لبنانيو ألمانيا... خسارة أحبة وممتلكات وأعباء دعم الأهل

21 نوفمبر 2024
خسائر كبيرة تعرّض لها اللبنانيون (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

في ظل أجواء مشحونة بالقلق والتوتر والمخاوف، تطغى تطورات وأخبار العدوان الإسرائيلي المتواصل على أحاديث الجالية اللبنانية في ألمانيا، خصوصاً بعد توسع العدوان قبل قرابة الشهرين، ويظل الهاجس هو الاطمئنان على أحوال الأهل والجيران والأصدقاء.
تدور كثير من الأحاديث حول خسارة بعض الأحبة، وخسارة ممتلكاتهم وأرزاق عائلاتهم، وتمتد إلى صعوبات التنقل، وأزمات النزوح القسري إلى مناطق بعيدة، وصولاً إلى تزايد الأعباء عليهم، في ظل تكبّدهم مصاريف إضافية، نتيجة اضطراراهم إلى تحويل مزيد من الأموال لأهلهم في لبنان، لتوفير النفقات والحاجيات التي تشمل كلفة الإيجارات، وتكاليف المعيشة والعلاج، وغيرها.

يقول المغترب اللبناني قاسم، ابن مدينة صور، إنه استطاع بعد جهد كبير، وبعد فترة طويلة على بدء العدوان، إقناع والدته واثنتين من أخواته وأولادهما بالانتقال إلى منطقة النويري في العاصمة بيروت، حيث قام بمساعدة صديق له باستئجار شقة لهم، لكن بعد انتقالهم، تعثّرت والدته المسنة داخل المبنى الجديد، ما تسبب بكسر في ساقها، وهذا اضطره إلى دفع مبلغ كبير من المال كنفقات إجراء عملية جراحية لها.
يضيف: "رغم كل محاولاتي لإقناعهم بالبقاء في بيروت، فإنهم ما زالوا يتمنون العودة إلى منازلهم التي تعرّضت لأضرار بفعل قصف المنطقة، مع تولد شعور بالخجل لديهم، كونهم يحملونني المزيد من الأعباء المادية شهرياً. لا أخفي أن التكاليف كبيرة، خاصة الثابتة منها، مثل اشتراك الكهرباء والماء والإنترنت، لكني لست ممتعضاً أو متأففاً، وأفكر حالياً مع برودة الطقس بشراء بعض المستلزمات الأساسية من ملابس وأحذية لأقوم بإرسالها إليهم، رغم صعوبة حركة السفر والشحن إلى لبنان".
بدوره، يقول المقاول فادي، ابن مدينة الهرمل، بأنه "في بداية العدوان على البقاع الشمالي، لم أتمكن على مدار يومين من التواصل مع زوجتي وإخوتي الذين هربوا إلى بلدة القاع أولاً، وباتوا ليلتهم هناك، وبعدها غادروا إلى مدينة حمص السورية، حيث قاموا باستئجار شقة، لكن بعد مرور أسبوعين، جاء صاحبها مطالباً بمضاعفة الإيجار المتفق عليه، مؤكداً أن هناك مستأجراً آخر مستعداً للانتقال والدفع فوراً، ما اضطرهم إلى العودة إلى لبنان، والانتقال إلى منطقة دير الأحمر، والإقامة في أحد مراكز إيواء النازحين".
يضيف فادي: "يعاني أهلي من ضغوط نفسية كبيرة، وهم يأملون بالعودة القريبة إلى منازلهم، وقد أصبحت مضطراً لإعانة ثلاثة من إخوتي بعد أن فقدوا عملهم، ما يكلفني أكثر من 1000 يورو شهرياً، ولا تتوقف المشكلات المادية عند هذا، فإحدى الغارات التي طاولت منطقة المريجة تسببت بخسارة شقتي التي تملكتها في عام 2010، وقد سوّي المبنى بالأرض، ولا أعلم شيئاً عن منزلي في الهرمل منذ غادر آخر إخوتي المنطقة قبل نحو أسبوعين بفعل تزايد الغارات على المنطقة، وأخر ما وصلني أنه تعرّض لأضرار جسيمة، بعد سقوط صواريخ استهدفت المنطقة بالقرب منه".
من جهته، يشير فؤاد، ابن بلدة حزرتا، إلى أن منزله الذي بناه بجهد ومال غربة لأكثر من ثلاثة عقود أصبح ركاماً بعد تعرضه إلى إصابة مباشرة خلال إحدى الغارات، وأن كل ما تبقى لديه من المنزل هو بعض الصور على هاتفه.
الحال نفسها يعيشها عيسى، من بلدة كفرا الجنوبية، والذي دمر منزله بالكامل، وهو ممتن لعدم تعرضه لخسارة أي من أفراد عائلته في القصف، إذ إنهم غادروا قبلها إلى مدينة صيدا. وكذا، خسر تاجر السيارات فضل، ابن بلدة يونين البقاعية، محلاً لبيع مستلزمات السيارات كان يملكه مع شقيقه، بعد تعرّض المبنى لقصف صاروخي.

طاول القصف آلاف الشقق السكنية في لبنان (حسام شبارو/الأناضول)
طاول القصف آلاف الشقق السكنية في لبنان (حسام شبارو/الأناضول)

يقول المغترب اللبناني جعفر، إنه كان مؤخراً في زيارة تعزية لصديق فقد أحد أقاربه الذي كان يعمل في التجارة، والذي رفض مغادرة منزله إلى أي من مراكز الإيواء، على اعتبار أن وضع المنطقة آمن نسبياً، لكن غارة مفاجئة استهدفت منزله في بلدة حاريص الجنوبية، خلفت 7 شهداء.
وصل أبو حسين، ابن منطقة وادي جيلو، إلى ألمانيا لاجئاً بعد اجتياح بيروت في عام 1982، ويؤكد أنه بعد عمل شاق طوال سنوات، استطاع مع أولاده بناء منزل مؤلف من عدة طبقات، وشراء قطعتي أرض يهتم بهما عند زيارته السنوية إلى البلد، لكن هذا الصيف كان مغايراً، ومع تزايد التحذيرات من نشوب الحرب آثر عدم السفر. يضيف: "منذ توسع العدوان في سبتمبر/أيلول الماضي، أتسمر لساعات يومياً أمام شاشة التلفاز بغية متابعة الأوضاع من كثب، وأواصل الاطمئنان عبر الهاتف على أبناء البلدة، وأسعى مع بعض المغتربين اللبنانيين لتنسيق بعض الأمور، مثل كيفية تحويل الأموال للأقارب بعدما ترك الجميع أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى، إن كان في بلدتي القماطية الواقعة في محافظة جبل لبنان، أو في مراكز الإيواء في بيروت ومنطقة بئر حسن".
أما نبيل، فحاله مغاير تماماً، إذ باع منزله في ألمانيا، وقرر المغادرة نهائياً في صيف عام 2023، والاستقرار في بلدة زوجته ميس الجبل، لكن الظروف عاكسته، بعد أن اضطر مع انطلاق جبهة المساندة لغزة عقب طوفان الأقصى، للانتقال أولاً من ميس الجبل الواقعة عند الحدود مع فلسطين المحتلة إلى مدينة صور، وخلال أشهر قليلة صرف كل ما بحوزته من مال، ليقرر العودة إلى ألمانيا بعدما تيقن أنه لا إمكانية للصمود مع توسع العدوان على جنوب لبنان.
من جانبه، يعاني حسين الأمرين منذ وصوله إلى ألمانيا في عام 2020، إذ تقدم بطلب لجوء، وإقامته تمدد كل 6 أشهر، وفي الوقت نفسه، يحاول تأمين أي فرصة عمل كي يوفر المال لأهله في لبنان، والذين اضطروا إلى ترك النبطية بفعل القصف الإسرائيلي.
بدوره، درس وسام، ابن الجنوب، الهندسة في ألمانيا، وهو يعمل بإحدى الشركات الخاصة، وقد حجز تذاكر سفر لوالديه للعودة إلى لبنان، بعد أن زاروه خلال الصيف للتهنئة بولادة طفلته، لكنه قرر عدم سفرهما، موضحاً أنه اتخذ القرار الأمثل، وأنه متشائم من المشهد في لبنان، ويعتقد أن الأمور ستزداد سوءاً.
ويقول خليل، ابن بلدة جويا: "كفرت بلبنان الذي أحبه. كنت أجمع المال من تجارة السيارات، وبعد زيارات متكررة جرى إغرائي بأهمية إيداع الأموال بالعملة اللبنانية في البنوك، والاستفادة من مكاسب الفوائد، لكني خسرت قيمة وديعتي الحقيقية، مع التغير الكلي في سعر الدولار، واحتجاز الأموال في البنوك، بينما المحل الذي اشتريته في ضاحية بيروت الجنوبية، وكانت تستفيد من قيمة إيجاره والدتي، دمّر بالكامل في قصف أصاب المبنى".

من جهته، خسر محمد خشاب، ابن بلدة المنصوري، منزله خلال الأسابيع الأولى من العدوان، مع بستان من الزيتون والحمضيات، بعد استهداف الحي بالصواريخ، ويوضح أن "أحياء القرى الأمامية في الجنوب يخيم عليها الدمار الشامل، ولا خيار أمامنا سوى التفكير بإعادة إعمار المنزل، حيث رسمت ذكرياتنا، وتكرار زيارة البلد، وتفقد العائلة والممتلكات".
بدوره، خسر عفيف، ابن شعث البقاعية، شقته في منطقة مارمخايل، بعد تعرّض منطقة الشياح الطيونة للغارات، ويفيد بأن ثلاثة من إخوته خسروا شققهم أيضاً، بعدما دمر القصف المبنى بالكامل، وأنه لا مجال في المرحلة المقبلة لتعويضها، لأن الالتزامات المالية باتت باهظة، والأمل الوحيد الذي يمكن أن يكون سبباً للعودة هو أن يبادر أحد من الأبناء بشراء شقة جديدة في المستقبل.

المساهمون