معارف بيئية عديدة نستقيها من الثقافات المحلية، بما في ذلك الأحاجي والأهازيج والأغنيات الرائجة، مثلما هو الحال مع أغنية "الطير المهاجر" التي كتبها قبل نصف قرن من الزمان الشاعر المهاجر، صلاح أحمد إبراهيم، محملاً الطيور المهاجرة أشواقه للوطن والحبيبة. كما تغنّى بها في ما بعد فنان أفريقيا الأول، محمد وردي، لتسكن وجدان كل السودانيين، مع معرفة راسخة، أن هذه الطيور إنما تأتي من بلاد بعيدة في زمن محدد (بالله.. يا الطير المهاجر للوطن زمن الخريف)، وأن شجرة الدليب من المساكن المريحة لبعضها (فى بلادنا ترتاح.. ضل الدليب.. أريح سكن).
وشجرة الدليب شجرة طويلة غير متفرعة، يصل طولها إلى 20 متراً. وتنتشر فى جنوب كردفان (جبال النوبة)، وجنوب دارفور، وفى النيل الأزرق، جنوب سنار والدندر والرهد، حيث تربات الطمى بالقرب من الوديان، والأنهار فى السافنا الغنية. وقد استخدمت في أعمدة الهواتف في السابق، وفي بناء الكباري وسقوف المنازل، وفى القوارب والطبول. كما تصنع من أوراقها (السعف) أنواع من البساط المحلي يعرف بـ"البروش"، وكذلك الحبال.
للسودانيين مثل شعبي يقال حين يقوم الفرد بعمل لا يفيد منه كما الآخرين، فيقال إنه مثل "ضلّ الدليب"، كناية عن طول الشجرة وظلها الذي يقع بعيداً في أغلب ساعات اليوم.
بالعودة إلى الطيور المحلقة في هجرتها المضبوطة المواقيت زماناً ومكاناً، نجد أنها تحط في ديارنا لتجد فيها دفئاً، وفي أحضان غاباتنا مَلاذاً، وفي أراضينا قوتاً. إذ تمشّط الحقول وتلتقط الآفات والحشائش الصغيرة، مانحة محاصيلنا قدرة النمو العفي، في تجسيد كبير للتوازن البيئي، والتدبير الكوني بكل ما فيه من تنوع إحيائي.
يؤكد الخبراء، أن هذه الطيور تتخذ في موسم هجرتها عدة طرق، حيث تسلك الطيور التي تستوطن غرب أوروبا طريق الجنوب الغربي إلى مضيق جبل طارق، متجهةً إلى أفريقيا، بينما الطيور التي تستوطن وسط أوروبا، تسلك طريق الجنوب الغربي ثم تقوم بجولة عبر البحر المتوسط نحو مصر ثم تيمّم وجهها إلى منابع النيل عبر السودان.
إلا أن هذه الطيور ظلّت في الآونة الأخيرة تتعرّض لتهديدات الطبيعة والإنسان معاً، فقد سجلت الأمطار شحاً عاماً بعد عام حتى في بعض مناطق السافنا الغنية، لتقلّ بذلك الموائل، بينما ظلت تشاركها الحيوانات الأخرى في بعض الموائل للتناقص الكبير في المراعي والغابات. وتمددت المشاريع الزراعية المطرية لتبتلع آلاف الموائل، بل تمددت البنايات في المدن الكبيرة في مناطق كانت، حتى الأمس القريب، مواقع رصد ودراسات لحركة الطيور. كما نشطت عمليات الصيد إلى حد الاحتفاء بالصيادين العرب الذين يدخلون موائلها لممارسة هوايتهم.
*متخصص في شؤون البيئة
اقــرأ أيضاً
وشجرة الدليب شجرة طويلة غير متفرعة، يصل طولها إلى 20 متراً. وتنتشر فى جنوب كردفان (جبال النوبة)، وجنوب دارفور، وفى النيل الأزرق، جنوب سنار والدندر والرهد، حيث تربات الطمى بالقرب من الوديان، والأنهار فى السافنا الغنية. وقد استخدمت في أعمدة الهواتف في السابق، وفي بناء الكباري وسقوف المنازل، وفى القوارب والطبول. كما تصنع من أوراقها (السعف) أنواع من البساط المحلي يعرف بـ"البروش"، وكذلك الحبال.
للسودانيين مثل شعبي يقال حين يقوم الفرد بعمل لا يفيد منه كما الآخرين، فيقال إنه مثل "ضلّ الدليب"، كناية عن طول الشجرة وظلها الذي يقع بعيداً في أغلب ساعات اليوم.
بالعودة إلى الطيور المحلقة في هجرتها المضبوطة المواقيت زماناً ومكاناً، نجد أنها تحط في ديارنا لتجد فيها دفئاً، وفي أحضان غاباتنا مَلاذاً، وفي أراضينا قوتاً. إذ تمشّط الحقول وتلتقط الآفات والحشائش الصغيرة، مانحة محاصيلنا قدرة النمو العفي، في تجسيد كبير للتوازن البيئي، والتدبير الكوني بكل ما فيه من تنوع إحيائي.
يؤكد الخبراء، أن هذه الطيور تتخذ في موسم هجرتها عدة طرق، حيث تسلك الطيور التي تستوطن غرب أوروبا طريق الجنوب الغربي إلى مضيق جبل طارق، متجهةً إلى أفريقيا، بينما الطيور التي تستوطن وسط أوروبا، تسلك طريق الجنوب الغربي ثم تقوم بجولة عبر البحر المتوسط نحو مصر ثم تيمّم وجهها إلى منابع النيل عبر السودان.
إلا أن هذه الطيور ظلّت في الآونة الأخيرة تتعرّض لتهديدات الطبيعة والإنسان معاً، فقد سجلت الأمطار شحاً عاماً بعد عام حتى في بعض مناطق السافنا الغنية، لتقلّ بذلك الموائل، بينما ظلت تشاركها الحيوانات الأخرى في بعض الموائل للتناقص الكبير في المراعي والغابات. وتمددت المشاريع الزراعية المطرية لتبتلع آلاف الموائل، بل تمددت البنايات في المدن الكبيرة في مناطق كانت، حتى الأمس القريب، مواقع رصد ودراسات لحركة الطيور. كما نشطت عمليات الصيد إلى حد الاحتفاء بالصيادين العرب الذين يدخلون موائلها لممارسة هوايتهم.
*متخصص في شؤون البيئة