لبنان: القضاء يظلم عاملات المنازل مجدداً

28 أكتوبر 2020
تشردتا ولا حماية لهما (حسين بيضون)
+ الخط -

أصدر مجلس شورى الدولة (هيئة تتولى القضاء الإداري)، في لبنان قراراً بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يقضي بوقف تنفيذ قرارين صادرين عن وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمّين دويهي؛ الأوّل مرتبط بعقد العمل الموحّد الخاص بالعاملات والعمال في الخدمة المنزلية، والثاني يتصل بتحديد نسب الحسم من رواتب هؤلاء كتقديمات عينية، وذلك في معرض الدعوى التي أقامتها نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل (معظم العمال في الخدمة المنزلية هم من الإناث)، بذريعة الضرر البالغ الذي يلحق بها نتيجة القرارين.
ورفضت وزيرة العمل الردّ الآن على القرار، واكتفى مصدرٌ مقرّبٌ منها بالتأكيد أنّها تحضّر لموقف في الأيام القليلة المقبلة، تواجه فيه قرار مجلس شورى الدولة، الذي أوقف تنفيذ عقد، تعتبره دويهي خطوة متقدّمة جداً باتجاه إلغاء نظام الكفالة، في إنجاز حقّقته على هذا الصعيد.

يقول المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" (منظمة مجتمع مدني)، المحامي نزار صاغية، لـ"العربي الجديد"، إنّ مجلس شورى الدولة لا يعلّل قرارات وقف التنفيذ التي يصدرها، وقبوله وقف التنفيذ يدلّ على اعتباره الدعوى التي أدلت بها نقابة مكاتب الاستقدام جدية، وأنّ هناك أرجحية لقبولها، وللأسف بدلاً من أن تقف الدولة وأجهزتها مع الطرف الأضعف لحمايته، ها هي تمنح الطرف الأقوى امتيازات وسلطة مطلقة على كيان العاملة، وتوسيع رقعة ممارسات الاتجار بالبشر، مشيراً إلى أنّ المجلس توقف عند التدبير بأنه يضرّ بمصالح قطاعات مكاتب الاستقدام، ولم ينظر إلى العقد بأنّه يهدف إلى درء مخاطر ارتكاب جنايات كبرى. 
ويلفت صاغية إلى أنّ مطالب النقابة اتسعت رقعتها لتشمل مجمل البنود الواردة في العقد الموحّد، سواء المتصلة بوجوب تحديد ماهية العمل المنزلي، أو فرض حدّ أدنى للأجور، أو حدّ أقصى لساعات العمل، أو مدة الراحة الأسبوعية واليومية، والإجازات السنوية، والعطل، ونهاية الخدمة، وسجلت اعتراضها أيضاً على إلزام صاحب العمل بدفع بطاقة السفر في حال فسخ العقد على خلفية خطأ مرتكب منه أو باعتبار وفاة صاحب العمل سبباً لإنهاء العقد.
ديالا حيدر، وهي مسؤولة حملات لبنان في منظمة العفو الدولية، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ العقد كان بمثابة خطوة إيجابية ويضمن، في حال ترافق مع آلية تطبيقية لبنوده، حقوقاً أساسية للعاملة الأجنبية، أبرزها حقها في إنهاء عقد العمل، والاستقالة وتغيير صاحب العمل من دون أن تخسر إقامتها، وربط أجرها بالحدّ الأدنى للأجور، الأمر الذي كان من شأنه أن يكرّس المساواة، بالإضافة إلى دور العقد في تكريس حق العاملة بالاحتفاظ بجواز سفرها الذي كان يصادر بشكل بات أشبه بممارسة عرفية، والاحتفاظ بأوراقها الثبوتية وإقامتها وتصريح عملها، مع حرية التواصل والتنقل والإقامة خارج منزل صاحب العمل إذا رغبت بذلك، والحصول على غرفة لها داخل المنزل ما يوفر لها خصوصيتها. 
تضيف: "للأسف، فضّل مجلس شورى الدولة، في قراره، حماية نظام الكفالة ومكاتب الاستقدام على حقوق العاملات اللواتي يتعرّضن لأبشع أساليب وأنواع الاستغلال، في وقتٍ يمرّ فيه البلد، ولا سيما الفئات الأكثر هشاشة، بأسوأ وأصعب الظروف، ومنها العاملات المهاجرات. وسبق أن لمسنا تأثير الوضع الاقتصادي والأزمة المالية، وكذلك الصحية التي خلّفها فيروس كورونا وقرارات التعبئة العامة وإقفال البلاد، على العاملات، بتعرضهنّ لممارسات استغلالية وتركهن من دون أمتعتهنّ أو مستحقاتهنّ الشهرية، أو حتى أوراقهنّ الثبوتية وجوازات سفرهن على أبواب سفارات وقنصليات بلادهن، فيما بعض أصحاب العمل رفضوا دفع تكاليف تذاكر السفر لعودة العاملات إلى بلادهن. وبالتالي، فإنّ خطوة مجلس شورى الدولة جاءت بينما العاملات في أمسّ الحاجة إلى حماية قانونية". 
وتشدد حيدر على أنّ القرار جاء ليذكّرنا بمدى أهمية تعديل قانون العمل ليشمل بحمايته عاملات المنازل، وهذه أولوية يجب أن تكون على جدول أعمال جلسات مجلس النواب (البرلمان) مكرّرة، فـ"إلغاء نظام الاستغلال، وهو المعروف بنظام الكفالة، يتطلب خطة عمل شاملة لوضع حدّ للنمط المعيب لانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق العمل التي تعاني منها عاملات المنازل المهاجرات في لبنان".
في المقابل، يقول نقيب أصحاب مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في لبنان علي الأمين، لـ"العربي الجديد": "اتخذنا صفة الادعاء الشخصي، ولجأنا إلى الطرق القضائية، بعد تغييب دورنا في الملف، واستبعادنا عنه، علماً أنّنا في صلب القطاع، ومن ذوي الخبرة، وسبق أن قدّمنا ملاحظاتنا بشأن النسخة التي أحيلت لاحقاً إلينا، ولم يؤخذ بها، وكأنّ وزارة العمل تتسابق مع الوقت بالتزامن مع استقالتها، فأقرّته وقالت بتنفيذه عند الكاتب العدل على وجه السرعة. ونحن اليوم للأسف نخلق المشاكل، في وقت يعيش القطاع أسوأ فتراته، اقتصادياً، وفاقمته أزمة فيروس كورونا، ويحتاج إلى لملمة، وسدّ ثغرات عدّة، لا فرض معايير جديدة يصعب تطبيقها في المرحلة الراهنة، وتحتاج أصلاً إلى توقيع اتفاقيات مع الدول مكان إقامة العاملات تبعاً لعقد خاص ونموذجي". 

ويشير إلى أنّ العقد يحتاج في بعض بنوده الى تدوير زوايا وإعادة نظر وتدقيق، خصوصاً المتعلق بزيادة الحدّ الأدنى لأجور العاملات الأجنبيات، وهذا أمر صعب، في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية في البلاد، وفي وقتٍ يشهد انقطاعاً في العملة الصعبة في السوق، فيما شراؤها من الصرافين يكون بأكثر من 5 أضعاف سعر الصرف الرسمي، وسبق تسجيل مشاكل كثيرة في هذا الإطار، دفعت العاملات إلى مغادرة لبنان بعدما طالبن بتقاضي رواتبهن بالدولار أو تبعاً لسعر الصرف في السوق السوداء. كذلك، هناك اعتراض على البند المتعلق بفسخ العقد، الذي يجب أن يكون بصياغة مختلفة، فلا يكون ترك العاملة للمنزل خاضعاً لمزاجية معينة، وتحميل المسؤولية فقط لصاحب العمل أو مكتب الاستقدام.

المساهمون