"من المدرسة إلى سجن العقرب شديد الحراسة 1 خلال ثماني سنوات"، تتبّعت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، زمنياً، الانتهاكات التي تعرّض لها الشاب يوسف سمير، الذي أُلقي القبض عليه حين لم يكن عمره يتجاوز 16 عاماً، وهو يقضي حتى الآن أطول فترة حبس احتياطي لسجين في السجون المصرية على ذمة القضية رقم 451 لسنة 2014 أمن دولة عليا، والمعروفة إعلامياً بقضية "كتائب حلوان".
وأكّدت الشبكة المصرية أنّ حبس سمير مدة ثماني سنوات متواصلة يأتي مخالفاً للقانون رقم 45 لسنة 2006، الذي وضع المشرّع بمقتضاه حداً أقصى للحبس الاحتياطي في قضايا الجنايات التي يصل الحكم فيها إلى المؤبد أو الإعدام بسنتين، ويعدّ أنّه إذا لم ينتهِ التحقيق يستوجب الإفراج عن المتهم من دون التمديد له.
وأحال المستشار هشام بركات، النائب العام السابق، القضية إلى محكمة الجنايات فى 19 فبراير/ شباط 2015. وبحسب قرار الإحالة، فإنّ القضية تغطّي الفترة ما بين يوم فضّ رابعة في 14 أغسطس/ آب 2013 والسابع من فبراير/ شباط 2015، وقد بلغ عدد المتهمين فيها 215 متهماً، من بينهم تسعة متوفين بعد إحالة القضية إلى الجنايات، فيما بلغ عدد الأطفال المتهمين في القضية 13 طفلاً، من بينهم خمسة معتقلين والباقين غيابياً، ليستمرّ تدهور أوضاع المعتقلين ما بين التعذيب والتصفية الجسدية والتعذيب بمنع العلاج والدواء.
وكانت أولى جلسات محاكمة المتهمين في القضية قد بدأت في 30 أغسطس/ آب 2015 أمام المستشار شعبان الشامي، قبل أن يتمّ استبداله. وفي 30 يناير/ كانون الثاني 2022، أحال المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس المحكمة، أوراق 10 متهمين في القضية إلى المفتي، وهو الإجراء المتّبع قبيل إصدار أحكام الإعدام بحقّهم، وحدّد جلسة 19 يونيو/حزيران المقبل موعداً للنطق بالحكم في القضية.
وفي تقرير الشبكة المصرية، وُثّقت مأساة يوسف سمير، التي بدأت منذ أكثر من سبع سنوات ونصف سنة، وقد أُودع سجن العقرب شديد الحراسة فيما تُمنع الزيارات عنه للعام الخامس على التوالي.
ويوسف سمير محمد عبد اللطيف من سكان مدينة 15 مايو في حلوان جنوبي القاهرة، وقد ألقت قوات الأمن في محافظة القاهرة القبض عليه في الرابع من يوليو/ تموز 2014، عندما كان تلميذاً بالصف الثالث الإعدادي في السادسة عشرة من عمره. فأُوقف وتعرّض للاعتداء البدني، وحُبس تعسفياً، في أثناء سيره في أحد شوارع حلوان عند توجّهه إلى إحدى الصيدليات حيث يعمل بهدف مساعدة نفسه وأهله في فترة الإجازة الصيفية، وأُودع قسم شرطة حلوان. وبعد شهرين من حبسه، وفي أثناء وجوده في قسم شرطة حلوان، أُدرج اسمه في قضية "كتائب حلوان"، بحسب الشبكة.
ووفقاً لتقرير الشبكة، تعرّض الفتى لألوان مختلفة من التعذيب والتعديات الخطيرة على يد قوات الأمن بقسم شرطة حلوان، واستمرّ ذلك أياماً عدّة، وُضع خلالها في ما يسمى بالثلاجة، وعُذّب بالكهرباء في كلّ أنحاء جسده، خصوصاً في المناطق الحساسة، وبدت آثار التعذيب واضحة عليه. وتابع التقرير أنّ ذلك أتى "بالمخالفة لنصّ المادة 7 مكرر (أ) التي تنصّ على مراعاة واجبات وحقوق متولي رعاية الطفل، وحقه في التأديب المباح شرعاً، يحظر تعريض الطفل عمداً لأي إيذاء بدنى ضار أو ممارسة ضارة أو غير مشروعة".
وعلى الرغم من تقدّم أسرته بشكاوى عديدة أمام الجهات المختصة (المجلس القومي للطفل والمجلس القومي لحقوق الإنسان) ومكتب النائب العام، ومطالباتها بتوقيع الكشف الطبي عليه لإثبات التعذيب وعدم قانونية اعتقاله وهو طفل، وحبسه مع الجنائيين وكبار السن بالمخالفة لقانون الطفل، ومخالفة المادة 112 من قانون الطفل الذي نصّ صراحة على أنّه "لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين في مكان واحد، ويراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السنّ والجنس ونوع الجريمة"، فإنّ كلّ طلباتها وبلاغاتها قوبلت بالتجاهل.
وأكّدت الشبكة أنّ "يوسف ظلّ محبوساً داخل قسم شرطة حلوان مدّة عامَين وأربعة أشهر مع الجنائيين في زنزانة تحت الأرض مزدحمة جداً، لدرجة لا تسمح للشخص الواحد بالوقوف على قدمَيه، إضافة إلى انتشار المخدرات والتدخين والشجار والسباب، ما أثّر بالسلب على نفسية طفل". وبيّنت الشبكة أنّ ظروف الحبس المزرية تسبّبت في إصابته بأمراض جلدية وحساسية صدرية، من كثرة ما تعرّض له من روائح المخدرات والسجائر، وهو ما أدّى إلى إصابته بحالات إغماء وتدهور في صحته بشكل عام. وقد دفعت حالات الإغماء المتكرّرة التي كانت تصيبه في اتّجاه استدعاء الإسعاف مرّات عدّة لعلاجه.
وعن منعه من الزيارات، أوضحت الشبكة أنّه "عندما أتمّ يوسف السنّ القانونية (18 سنة)، تمّ ترحيله إلى سجن طرّة تحقيق، حيث كانت أسرته تقوم بزيارته بشكلٍ اعتيادي حتى آخر زيارة قامت بها الأسرة له يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بعدما جرى ترحيله إلى سجن العقرب شديد الحراسة 1، حيث منعت عنه السلطات المصرية الزيارات حتى اليوم". لم يقتصر الأمر على المنع من الزيارات، فقد تخطى ذلك إلى حدّ منع الأسرة من حضور الجلسات، لتصبح أقصى أمنياتها سماع صوته في أثناء نقله بالأتوبيس من المحكمة وإليها.
وعلى الرغم من ظروف الحبس الصعبة وغير الملائمة، فإنّ يوسف لم يُمنَع من استكمال تعليمه. وقد أكّد التقرير أنّه نجح بامتياز في امتحانات كلية دار العلوم في جامعة القاهرة وحصل على شهادتها، كذلك استمرّ تفوّقه العلمي في حفظ القرآن.
وفي ختام تقريرها، خلصت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، من خلال رصدها المستمر لحالات مشابهة، إلى تأكيد وجود حالات كثيرة من الأطفال (دون 18 عاماً) المعتقلين واستمرار حبسهم مثل ما حدث مع يوسف. أضافت أنّ ثمّة آلافاً من المعتقلين في السجون يقضون سنوات رهن الحبس الاحتياطي في كلّ مركز وقسم للشرطة أو مركز اعتقال قانوني وغير قانوني. من هنا، طالبت الشبكة بتحرّك جاد من قبل النائب العام والأجهزة المختصة لإنقاذ هؤلاء من مصير مجهول.