خلصت دراسة أممية حديثة، تحت عنوان "المجتمع المدني تحت الحصار"، إلى أنّ مكافحة الإرهاب لن تتأتّى بالاستهداف المنتظم واسع النطاق للمجتمع المدني، بل إنّ أنماط الانتهاكات التي وثّقتها كشفت أنّ تحقيق الأمن والاستقرار ليس الهدف الحقيقي من سياسات مكافحة الإرهاب في دول قمعية كثيرة وإنّما العكس كان لضمان استمرار مناخ من عدم الاستقرار والترهيب وتبرير الإفلات من العقاب والعنف.
وأتى استنتاج الدراسة، حول تأثير تدابير مكافحة الإرهاب عالمياً على حرية المجتمع المدني والفضاء العام، أكثر اتساقاً مع الوقائع المُشار إليها في الدراسة من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع ذلك لا تبدي حكومات هذه المنطقة أيّ إشارة إلى التراجع عن هذا التوجّه، وفقاً للدراسة نفسها.
وقد أُصدرت الدراسة، أمس الأربعاء في 21 يونيو/حزيران الجاري، من ضمن ولاية المقرّر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة كليمان نيالتسوسي فولي.
UN Global Study on the Impact of Counter-Terrorism Measures on Civil Society and Civic Space should be a wake-up call to end abuse of counter-terrorism measures to violate human rights https://t.co/RLDQzWFlqt
— Neil Hicks (@NeilCIHRS) June 22, 2023
وهذه الدراسة الأممية التي شارك في إعدادها مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بالتعاون مع ولاية المقرّر الخاص، في إعداد أجزاء من هذه الدراسة تتعلق بالمنطقة العربية، عُدَّت "مساهمة بارزة في توفير القرائن والأدلة حول تأثير قوانين وسياسات مكافحة الإرهاب على عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة". فهي وثّقت وقائع متعدّدة لإساءة استخدام التدابير الأمنية واسعة النطاق، والتي تمّ تبنيها بدعوى مكافحة الإرهاب، في الاعتداءات المتصاعدة على منظمات المجتمع المدني المستقلة في مختلف أنحاء العالم.
يُذكر أنّ إجراءات مكافحة الإرهاب في مصر صارت الأداة المفضّلة للسلطات، من أجل فرض القمع والحفاظ على السيطرة وضمان الإفلات من العقاب.
كذلك كشفت دراسة الأمم المتحدة أنماطاً مختلفة لتوظيف سياسات مكافحة الإرهاب لقمع المجتمع المدني، وأكّدت أنّ من شأن غياب المجتمع المدني أو خوفه أو اختفائه أن "يجعل المجتمعات أكثر ضعفاً وأقلّ تشاركاً ومن ثمّ أكثر عُرضةً للظروف المسبّبة للإرهاب والعنف"، وهو ما سبق وحذّرت منه مراراً المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية.
وأشارت الدراسة إلى أنّ تغيير أنماط الانتهاكات وتجاهل حقوق الإنسان الراسخة لعقود يحتاجان إلى تحرّكات وخطوات عملية جادة أبعد من الوعود والتصريحات الدعائية من دول وأنظمة تدّعي كذباً حماية حقوق الإنسان واحترامها في سياقات مكافحة الإرهاب. وهو الأمر الذي يستلزم تطوير آليات رصد وتوثيق على المستويَين الوطني والدولي لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين عنها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وشدّدت الدراسة نفسها على أنّه، بدعوى مكافحة الإرهاب، صاغت الحكومات الاستبدادية قوانينها القمعية وتهرّبت من المساءلة عن انتهاكاتها، بل واستفادت من الدعم العسكري وكذلك المالي والدبلوماسي من الحكومات الديمقراطية التي تدّعي أنّها ملتزمة بدعم حقوق الإنسان وسيادة القانون.