بات الازدحام المروري مصدر قلق كبير لسكان العاصمة الجزائرية وقاصديها من أجل الدراسة والعلاج وتنفيذ المعاملات الإدارية. وزاد تمركز الإدارات الحكومية في العاصمة تدفق السيارات والمركبات، والذي زادت مشكلته تعقيداً في ظل فشل خطط تطوير النقل العام، وتحوّل بعض الطرقات إلى بحيرات مع سقوط المطر في فصل الشتاء.
يؤكد سمير زيتوني أنه يهدر أكثر من ساعة ونصف الساعة من الوقت للوصول الى مكان عمله في بنك حكومي وسط العاصمة الجزائرية. ويقول لـ"العربي الجديد": "أضطر إلى تغيير وسيلة النقل ثلاث مرات، أولاً للتوجه من الحي الذي أسكن فيه الى محطة المسافرين، وثانياً لبلوغ محطة الرحلات في وسط العاصمة، قبل أن أتوجه بسيارة أجرة الى منطقة حيدرة حيث مقر البنك. ويستغرق هذا المسار أكثر من ساعة ونصف الساعة بسبب الازدحام على الطريق المؤدي الى العاصمة، خصوصاً في فصل الشتاء. والأمر نفسه سيتكرر حتى لو استخدمت سيارة خاصة بي في تنقلاني".
على غرار سمير، يعاني آلاف الجزائريين من مشاكل الازدحام المروري، ويتعطل وصولهم الى أشغالهم اليومية في الوقت المناسب، حتى بالنسبة إلى الموظفين الذين يقطنون في منطقتي درارية والعاشور اللتين تقعان في الضاحية الجنوبية للعاصمة، ولا تبعدان أكثر من مسافة عشرة كيلومترات عن وسطها، إذ يحتاجون إلى نحو ساعة لبلوغ العاصمة، رغم أن السلطات أنجزت مجموعة من الأنفاق لتخفيف الازدحام.
ويقول محمد بلحاج الذي يقطن في منطقة اولاد فايت لـ"العربي الجديد": "لا يعقل أن يستغرق قطع مسافة قصيرة مثل تلك التي تفصل بين منطقتي والعاصمة ساعة أو أكثر. التوجه الى العاصمة أصبح هاجساً يفرض انطلاق الموظفين مبكراً من منازلهم، سواء امتلكوا سيارات أو استخدموا حافلات".
1.6 مليون سيارة في العاصمة الجزائرية
ويؤكد الطبيب عيسى خزنة أن "الازدحام والخوف من التأخر عن مواعيد العمل والدراسة والمواعيد الطبية بالنسبة إلى المرضى، والتلوث والكلفة الاقتصادية زادت الأمراض ورفعت ضغط الدم والقلب لدى الناس الذي يتوجهون إلى العاصمة".
وما يفاقم أزمة الازدحام المروري، مواصلة السلطات نصب حواجز أمنية على الطرقات السريعة وبعض النقاط المحورية والمداخل الرئيسية للعاصمة، وأحدها للشرطة في منطقة باب الزوار غير البعيد عن مسجد الجزائر الأعظم، وآخر قبل مدخل ميناء الجزائر الذي يستخدمه القادمون من الضواحي الشرقية. كما يتوقف القادمون من الضواحي الجنوبية عند حاجز بئر مراد رايس، وأولئك الذين يسلكون الطرقات من ولاية تيبازة والضواحي الغربية عند حاجز بوشاوي".
وتوجد 1.6 مليون سيارة في العاصمة الجزائرية من أصل 6.5 ملايين سيارة ومركبة في عموم البلاد، بحسب بيانات أصدرها الديوان الوطني للإحصاءات في فبراير/ شباط الماضي. وتستقبل الطرقات في العاصمة نصف مليون سيارة يومياً. لكن الاختناق المروري لا يتسبب فقط بأزمة نقل لسكان العاصمة أو الوافدين إليها، بل في خسائر اقتصادية بسبب حجم الوقت الضائع وتكاليفه.
وكشفت دراسة نشرتها وزارة الطاقات المتجددة حول استهلاك الوقود في يونيو/ حزيران الماضي، أن "الازدحام المروري في العاصمة وحدها يهدر 500 ألف ليتر من الوقود يومياً، بمعدل ليتر واحد لكل سيارة، ما يزيد التلوث في ظل إنتاج 1500 طن من غازات ثاني أكسيد الكربون".
ورغم دخول وسائل نقل عمومية غير تقليدية الخدمة في العاصمة الجزائرية، مثل مترو الأنفاق والترامواي منذ عام 2011، لم تتغير مشاكل النقل والازدحام في شكل كبير فيها لأن المترو يعمل على خط واحد يمتد من منطقة حي البدر في الضاحية الجنوبية للعاصمة وصولاً الى ساحة الشهداء في وسطها، في حين لم تنجز خطوط أخرى تربط شمال وشرق وغرب العاصمة الجزائرية بوسطها.
ويجري تشغيل الترامواي على خط واحد في اتجاه منطقة درقانة بالضاحية الغربية للعاصمة وصولاً الى منطقة شارع المعدومين في حي رويسو، من دون أن يتوسع الى باقي المناطق، ما يفسر بوضوح استمرار الازدحام المروري، وعدم إمكان تخلي الجزائريين عن السيارات للانتقال في العاصمة، لأن خدمات وسائل النقل العمومية غير ناجحة.
وقد حاولت الحكومة تخفيف حدة الاختناق المروري في العاصمة الجزائرية، لكن خططها لم تنه المشاكل. وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطلقت وزارتا النقل والأشغال العمومية مشروع دراسة مشتركة لمعرفة أسباب الاختناق المروري بمشاركة خبراء في حركة المرور وتنظيم المدن، من أجل معالجة المشاكل ووضع مخطط شامل للتحكم فيها.
وتوصلت الدراسة إلى ضرورة اتخاذ مجموعة حلول عاجلة تشمل إجبار شركات الطرقات على إنجاز الأشغال في الليل، ومنع تنقل مركبات الوزن الثقيل في محاور الطرقات الكبرى ووسط المدينة، وتعزيز النقل التجاري عبر القطارات لنقل السلع من وإلى ميناء الجزائر، خصوصاً أنه يقع في قلب العاصمة، إضافة الى إطلاق 16 مشروعاً لإنجاز طرقات جديدة تربط المناطق السكنية الجديدة بالعاصمة.