طقوس رمضان شمال غربي سورية... من كل المحافظات
ميس عبد الحميد
- في إدلب، استقبل السكان المحليون الوافدين بحفاوة، مشاركين في تقاليد رمضانية مشتركة مثل حلاوة الجبن والبوظة المقلية، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة وتحديات الحرب.
- استمرار بعض العادات الرمضانية مثل صلوات العشاء والتراويح في المنازل وتبادل الأطعمة الخاصة يعكس الصمود والتضامن بين السكان، مؤكدًا على قوة العلاقات الإنسانية والثقافية في مواجهة الشدائد.
جمعت مناطق شمال غربي سورية مواطنين من أنحاء البلاد خلال سنوات الثورة، وبينهم من جرى تهجيرهم قسراً، أو اجبروا على النزوح تحت ضغط اشتداد المعارك. وهكذا امتزجت عادات السكان الوافدين مع تلك لسكان المنطقة، وأيضاً عادات الوافدين من مختلف المناطق.
وبالنسبة إلى طقوس شهر رمضان الخاصة بالمأكولات والمشروبات الشعبية اكتسب أهالي إدلب الكثير منها من المجتمعات الوافدة، كما نقلوا بعض عاداتهم إلى هذه المجتمعات فباتت طقوس رمضان تجمع بين مدن سورية عدة رغم غياب بعضها عن أسر كثيرة بسبب الفقر. أما الوافدون فنشروا المأكولات والمشروبات الشعبية المشهورة في مناطقهم، بعضهم من خلال افتتاح محلات تجارية خاصة بأصناف مأكولات رمضانية معيّنة، أو من خلال تبادل أطعمة مع الجيران، وتبني بعض العادات.
ولاقت المأكولات والحلويات الخاصة بمدينة حمص، مثل حلاوة الجبن والبوظة المقلية، قبولاً كبيراً في إدلب التي تشتهر بدورها بالشعيبيات التي تعتبر من بين أهم الحلويات الشعبية المعروفة، وأيضاً بمأكولات خاصة مثل الكبة النيئة وشوربة العدس وغيرها.
تقول دلال عبيد، وهي من مدينة إدلب لـ "العربي الجديد": "أجبرتنا ظروف الحرب على التخلي عن الكثير من عاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن آبائنا، مثل جمعة العائلة وولائم الإفطار في رمضان، والتي تبدأ من جمعة الأخ الأكبر وتنتهي بالأخ الأصغر حيث يتواجد الأهل في كل منها، لكن الظروف القاسية التي نعيشها والتأثيرات السلبية للوضع الاقتصادي الصعب وغياب معظم أفراد العائلة والأقارب جعلتنا نتقرّب بالدرجة الأولى من الجيران الذين قدِم غالبيتهم من محافظات أخرى".
تضيف: "نتبادل مع جيراننا من دمشق تحديداً أصناف طعام من خلال السكبة في شهر رمضان، وقد عرفناهم إلى الكبة النيئة وشوربة العدس، وكلاهما من المأكولات الرمضانية الشعبية في إدلب. وهم أعجبوا بمأكولاتنا وطلبوا معرفة طريقة تحضيرها، في حين تعلمت منهم طريقة تحضير الفقسة الشامية التي تشبه إلى حد كبير الفتة أو التسقية التي سبق أن تذوقناها في أحد المطاعم الشامية بمدينة إدلب".
وتشير إلى أنه "من أجمل العادات الشعبية التي اعتدنا عليها فتح بيت لسكان العمارة طوال شهر رمضان من أجل أداء صلاة العشاء والتراويح للرجال الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الجامع، وتنظيم حلقات للذكر وأداء الصلاة للنساء في المنزل، علماً أن هذه العادة كانت تقتصر على الأقارب فقط، لكن تفرّقهم جعلها للجيران أيضاً".
ويتحدث ماجد الشامي، وهو شيف في مطعم بمدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، عن أهم المأكولات الشعبية التي تشتهر بها مدينة دمشق، مثل الفتات الشامية بأنواعها، وبينها فتة الروس والمقادم، ويقول: "لاقت الفقسة إقبالاً غير متوقع من سكان المنطقة رغم أنهم لم يعرفوها سابقاً، وأصبحت صنفاً رئيساً على موائد رمضان، ثم دفع غلاء الأسعار معظم الناس إلى شراء مواد الفقسة من أجل تحضيرها في المنزل، وأصبحنا نبيع مكوناتها الأساسية من خبز مقلي وصلصات وحمص مسلوق عبر وضعها في أكياس تمهيداً لتحضيرها في المنزل قبل الإفطار".
ويوضح أن طريقة تحضير الفقسة الشامية تشمل نقع الحمص ليلة كاملة، وسلقه في اليوم التالي تمهيداً لأخذ المرقة ووضعها في خلاط مع قليل من الملح والثوم. وأثناء الخلط يُضاف الزيت إلى المزيج، ثم يفرش الخبز المحمّر في وعاء ويشرّب بماء سلق الحمص، وبعدها يوضع عليه الحمص المسلوق وفوقه مزيج الفقسة والكمون".
يضيف: "تشتهر مدينة دمشق بالتمر والعرق سوس الذي يعتبر أحد أهم مشروبات شهر رمضان، ويجري تحضيره بطريقة تقليدية ويجري بيعه في الشوارع قبل الإفطار. وهو ذات فوائد طبية عدة، ويمزج مع قليل من كربونات الصوديوم والماء ثم يوضع في شاشة وينقط عليه قطرات ماء تدريجاً للحصول على أطيب مشروب يبرّد بقطع من الثلج، علماً أنه يُباع أيضاً جاهزاً بأكياس بأحجام مختلفة بحسب الرغبة".
إلى ذلك يُعد الجلاب من المشروبات الرمضانية المشهورة بسبب طعمه اللذيذ وقدرته على الحماية من العطش لمدة طويلة، وإعطاء الجسم طاقة كبيرة من أجل تحمّل ساعات الصيام. ويقول عبد السلام مارديني، وهو نازح من مدينة حمص إلى إعزاز في ريف حلب، لـ"العربي الجديد": "أبيع منذ 4 سنوات الجلاب طوال شهر رمضان، علماً أنه لم يكن معروفاً في ريف حلب، بخلاف العرق سوس والتمر الهندي، وهو مصدر رزقي لكسب قوت يومي، ويلاقي إقبالاً كبيراً من سكان المنطقة. وأنا أحضر كمية كبيرة منه يومياً وأبيعها في سوق المدينة، ثم أوزع قبل الأذان ما تبقى لأي عابر سبيل أو لمن لم يستطع شرائه، وهذه عادة رمضانية ورثتها عن أبي والتي أفتخر بها وأثق بأنها تبارك رزقي، فأعود إلى منزلي حاملاً لأطفالي كعك رمضان (معروكة) وقمر الدين (مشمش مجفف على شكل رقائق)، وهي من الضروريات".
يتابع: "تخلينا عن عادات كثيرة رغماً عنا بسبب النزوح والتشرد وابتعادنا عن العائلة التي أصبح أفرادها ينتشرون في بلدان العالم، ولا يمكن التواصل معهم إلا عبر الهاتف للاطمئنان عليهم، وتأكيد أنهم لا يزالون أحياء، وأنهم مشتاقون للمّة العائلة بكل تفاصيلها وبساطتها".
يتابع: "من أهم العادات الرمضانية التي كنا نفتخر بها ونمارسها في حمص، إصلاح ذات البين بين عائلتين قبل أن يأتي شهر رمضان، ثم ننظم وليمة إفطار، ونمضي ليالي رمضانية عامرة بالمحبة والتسامح".