مع استمرار موجات النزوح في لبنان تزامناً مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، تتزايد الحاجة إلى الرعاية الصحية، خصوصاً داخل مراكز الإيواء التي باتت تضم عشرات آلاف النازحين.
ينشط أكثر من مائة طبيب لبناني تابعين لنقابة الأطباء في بيروت، إضافة إلى عدد كبير من الأطباء الموفدين من وزارة الصحة العامة، ومن منظمات وجمعيات دولية غير حكومية، في معاينة النازحين اللبنانيين وتوفير الخدمات لهم، من خلال أكثر من 255 عيادة طبية نقالة و233 مركزاً للرعاية الصحية الأولية.
وانطلقت المبادرة الإنسانية بتوجيهات من وزارة الصحة، وتهدف إلى تخفيف وطأة النزوح عن كاهل المواطنين الذين هجّرتهم آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، وتجول العيادات النقالة مرتين في الأسبوع على مختلف مراكز الإيواء الموزّعة في العاصمة بيروت وبقية المناطق، فيما تنظّم فرق طبية تابعة لمنظمات دولية وجمعيات محلية جولات شبه يومية لتفقد الأحوال الصحية للنازحين.
وتحدثت لجنة الطوارئ الحكومية عن فتح 1173 مركزاً معتمداً لاستقبال النازحين لغاية 18 من الشهر الجاري. وقد بلغ عدد مراكز الايواء المعتمدة التي وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى 981 مركزاً. ووصل العدد الإجمالي للنازحين المسجلين إلى 187992 نازحاً (44322 عائلة) في مراكز الايواء، وسجلت النسبة الأعلى للنازحين في محافظة جبل لبنان وبيروت، ولكن المقدّر أن عدد النازحين هو أعلى بكثير.
يوضح مدير العناية الطبية في وزارة الصحة، جوزيف الحلو، لـ"العربي الجديد"، أن "أكثر من 255 عيادة نقالة تقوم بجولات على النازحين في مراكز الإيواء بمعدل مرتين في الأسبوع، وتضم كل عيادة فريقاً من الأطباء يقوم بمعاينات، ويوزع الأدوية على المرضى، ومن ضمنهم أطباء متطوعون من عدد من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية، إلى جانب أطباء الوزارة. أما مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تم ربطها بمراكز الإيواء، فيبلغ عددها 233 مركزاً، ويتم تزويدها بما تحتاجه من أدوية من قبل وزارة الصحة، لتقوم بتوزيع الأدوية على المرضى من النازحين، مع الإشارة إلى أن كل مركز رعاية صحية أولية يخدم نحو أربعة مراكز إيواء متجاورة".
ويكشف الحلو أن "مراكز الإيواء تخطت الألف مركز، وهذا رقم مرعب، وهنا تأتي أهمية العيادات النقالة وخدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية، خاصة مع بدء فصل الشتاء وما يرافقه من أمطار وصقيع، إلى جانب ما تعانيه مراكز الإيواء من مشاكل، ناهيك بالوضع الاقتصادي المزري". ويقول: "كنا نستقبل الجرحى والمصابين في المستشفيات الحكومية والخاصة منذ بداية تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي، قبل أن تشتد الحرب وينزح نحو ثلث الشعب اللبناني، وهذه سابقة، ولولا محبة الشعب اللبناني وتعاضده، لكان وقع الأزمة الإنسانية أكبر، ونأمل أن يبقى اللبنانيون يداً واحدة في مرحلة السلم، وليس فقط خلال الحرب".
ويقول نقيب أطباء بيروت، يوسف بخاش، لـ"العربي الجديد"، إنه "تم ربط مراكز الرعاية الصحية الأولية بمراكز الإيواء، كما أن أكثر من 100 طبيب يشاركون عبر النقابة في العيادات الطبية النقالة التي تنطلق من مراكز الرعاية الصحية الأولية، وتغطي النقابة أتعاب الأطباء غير المتطوعين، وتضم العيادات النقالة أطباء من اختصاصات الطب العام والطب العائلي والطب النسائي وطب الأطفال، وستشمل الآلية لاحقاً معالجين نفسيين ومعالجين فيزيائيين وممرضات وممرضين، وقد درسنا هذه الآلية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لكنها تحتاج إلى التمويل، وقد لمسنا تجاوباً من منظمة الصحة العالمية التي قد تساهم بعملية التمويل".
ويوضح بخاش أنّ "نصف مراكز الرعاية الصحية الأولية مموّل من قبل وزارة الصحة، في وقت تتولى جمعيات ومؤسسات أجنبية تمويل النصف الآخر، من بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود ومنظمة مالطا ومستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الذي يؤمن التمويل لمركز الرعاية لديه، والذي يعمل تحت غطاء وزارة الصحة".
ويؤكد نقيب أطباء بيروت "أهمية مبادرة رعاية المرضى في مراكز النزوح، خاصة أن داء الجرب انتشر قبل فترة في عدد من مراكز الإيواء بالعاصمة، وسجّلت عشرات الإصابات. تواصلنا مع وزارة الصحة بشكل فوري، وتمّ تأمين الدواء، وتمكّنا من السيطرة على الوضع، وظهرت حالات كوليرا في عكار (شمال)، خمسة منها في مركز للنازحين. ومع بدء فصل الشتاء، تنتشر الأمراض التنفسية كالإنفلونزا، وأمراض محتملة من بينها أمراض الجهاز الهضمي مثل الإسهال والكوليرا، والأمراض الجلدية".
بدورها، تؤكد طبيبة الصحة العامة وطوارئ الأطفال في منظمة "أطباء بلا حدود"، نانسي أبي عساف، لـ"العربي الجديد"، أن "العيادات الطبية النقالة والفرق الطبية التابعة للمنظمة، والبالغ عددها 22، تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة، وتجول في العاصمة بيروت وفي مدينة صيدا (جنوب) وفي محافظات جبل لبنان والبقاع وبعلبك – الهرمل والشمال وعكار. وتشمل الجولات مراكز الإيواء الرسمية يومياً من الاثنين إلى الجمعة، والمستوصفات ومراكز الإيواء العشوائية، كما عاينت الفرق النقالة في وقت سابق النازحين على الكورنيش البحري في منطقة عين المريسة في بيروت من وقت لآخر، وتوفر المعاينات والأدوية المطلوبة، ويتمركز فريق طبي للمنظمة في مبنى العازارية (وسط بيروت) بشكل شبه ثابت لمعاينة النازحين، وهناك مراكز إيواء نضطر لزيارتها أكثر من مرة، بسبب تزايد الحاجات، فالوضع سيئ ومحزن".
وتضيف أبي عساف: "بدأنا جولات العيادات الطبية النقالة منذ بداية أزمة النزوح الكبيرة، أي قبل أكثر من شهر، وتتألف كل عيادة من طبيب متخصص إلى جانب ممرّض يتولى قياس ضغط الدم ومستوى السكري وتوزيع الأدوية وفق وصفة الطبيب، إضافة إلى شخص معني بإبلاغ النازحين بوجود فريق العيادة النقالة، ورصد الحالات المرضية مثل داء الجرب، وإحصاء عدد طريحي الفراش كي يقوم الفريق بتفقد أحوالهم الصحية، وتوفّر كل عيادة نقالة خدمات الدعم النفسي من خلال شخصين على الأقل".
تتابع: "هناك تنسيق متواصل بين مختلف فرق العيادات النقالة التابعة للمنظمة، إذ نتابع حالات صحية معينة، ونقوم بتبادل الخبرات، واستشارة المراجع الطبية لدينا. نواجه حالات متعددة، من بينها حالات الأمراض المزمنة، أو مرضى لا يعرفون حقيقة مرضهم، أو لا يعرفون أسماء أدويتهم، أو تركوا الوصفة الطبية في المنزل كونهم نزحوا على عجل. لذا نضطر لإعادة فحص المريض، وتقييم وضعه الصحي عبر الفحوص السريرية، فلا يمكن لنا للأسف القيام بفحوص مخبرية، وعلى ضوء ذلك، نقوم بتحويل بعض الحالات إلى أقرب مركز للرعاية الصحية الأولية، أو إلى المستشفى بعد التواصل مع وزارة الصحة، كما نتابع الوضع الصحي لكل مريض قمنا بمعاينته في كل مرة نزور فيها مركز الإيواء".
وضمن مبادرة وزارة الصحة، تتنقل ثلاث عيادات طبية تابعة لـ"جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية" بين 12 مركز إيواء في بيروت، ومركزين في محافظة الشمال، لتوفير الرعاية الطبية اللازمة للنازحين واللقاحات للأطفال. ويوضح أخصائي الجراحة العامة محمد زكي الحارس، المتطوع عبر عيادات الجمعية، أن "دور الفريق الطبي المتنقل يتمثل في فحص المرضى، وتشخيص الحالة، وتوفير الأدوية اللازمة واللقاحات، وعند اللزوم، يتم تحويل المرضى إلى المراكز الصحية التابعة للجمعية لاستكمال علاجهم".
ويتابع الحارس لـ"العربي الجديد": "تضم عياداتنا معظم التجهيزات المطلوبة للرعاية الأولية، ويتألف كل فريق من طبيب للأطفال، وطبيب صحة عامة، وقابلة قانونية لمتابعة النساء الحوامل، إضافة إلى ممرضين لفحص العلامات الحيوية للمريض، ومن ثم يتم تحويل المريض إلى الطبيب. الدور الذي تلعبه العيادات المتنقلة حيوي للغاية لجهة سرعة التنقل، ونقل المعدات الطبية بين مراكز الإيواء، وتوفير العلاج للمرضى من دون تحميلهم أعباء مالية للوصول إلى العيادات".
ويضيف: "أكثر الأمراض الشائعة بين النازحين هي الأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، ومستوى السكري، إضافة إلى بعض حالات التسمم والأمراض الموسمية، وجميعها تتم معالجتها بالأدوية اللازمة. لكن تبدأ المعاناة حين يطلب الطبيب من المريض إجراء الأشعة أو الصور الشعاعية، إذ لا تتوفر الإمكانات المادية لإجراء الفحوص اللازمة للتشخيص".