارس ألا تتجاوز قيمة القسط الأول الذي تتقاضاه نسبة 30% من قيمة قسط العام الدراسي السابق، وبالتالي إعادة النظر بالأقساط المعلنة بما يأخذ في الاعتبار آثار العدوان على العائلات والحالة المعيشية والمعاناة الاجتماعية تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية. والواضح أن إجازة الحلبي للقطاع الخاص التعليم مرتبطة بالحصول على 30% فقط من قيمة القسط السنوي، وبتحميله المسؤولية لمن اتخذ قرار التدريس الحضوري، انطلاقاً مما يمكن أن يحدث على الصعيد الأمني في ظل انفلات الهجوم الإسرائيلي على كل لبنان وليس على الجنوب أو حزب الله فقط. وكان الحلبي قد ترك حرية اتخاذ قرار التدريس أو الإقفال العام الماضي للمديرين في مدارس الجنوب الذين يستطيعون تقدير الوضع مباشرة. 

التعليم الجامعي


أما على صعيد التعليم الجامعي الرسمي والذي يقتصر على الجامعة اللبنانية، والخاص الذي "يرتاده نحو 160 ألف طالب، ثلثهم، أي نحو 52 ألفاً، معنيون مباشرة بآثار الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية التي ينفذها في الجنوب والنبطية والبقاع والضاحية، وحيث إن التعليم الجامعي منظم بفصول ومهل تمنع عن الطلاب تجاوزها متابعة الدراسة في الخارج، فمن غير الواقعي إيقاف تعليم حيوي بحجم الجامعي، فإن إمكانية العودة للتدريس بدءاً من يوم غدٍ تقرّرها إداراتها مع إجازة استخدام التعليم من بعد بأشكاله كافة لتأمين الوصول إلى الطلاب بمختلف المناطق حصوصاً التي نزحوا منها".
ويتضح مما أورده الوزير الحلبي أنه يحاول الإمساك بالعصا من الوسط وبما يتيح للقطاع العام الحصول على وقت إضافي يمتد لحوالي شهر، بعدما باتت مئات المدارس الرسمية والخاصة وكليات الجامعة اللبنانية ومعاهدها مستقرات نزوح لعشرات الآلاف من العائلات التي لجأت إليها ويتعذر إجلاؤهم منها لألف اعتبار واعتبار.  
على أي حال، يمكن القول إن ما توصل إليه الحلبي بعد مشاورات مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة وأركان الوزارة ومؤسسات التعليم العالي الخاص لا يعدو أن يكون بديلاً عن تعليق العمل الدراسي في سائر المؤسسات، وهو حل سيكون بالضرورة على حساب المدارس والجامعات الرسمية والخاصة، التي باتت المئات من مراكزها ملاجئ اضطرارية لعشرات أو مئات ألوف النازحين مع أبنائهم وبناتهم. والمؤكد أن الحلبي يراهن على حلول أو تسويات مؤقتة تعيد المدارس والجامعات إلى وظائفها الأصلية، والطلاب إلى صفوفهم للتعليم المباشر أو عن بُعد، وهو ما يبدو بعيد المنال في المدى المنظور على الأقل.  

المساهمون