استمع إلى الملخص
- **التسول كتجارة ومافيا**: التسول في العراق تحول إلى تجارة تديرها مافيات تستغل الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة. الحملة كشفت عن شبكات تسول تشكل مخاطر أمنية وتم اعتقال العديد من المتسولين.
- **التأثيرات المجتمعية والحلول المقترحة**: تنامي ظاهرة التسول له تأثيرات خطيرة على المجتمع. الناشطون يطالبون ببرامج حكومية توعوية ودعم المحتاجين. وزارة العمل تنسق لإعادة تأهيل الأحداث وتدريبهم للحصول على عمل.
تُنفّذ السلطات الأمنية منذ أسابيع حملة واسعة لمكافحة التسول في العراق الذي تنامى بشكل واسع وسط المجتمع، وبينما يتم اعتقال العشرات من المتسولين، يؤكد مسؤولون أن الظاهرة تحوّلت إلى تجارة، تقودها مافيات خطيرة. ويُعَدّ التسول في بغداد والمحافظات الأخرى مقلقاً بالنسبة للأجهزة الأمنية، في ظلّ ارتفاع أعداد المتسولين من أعمار مختلفة ومن كلا الجنسَين، ومن جنسيات مختلفة، فيما تواصلت عمليات اعتقال عشرات منهم في فترات سابقة.
الحملة العراقية التي جاءت بتوجيهات عليا للحد من انتشار الظاهرة، لم تستثن أيا من المحافظات، وتجري بحسب المعلومات الأمنية المتوفرة عن مواقع وجود المتسولين وتحركاتهم.
حملة لتحجيم التسول في العراق
ووفقاً لعضو لجنة الأمن في البرلمان العراقي، النائب علي نعمة، فإن "وزارة الداخلية العراقية تقود منذ أسابيع حملة واسعة لمكافحة التسول في المحافظات"، مؤكدا في تصريح صحافي أمس الأربعاء، أن "هناك أسبابا موجبة لهذه الحملة، أولها معالجة ظاهرة سلبية، وأن بعض المتسولين هم أدوات للجريمة، وسجّل العديد من عمليات السرقة، فضلا عن أن فيها بعدا أمنيا لأن المتسولين يمكن استغلالهم في أبعاد عدة".
وأضاف أن "التسول في العراق ليس ظاهرة مستجدة، بل موجود منذ سنوات عدة، ويعكس ملامح الفقر والعوز، لكنه تحول في السنوات الأخيرة إلى أشبه بالتجارة التي تديرها مافيات تقوم باستغلال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال"، مشيرا إلى أن "هناك متسولين من جنسيات عربية وأجنبية وأعدادهم ليست قليلة، وأن دخولهم إلى العراق كان عن طريق التهريب أو من خلال سفر لفترة محدودة ثم يحاولون التواري عن الأنظار ويعمدون إلى التسول". وأوضح أن "الأمن ضبط العشرات منهم، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم ومنها إعادتهم إلى بلدانهم".
من جهته، أكد الرائد في جهاز الشرطة العراقي، حيدر الغراوي، أنّ "الحملة أطلقت بتوجيه من قبل الجهات العليا، وأنها تنفذ في عموم محافظات البلاد عدا محافظات الإقليم"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب الحملة جاءت بعد زيادة خطيرة في أعداد المتسولين في الشوارع والتقاطعات وفي المناطق السكنية والأسواق وغيرها، كما أن اعتقال عدد من المتسولين كشف عن مافيات تقود شبكات للتسول في البلاد، وأنها تشكل مخاطر أمنية".
وأشار إلى أن "الحملة هي الأوسع من نوعها في البلاد، وقد سبقت بحملات على مستوى محدود في الفترات السابقة، وتم اعتقال العشرات من المتسولين ويجري التحقيق معهم"، مشيرا إلى أن "التسول أصبح مهنة وتجارة، وأن الكثير من المتسولين ليسوا من الفقراء، إلا أنهم امتهنوا التسول لسرعة تحقيق الكسب والمبالغ الكبيرة التي يدرها عليهم".
وحذّر الأهالي من "خطورة المتسولين، خاصة الذين يطرقون أبواب البيوت، إذ إن بعضهم ينتمي لعصابات خطيرة، وقد تم تسجيل جرائم جنائية مختلفة عن طريق المتسولين"، مؤكدا أن "الحملة ستستمر حتى يتم القضاء على الظاهرة".
ميدانيا، أعلنت قيادة عمليات بغداد، الجهة المسؤولة عن أمن العاصمة، قبل يومين ضبط 32 متسولاً في جانب الرصافة من بغداد، وقال إعلام العمليات في بيان، إنه "ضمن الخطط والتوجيهات، تم اعتقال المتسولين ومن بينهم نساء وأطفال"، مبينا أن "الاعتقالات تمت بمناطق الكرادة والأعظمية وبغداد الجديدة والشعب، بجانب الرصافة من بغداد".
وأفاد بأنه "تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم، وأن القوات الأمنية مستمرة بحملاتها في جميع المناطق بهدف منع هؤلاء المتسولين من الوجود في الشوارع والطرقات والتقاطعات العامة".
ويُحذر مختصون بالشأن المجتمعي من تنامي ظاهرة التسول في العراق وتأثيراتها الخطيرة على المجتمع، محملين الأجهزة الأمنية مسؤولية وضع حد لها.
وقالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، سعاد السلطاني، إن "حملة مكافحة التسول مهمة جدا لما لهؤلاء من مخاطر أمنية ومجتمعية، خاصة مع سهولة دمجهم بعصابات خطيرة، وهذا ما يحدث فعلا". وأكدت لـ"العربي الجديد"، "ضرورة أن يكون العمل على محاربة الظاهرة من جوانب عدة، فإلى جانب الاعتقال والملاحقة القانونية، نحتاج إلى برامج حكومية توعوية، وفتح ملفات للمتسولين لمعرفة المحتاجين منهم خصوصا الأطفال، ليتم احتضانهم وتقديم الدعم لهم وزجهم في المؤسسات التعليمية". وشددت على أن "الأخطر في الظاهرة هم الأطفال، لأن عدم احتوائهم ينتج لنا جيلا منحرفا خطيرا".
وتسبّبت الظروف التي يُواجهها العراق في العقدين الماضيين، بعد الغزو الأميركي للبلاد، في تزايد الفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تضاعف عدد المتسولين من الشباب والأطفال من كلا الجنسَين، فيما يُستغَلّ هؤلاء أحياناً من قبل شبكات مختصّة بالتسول، لا سيّما في بغداد. ولا تملك السلطات العراقية أي إحصاءات رسمية عن عدد المتسولين في البلاد.
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، قد أفادت في وقت سابق بأنّها رصدت حالات تسول وتشرّد لأحداث (دون السنّ القانونية)، مؤكدة أنّها تنسّق مع الجهات الأمنية وتحديداً وزارة الداخلية من أجل إيداعهم (الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً) دور المشرّدين التابعة للوزارة، لغرض إعادة تأهيلهم وتدريبهم للحصول على عمل في حال الإفراج عنهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومات العراقية المتعاقبة واجهت انتقادات حادة بسبب تقصيرها في متابعة ملفّ التسول، الأمر الذي دفع الحكومة الحالية إلى تنفيذ حملات اعتقال وفتح تحقيقات مع المتسولين.