سلاح ألمانيا.. أيادي متطرفي اليمين على الزناد

17 نوفمبر 2022
خلال عملية أمنية لإحباط هجوم على مركز تجاري في ميونخ (يورغ كوخ/ Getty)
+ الخط -

يزداد الميل لاستخدام العنف في ألمانيا. وتكشف أرقام أن جرائم القتل بالسلاح تودي بحياة 155 شخصاً سنوياً، وأنها باتت أكثر خطورة وقدرة على هزّ المجتمع، وهو ما حصل في مدن مثل هالي وهاناو وهايدلبرغ وكاسل، حيث قضى عشرات الضحايا. 
ويبدو واضحاً أن اليمينيين المتطرفين وغيرهم من أعداء الديمقراطية باتوا يشكلون خطراً أمنياً داهماً على المجتمع، مع تزايد تصاريح حيازة الأسلحة الممنوحة لهم عاماً بعد عام، وهو ما يطالب خبراء بأن تتعامل السلطات بجدية معه من خلال إجراءات وتشريعات مناسبة، خصوصاً أن تقارير تشير إلى أن حوالي مليون شخص في ألمانيا يملكون أكثر من 5 ملايين قطعة سلاح.  

قضايا وناس
التحديثات الحية

ونقلت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية أخيراً عن تقرير أعدته أجهزة الاستخبارات الداخلية الألمانية أن "350 من المنتمين إلى اليمينيين المتطرفين الذين يطلقون على أنفسهم اسم مواطني الرايخ، ويعتقدون بأن جمهورية ألمانيا الاتحادية ليست دولة شرعية، يتدرّبون على الرماية في نوادٍ متخصصة في البلاد وخارجها، استعداداً لاستخدام العنف، وبينهم أعضاء في أحزاب مثل حركة الهوية، وحزب البديل من أجل ألمانيا الذي يضم نواباً في البرلمان الاتحادي وبرلمانات الولايات، وآخرون ينتمون إلى مجموعات قتالية محظورة مثل الدم والشرف أو كومبا 18".
وأوضح التقرير أن "متوسط أعمار ممارسي الرماية يبلغ 40 عاماً، وبينهم نساء يشاركن عادة مع شركائهم، وينضممن إلى مجموعات. وغالبية المتدربين من أصحاب الحرف والمهن، فيما ينتمي آخرون إلى فئات الطلاب ورجال الأعمال والموظفين في القطاع العام والمتقاعدين". 
وكانت تقارير أمنية قد أكدت أن منفذ جريمة قتل في هاناو، ومرتكب عملية اغتيال السياسي فالتر لوبكه في الثاني من يونيو/ حزيران 2019، زارا ميادين للتدرب على الرماية قبل الجريمتين. 

خطر نوادي الرماية
وأشار تقرير الاستخبارات الداخلية أيضاً إلى أن "نسبة 35 في المائة من المتطرفين اليمينيين الذين يزورون نوادي الرماية لا يملكون تصاريح حمل سلاح، وهم معروفون من الشرطة". وحلل بأن "الأرقام المتعلقة بالجرائم ذات الدوافع السياسية تبرز الخطر الذي يمكن أن تشكله زيارات اليمينيين المتطرفين إلى نوادي الرماية". 
وأظهرت تقارير أخرى استندت إلى تقارير الشرطة، وأحدها لصحيفة "دي فيلت"، أن "عمليات القتل والاعتداءات الجسدية تحصل أيضاً لأسباب عاطفية أو بهدف الانتقام، وتكشف تفاقم المشاكل التي تحصل بين أفراد من أصول مهاجرة ينتمي بعضهم إلى عشائر، وكذلك الصدامات مع جماعات في أوروبا الشرقية، والتي تنتج من خلافات تتعلق بتجارة الممنوعات أو الثأر، وصراعات النفوذ في أحياء بمدن كبيرة". 

خلال تظاهرة في برلين ضد اقتناء الأسلحة وتصديرها (كريستوف ستاخي/ فرانس برس)
خلال تظاهرة في برلين ضد اقتناء الأسلحة وتصديرها (كريستوف ستاخي/ فرانس برس)

... إلى الخارج
ولفت تقرير الاستخبارات الداخلية أيضاً إلى أن ميادين الرماية خارج ألمانيا تحظى بشعبية خاصة، كونها تتهرب إلى حد كبير من الضوابط الرسمية التي تفرضها البلاد، وتوفر خيارات أكثر للرماة على صعيد تنوّع الأسلحة في بلغاريا وفرنسا وبولندا وجمهورية التشيك، علماً أنه يمكن التدرب في بلغاريا على استخدام رشاشات أوتوماتيكية بالكامل، وإطلاق النار التكتيكي القتالي في بولندا.
وألمح التقرير إلى أن "الأشخاص الذين لا يملكون رخص حمل سلاح يرغبون في السفر إلى أماكن بعيدة لممارسة نشاطاتهم. وفي بلغاريا، يحب المتطرفون اليمينيون الألمان الجمع بين إطلاق النار والمشاركة في مسيرة لوكوف السنوية التي تستضيفها العاصمة صوفيا في شهر فبراير/ شباط، وتشهد تكريم الجنرال هريستو لوكوف الذي اعتبر أحد أكبر مؤيدي الهولوكست في بلغاريا خلال الحرب العالمية الثانية". 

رفض سياسي
وفي غمرة هذه التقارير المقلقة، انتقد المتحدث باسم السياسة الداخلية لكتلة حزب الخضر البرلمانية مارسيل أمريش حقيقة تدرب "النازيين الجدد" على السلاح، وسأل خلال حديثه مع شبكة "إيه آر دي": "أي معرفة يكتسبها المتطرفون من استخدام أسلحة تشكل خطراً على الأمن العام؟" في إشارة إلى أن القانون يسمح للأشخاص المصنفين بأنهم يمينيون متطرفون بالتدرب في ميادين الرماية، مثل جميع المواطنين الألمان، إلا في حال حظرت السلطات استخدام أحدهم السلاح لأسباب فردية. 
ومن أجل تعزيز التحكّم بدورات التدريب على الرماية النشطة في الخارج، اقترح أمريش تعديل قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن حيازة الأسلحة النارية، علماً أن لا لوائح لهذا الأمر على المستوى الأوروبي، وتتولى الولايات الفيدرالية تنظيم مناطق الصيد والرماية.
وطالب أمريش "بتقييد امتلاك الأسلحة، بعدما أظهرت جرائم السنوات الأخيرة أن هذا الأمر ضروري جداً، فيما اعتبرت الباحثة في جامعة دريسدن التقنية، داغمار اليربروك، أن امتلاك السلاح ليس حقاً بل امتيازاً يمنح إلى مجموعة مميزة ومحددة يجب أن تكون مؤهلة لذلك. 
ودعا أميريش إلى "اعتماد قواعد واضحة وفحص أمني لزوار مراكز الرماية، من أجل ضمان عدم تعلّم المتطرفين اليمينيين استخدام السلاح الحربي. وفي المستقبل نحتاج إلى فرض قواعد لا تسمح بممارسة الرماية إلا بعد الخضوع إلى اختبار مسبق".
وعموماً إذا أراد شخص حيازة سلاح فيجب أن يحصل على رخصة، أما من يريد التدرّب على السلاح في ميدان رماية ببنادق مستعارة فلا يحتاج إلى ذلك. 
ويوضح الخبير في قانون الأسلحة أندريه بوشيه أن الأشخاص الذين لا يستطيعون شراء سلاح مرخص لأنهم يملكون سجلاً إجرامياً يمكن أن يتدربوا على إطلاق النار في ميادين الرماية، والقانون لا يفرض احتفاظ مشغلي نوادي الرماية بسجلات الزوار، ومواعيد التدريبات. 

 

تحركات حكومية
وأخيراً، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر عزمها إجراء مراجعة لقانون حيازة السلاح، وأكدت أن مسؤولي الوزارة يعملون حالياً على صياغة مسودة قانون تطبق ما جرى الاتفاق عليه في ورقة ائتلاف إشارات المرور الحاكم. أما الأهم فيبقى أن ينظر البرلمان الألماني (البوندستاغ) في التحديات، وبينها كيفية جعل حاملي التراخيص أكثر التزاماً، وتعزيز القدرة على التحكم بأنشطتهم، وتعزيز وسائل سحب كميات أكبر من الأسلحة غير الشرعية، ومنع الوصول إلى أسلحة فتاكة لمن لا يجب أن يملكوها. 
وتستهدف خطط الحكومة تحسين تبادل المعلومات بين الدوائر، والقدرة على الحصول على معلومات من القطاع الصحي بشأن احتمال إصابة مقدم طلب الحصول على رخصة بمرض نفسي. وهي تدرس أيضاً اعتماد فحص الصحة العقلية قبل إصدار أو تجديد تصاريح الحيازة، خصوصاً أنه تبين معاناة العديد من مرتكبي الجرائم من أمراض نفسية، وبينهم منفذ عملية القتل العنصرية في هاناو عام 2020 التي خلّفت 9 ضحايا من أصول أجنبية، وشهدت قتل المنفذ والدته ثم انتحر.

ليس السلاح في ألمانيا للصيد والرماية فقط (أرثور فيداك/ Getty)
ليس السلاح في ألمانيا للصيد والرماية فقط (أرثور فيداك/ Getty)

الهجمات بسكين 
ونقلت صحيفة "نويه تسوريشر"، استناداً إلى نقابة الشرطة الألمانية، أن "الهجمات بسكين زادت أيضاً في ألمانيا، لكن الإحصاءات لم تثبت ذلك بشكل قاطع، بسبب النقص في البيانات على مستوى البلاد، رغم أن إدارات بعض الولايات بينها فستفاليا التي تعتبر من الأكثر احتضاناً للسكان، أحصت حوالي 5780 حادث طعن بسكين عام 2019، قبل أن ينخفض إلى 4669 عام 2020، و4397 العام الماضي، وهو ما عزته السلطات إلى تفشي جائحة كورونا الذي ترافق مع إغلاقات كاملة أحياناً. 
واللافت أن ضباط الشرطة أصبحوا أيضاً ضحايا للهجمات باستخدام سكين. وأفاد مسح أجري في الولاية ذاتها العام الماضي، أن موظفاً رسمياً واحداً على الأقل يتعرض لهجوم بسكين أسبوعياً.  
أيضاً تدهور الوضع في برلين. وكتبت صحيفة "برلينر تاغستسايتونغ" أن عدد الهجمات بسكين ارتفع العام الماضي بنسبة 7.1 في المائة مقارنة بعام 2020، وصولاً إلى نحو 8 مرات يومياً، ما اضطر ضباط الشرطة إلى التدخل، أو التعرض بدورهم لهجمات معاكسة. 
وعن دوافع الشباب لحمل سكين، يقول نائب رئيس نقابة الشرطة ميخائيل مارتينز، إن "الشباب يتأثرون ببعضهم البعض، فاذا حمل أحدهم سكيناً يندفع أصدقاءه بدورهم لاقتنائه. ويعتبر بعض الشبان أن الخروج بسكين إلى أماكن عامة أمر رائع، والخطر الأكبر يكمن في أن الشخص الذي يحمل سكيناً بشكل دائم، يجري تشجيعه على استخدامه في حال حصول نزاع. وثبت للشرطة أن معظم المهاجمين بسكين متوهمون أو مخدرون أو مرضى نفسيون".

يشار إلى أنه جرى تجهيز الشرطة في ولايات عدة بأجهزة صعق كهربائي مصنوعة من البلاستيك والمعدن وتعمل حتى مسافة 7 أمتار، وتتسبب في إعاقة حركة الشخص الذي تصيبه لمدة ثوانٍ، ما يسمح للشرطة بنزع سلاح المعتدي أو أي آلة حادة يملكها، علماً أن القانون الألماني يمنع حيازة سكين يزيد طول نصلها عن 12 سنتيمتراً.

المساهمون